العدد 2440 - الإثنين 11 مايو 2009م الموافق 16 جمادى الأولى 1430هـ

غرق «التايتانيك» وإفلاس «ليمان براذرز»

كنت أسمع دائما من يقول إن علينا أن لا نضع خطة بعيدة جدا في حياتنا، لأنه ليس كل ما سيحدث يتوافق مع الطريقة التي نريدها.

نعم، علينا جميعا أن نستمع إلى هذه الكلمات الحكيمة، ولكن كيف يمكننا أن نعيش في عالم اليوم بدون خطة؟ فالنصائح تلقى علينا من مختلف الجهات؛ البعض يحاول إقناعنا بخطط للتأمين على الحياة، وخطط لتنظيم الأسرة، وخطط للتأمين الصحي، وخطط للطفل والتعليم وخطط للتقاعد.

كل هذه العبارات الطنانة التي تحتوي على خطط استقبلتها أذهاننا لحظة دخول الجامعة، وعليه فقد كان علينا أن نتخذ قرارات عندما تخرجنا، وهكذا تشكلت لدينا خطط.

أنا كنت ممن يعتقد أن لديه رؤية وخطة من نوع ما، وكان كل شيء منظما وواضحا منذ دخلت الجامعة وبعد تخرجي وانضمامي إلى مهنة الحياة (القطاع المالي). ولكن قبل ستة أشهر استيقظت ذات صباح، وكان يوما مشهودا قضى على خططي التي كنت أعتقد أنها محكمة... كان ذلك يوم إعلان إفلاس الشركة المالية العملاقة «ليمان براذرز» حيث كنت أعمل. في البداية تعاملت مع الوضع بهدوء، ولكن بعد ذلك انتابتني موجة من الذعر والقلق، لأن ما حدث لم يكن فقط خسارة واحدة من أكبر المؤسسات المالية في التاريخ، لكنني أيضا فقدت خطتي، تماما في الوقت الذي كنت أعتقد أن خططي الحياتية كانت تسير على ما يرام.

راجعت ما تدربت عليه من خطط محددة لمواجهة الانكماش الاقتصادي، وكنت تدربت على عدم التفكير في الأحداث السيئة أو السلبية، لأنها نوع من الشؤم... ولكن الصدمة والذعر الذي شعرنا به - كموظفين سابقين في هذه المؤسسة العملاقة - أشعر الجميع بما حولهم من هول المصاب عندما تعلن مثل هذه الشركة الإفلاس.

كنت بحاجة لإيجاد خطة جديدة وتلقيت مساندة من معظم أصدقائي الأعزاء والأسرة، والجميع يقول لي إن كل شيء سيكون بخير. ولكن بالنسبة لي ولغيري ممن مر بالحال ذاته، فإن الأمر يتعلق بمسار حياتنا المهنية، ونظرت من حولي إلى أناس فقدوا مصدرهم الوحيد للدخل، وفقدوا معيشتهم، وأنا حالتي قد تكون أفضل منهم... ولكن الشعور الأسوأ هو إذا لم تستطع مساعدة الآخرين، لأنك تشعر بأن خططك قد سحقت.

ربما إنني عشت لحظة الإعلان الحقيقية عن الأزمة الاقتصادية العالمية لأنني كنت مصرفية أعمل في مؤسسة مالية كبرى لم يتوقع أحد إفلاسها في يوم من الأيام...

أعود مرة أخرى إلى الحكمة التي نصحت بعدم وضع خطط بعيدة المدى وكأنها مضمونة الحدوث، والمهم في كل ذلك العودة إلى ترتيب حياتي، وترتيب الأهداف، ومراجعة الأحلام، واستقبال ما يحدث بصفته «أزمة منتصف العمر» التي سببتها الأزمة الاقتصادية المؤسفة لكثير من العاملين في القطاع المصرفي.

ربما إن الرسالة التي بعثتها لنا الأزمة الاقتصادية العالمية هو أن علينا مساءلة خيارات حياتنا الشخصية وإعادة النظر في القرارات، واستعادة الثقة وعدم الاستسلام للمشاعر التي تنهال على الشخص عندما يتعرض لشيئ كما حدث لشركة «ليمان براذرز»...

العظمة الصناعية البريطانية لم تستطع منع سفينة «التايتانيك» من الغرق في 1912، والعظمة المالية الأميركية لم تستطع منع «ليمان براذرز» من الإفلاس في 2008، ولعل الدروس والعبر مازالت قيد الدراسة والتفسير.

العدد 2440 - الإثنين 11 مايو 2009م الموافق 16 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً