العدد 3047 - السبت 08 يناير 2011م الموافق 03 صفر 1432هـ

هل يحق للمعارضة ما لا يحق للسلطة؟

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

وسط متابعة أخبار انفجارات الكنيسة في مصر، وفي زحام تلقف ما سيؤول له مصير السودان، وبين ضجيج ردود الفعل إزاء ما يجري في تونس، وفي ترقب يحاول أن يستقرئ مستقبل لبنان... وسط كل هذه الأحداث، ضاع أحد الأخبار المحلية الذي يتحدث عن تجاوزات بعض أعضاء المجالس البلدية فيما يتعلق بالإجراءات المالية، من صرف شيكات من غير أرصدة، أو الدفع لجهات معينة دون التقيد بالإجراءات الإدارية المطلوبة، الأمر الذي استدعى تدخل مصرف البحرين المركزي.

ليس الغرض هنا متابعة ذيول الخبر، أو تقصي مدى دقته، من أجل الإدانة، أو تبرئة الذمة، بقدر ما هي الرغبة في التوقف عند التداعيات التي تتعلق بسلوك المعارضة البحرينية منذ عودة الحياة البرلمانية للبحرين.

إن من أهم ما جلبه لنا المشروع الإصلاحي، بالإضافة إلى قبر «قانون أمن الدولة» السيئ الصيت، كان فتح المجال واسعاً أمام حق المعارضة البحرينية العلنية، كي تمارس دورها في بناء مجتمع مدني يقود نحو «المملكة الدستورية» من جهة، ومراقبة السلطة، والحد من جبروتها الذي بات أمر لا يطاق من جهة ثانية. لكن أسوأ ما في الأمر، أن المعارضة البحرينية، أو على الأقل كتلها الرئيسة، ذات الحضور الواسع في الشارع البحريني، عوضاً عن فهم هذه المعادلة على نحو صحيح، والاستفادة منها إلى أبعد الحدود، من خلال الإنصات لنداء المواطن وتلبية احتياجاته المادية والسياسية، وجدناها تجسد، بوعي أو بدون وعي، سلوكيات كنا ننكرها، وتنكرها هي أيضاً، على السلطة. وسنورد أدناه أبرز تلك الممارسات التي نأمل أن تقرأها المعارضة بروح رياضية بعيدة عن أي انفعال، منطلقين أساساً، من عدم تبرئة ذمة السلطة التنفيذية من توفير البيئة الملائمة لنمو أسوأ أنواع الطفيليات التي تزدهر بفضلها تلك الممارسات الخاطئة، التي نعتقد أن لوثتها مست صلب القوى المعارضة.

أول تلك الأمراض، أو السلوكيات المرفوضة، هي الطائفية، فلا يبرر للمعارضة، مهما كانت الأسباب التي تسوقها أن تلطخ برامجها وأنشطتها بأوساخ الطائفية. فكون بعض أطراف السلطة تلجأ، انطلاقاً من مصالحها القائمة على تمزيق النسيج الاجتماعي للبحرين، إلى تشجيع النزعات الطائفية، لا يعطي المعارضة الحق في العزف على أوتار هذا المدخل والتشبع به. فما نلمسه اليوم في سلوك المعارضة، هو الاستمتاع بما تحققه من مكاسب، نعتقد أنها «قزمة» مقياساً بالمكاسب الوطنية الحقيقية التي يطمح المواطن إلى الوصول لها.

قد تحقق الطائفية انتشاراً سياسياً واسعاً مؤقتاً لهذه الفئة في هذه الطائفة أو تلك، وقد تنجح هذه الجمعية في كسب أصوات الطائفة التي تدعي تمثيلها، لكن هذه المكاسب، التي تبدو مهمة، ستكون، مهما طال أمدها، قصيرة الأجل، وآثارها الوطنية محدودة، والأسوأ من ذلك أنها ستساهم أيضاً في تعميق خنادق الطائفية التي تحفرها جهات في السلطة التنفيذية من جهة، وتحضير أكفان المواطنة من جهة ثانية.

ثاني تلك الأمراض التي بدأت تسيطر على سلوك المعارضة، وكان من المفترض أن تحاربها هي، قبل أية جهة أخرى، هو استغلال النفوذ الذي باتت توفره المناصب النيابية والبلدية، لمن يريد أن يستثمرها لأغراض ذاتية، أو فئوية، ومن أجل تحقيق بعض المكاسب الشخصية المباشرة، لأفراد تلك المعارضة أو لأقاربهم أو القريبين منهم. بدأ المواطن يستشعر تحرك بعض قيادات المعارضة في الدفاع عن مصالح شخصية في الإدارات العامة للدولة أو الهيئات المنبثقة عنها. فتحْت ادعاء الدفاع عن مصالح الجماهير يجري، اليوم، تمرير الضغوط التي يمارسها بعض قيادات المعارضة من أجل تحقيق مصالحهم أو مصالح بعض الفئات التي بدأت تتحلق حولهم.

بوسع المواطن أن يفهم، دون أن يقبل، مثل هذا السلوك من بعض المسئولين في الدولة، وخاصة أولئك الذين ينتسبون لفرق الحرس القديم، الذين دربوا على ذلك، وترعرعوا في أحضانه، لكنه لا يستطيع أن يقبل صدور مثل هذا السلوك من أفراد ينتمون إلى صفوف المعارضة التي وضع ثقته فيها وفي برامجها.

تراجع الأولويات التي تهمّ الوطن، من جدول أعمال المعارضة لصالح الأولويات التي تخدم مصالح تلك المعارضة كقوة سياسية، أو قياداتها كأفراد. والحديث هنا يتجاوز البرامج والخطط كي يحط رحاله عند الممارسة والسلوك. بالطبع يبدو هناك بعض التطابق في بعض القضايا، لكن المطلوب هنا أن يشمل ذلك التطابق كل القضايا دون أي استثناء. مرة أخرى ليس المقصود هنا استدعاء لوزير هنا، أو استجواب لآخر هناك، وليس الهدف تبرئة الذمة بتصريح لتلك الصحيفة، محلية كانت أم إقليمية، أو لقاء متلفز مع هذه القناة أو تلك. ما يطمح المواطن أن يراه، كي ينام مطمئناً قرير العين، هو خطة وطنية مسبوكة بعناية وحذق، تحتضن برنامجاً وطنياً بعيداً عن أي شيء سوى مصلحة ذلك المواطن والوطن، يكرسهما سلوك يومي يدافع عن تلك الخطة ويحمي ذلك البرنامج.

قد ينبري من بين الصفوف من يقول، «لكن يحق للمعارضة ما لا يحق للسلطة»، على غرار القول «يحق للشاعر ما لا يحق لغيره»، والمقارنة هنا خاطئة، فذلك الحق لا يوهب لأي شاعر، ولا يحصل عليه الشاعر إلا بعد أن يثبت فحولته، ويتبوأ المكانة الأدبية التي لا يستطيع أحد آخر أن يبزه فيها. حينها فقط يعطى الشاعر ذلك الحق، وبالتالي فلِكي نعطي المعارضة هذا الحق، عليها أن تنظف أبدانها من كل ما تلطخت به خلال السنوات الثماني الماضية، عندها يمكن للمواطن أن يستوعب بعض الانحرافات الضرورية التي لابد من القيام بها من أجل الوصول إلى الهدف

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3047 - السبت 08 يناير 2011م الموافق 03 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • مواطن مستضعف | 7:13 ص

      مصائب وطنية ..... أساسها:

      بسم الله الرحمن الرحيم
      عوفيتَ يا أستاذي الفاضل الكريم "عبيدلي"
      بغضّ الطرف عن مساوئ و سلبيات و عثرات المعارضة التي هي أكثر من أن يحصيها العادّون, هناك مصائب وطنية –إن صح التعبير- أساسها و حلّها بيد السلطة وحدها, مثال على ذلك "التجنيس" فكما هو معلوم بأن المعارضة لا "تُجنّس", و الأمثلة متعددة.

    • زائر 3 | 1:55 ص

      اخي العزيز عبيدلي إنه خطاب النخبة

      تتحدث عن المواطن وتحمل البعض اوزار الطائفية كمعارضة ولكنها في واقع الحال ليست بمعارضة لأسباب كثيرة منها ما تفضلت به في موضوع استغلالها البعد المذهبي بشقيه السني والشيعي والحقيقة الأسوة التي اغفلتها إنتشار الرشوة الإنتخابية بشكل واسع فهذا المواطن الذي لا يتردد ببيع كرامته وإرادته لقاء كبون للمشتريات او لقاء بضع دنانير او ايسي وغيرها لا يجوز التحدث بإسمه على اعتبار انه صاحب القرار بل العكس فألأطر السياسية المذهبية والفاسدة هي إنعكاس لسلوك هذا المواطن - اخوكم بحر

    • زائر 2 | 12:04 ص

      كل الحق للسلطة ولا حق للمعارضة

      المنطق هنا يقول هكذا والواقع هكذا أيضا لا حق للمعارضة وكل الحقوق للسلطة ومن يقل غير ذلك فليبرهن على ما يقول

    • زائر 1 | 10:06 م

      • بهلول •

      السؤال الأكثر وجاهة هو هل يحق للسلطة ما لا يحق للمعارضة ؟

اقرأ ايضاً