تلقيت الكثير من الردود بشأن مقالة «لن يبقى للبحرين ...». بعضها على الصفحة الإلكترونية لصحيفة «الوسط»، والبعض الآخر عبر الهاتف. تفاوتت الردود بين المنفعل الذي غمز من قناة «المجنسين الجدد»، والبعض الآخر حاول ان يلقي بالمسئولية كاملة على الدولة. تعليق واحد استرعى انتباهي وأجبرني على أن أعيد النظر فيما كتبت. التعليق لفت نظري إلى أن هناك ما يشبه الدعوة فيما تناولته، «لتشجيع الموارد البشرية البحرينية الماهرة للهجرة إلى الخارج» الملاحظة التي أوردتها صاحبة التعليق أن في ذلك خطرين: الأول هو فتح جرح نازف يخلي البحرين من الكفاءات المحلية، لأن الأسواق أو المشاريع الخارجية، لن تستقطب سوى «اليد الماهرة، أو العقول النابغة، فتأخذ الأفضل من بينها». أما الخطر الثاني، فهو أن هناك، في المقال، «شبه تبرير لسياسات الدولة في عدم تطوير السوق المحلية وتوسيع نطاقها». كلتا الملاحظتين مهمتين، لكني سأتوقف عند الأولى لأنها، من وجهة نظري، الأكثر أهمية عند الحديث عن «اليد العاملة المحلية القادرة على المنافسة والعقول المحلية المبدعة، وبمعايير عالمية».
في البدء لابد من التأكيد على أن المقالة لم تكن تهدف إلى تشجيع هجرة البحرينيين وإفراغ السوق المحلية منها، بقدر ما كانت تحاول ان تلفت النظر إلى ضرورة الاستفادة من المشروعات الإقليمية المحيطة بنا، دون التفريط باحتياجات السوق المحلية، ومتطلباتها. وطالما أن الحديث يتناول الهجرة، فهناك نوعان من هجرة اليد العاملة الكفوءة: الأولى سلبية، وتحدث عندما يجد المواطن نفسه مضطرا إلى ترك بلاده والهجرة إلى الخارج، إما نتيجة للظروف السياسية القائمة، أو بفعل العوامل الاقتصادية العسيرة. وشهدت البحرين هاتين الحالتين، الأولى خلال الأربعين سنة الأخيرة من القرن الماضي، عندما كانت مواد «قانون أمن الدولة» الجائرة هي السائدة، فكان الشباب البحريني، وبينهم نسبة عالية من ذوي الكفاءات المهنية والأكاديمية العالية. خسرت البحرين، جراء تمسك الدولة بالتطبيق العشوائي لمواد قانون أمن الدولة الكثير من الكفاءات الوطنية التي كان في وسعها، لو اتيحت لها الفرصة، أن تساهم، بكل أمانة وصدق، في تعمير البلاد. تبعثرت تلك العناصر الكفوءة في العواصم التي وفرت لها الملجأ، دون ان تلبي حاجاتها الإبداعية المهنية. أما الحالة الثانية، فقد شهدناها في المرحلة التي أعقبت الحرب العالمة الثانية، عندما تدفق النفط في السعودية والكويت بكميات غزيرة، وكانت الأحوال الاقتصادية في البحرين سيئة، فهاجرت مجموعة لا يستهان بها من ذوي الكفاءات إلى ذينك البلدين، وعلى وجه الخصوص المنطقة الشرقية من السعودية. ونظرا لقسرية الأولى وعفوية الثانية لم تترك تلك الهجرتين التأثيرات الإيجابية على السوق.
النمط الثاني من الهجرة هو الهجرة الإيجابية، وهذه هي التي نتحدث عنها، وهي شبيهة بما يحصل اليوم في الهند، التي توازن بين «تصدير العقول الهندية إلى الخارج» من جهة، و»جذب الاستثمارات الأجنبية نحو الداخل» من جهة ثانية. ويعتبر النموذج الهندي هو الأفضل على الصعد كافة، فمن جانب أغرقت الهند، وبوعي، الجامعات الأميركية بالطلاب الهنود الذين تخصص معظمهم في تقنيات الاتصالات والمعلومات، وهي الصناعة الصاعدة في هذه المرحلة. وبالقدر ذاته، احتفظت الهند بنسبة لا يستهان منها من العقول المبدعة، سواء تلك التي عادت من الخارج، او التي قذفت بها إلى سوق العمل الجامعات الهندية، ومعظمها كانت هي الأخرى في قطاع تقنيات الاتصالات والمعلومات أيضاً، الأمر الذي شجع الاستثمارات العالمية على نقل الكثير من عملياتها إلى الهند، التي ازدهر فيها اقتصاد «العهدة» ( Outsourcing ). لم تفقد الهند توازنها خلال الستين العام الماضية، ففي البداية كانت الغلبة للسوق الخارجية، التي تراجعت حصتها، وبشكل تدريجي لصالح السوق المحلية الهندية. وحتى تلك التي كانت في الخارج، لم تنسَ الغالبية منها أن وجودها هناك مؤقت، وأن عودتها ليست سوى مسألة وقت.
نعود بعد ذلك إلى البحرين، ومعها السوق المحلية، وأهمية توطين الكفاءات فيها، والاستفادة منها في تطوير البلاد وتقدمها. ربما يتطلب الأمر منا دراسة التجربة الهندية، ولا نقول نقلها بشكل أعمى. فالمطلوب أن تضع البحرين الخطة الصحيحة التي تحقق، وبصيغة مبدعة قادرة على تحقيق النجاح، تلبية حاجة السوق المحلية، دون التفريط في متطلبات الأسواق المحيطة، وعلى وجه الخصوص السوق القطرية، التي تشهد نموا ملحوظا ستعزز من برامج توسعها خلال السنوات العشر القادمة، احتياجات احتضان كأس العالم 2022.
ولا يمكن أن يتم ذلك بعيدا عن الإقدام على الخطوة الأساسية الأولى، وهي إصلاح النظام التعليمي، كي تكون مخرجاته عقول مبدعة مفكرة، لا أفواه قارئة مرددة. وإصلاح النظام التعليمي، ليس قرارا عشوائيا يقف عند حدود المرحلة الجامعية، فيقوم بإضافة مادة هنا، أو استحداث تخصص هناك. أنه أعقد كثيرا من ذلك، وأكثر عمقا منه. نقطة الانطلاق يجب ان تبدأ عند المرحلة التي تسبق المرحلة الابتدائية، ففي فصولها الأولى يبدأ تكون الذهن المبدع المميز عن تلك «الخزانة الصماء الحافظة». يترافق ذلك مع إعداد جيوش المدرسين المواكبين للتطورات الثورية التي تشهدها أساليب التعليم الحديثة. وعندما نحقق هذه الثورة في التعليم، سيجد الطلاب المبدعون أنفسهم يلتقون بالمدرسين القادرين على الخلق، فتتشابك الأيدي، ويمضي الجميع على طريق إحداث تلك الثورة التي تمد السوق الداخلية باحتياجاته، وما فاض عن ذلك، وهو امر لابد من حصوله، يتوجه نحو الخارج.
بالطبع هناك إجراءات أخرى، ينبغي لها أن ترافق مثل هذه الثورة، لكنها تبقى هامشية، وغير قادرة على إحداث اي تغيير، ما لم نقدم، وبالجرأة المطلوبة، الخطوة الأولى، وهي إنجاز مهمات الثورة التعليمية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3046 - الجمعة 07 يناير 2011م الموافق 02 صفر 1432هـ
تحياتى لك
فعلآ البحرينى راح يهاجر لى دول الخليج ويترك بلده الى البحرينين الجدد المجنسين واللتى تم استبداله بشعب مجنس هنيالهم المجنسين بهذه البلد وخيرته
الواقع
على ارض الواقع هناك تمييز صارخ في البلاد ويتم تكريسة يوما بعد اخر ، والحمد لله لاتوجد لدينا بطالة ولامشاكل وكل شي على مايرام .... بالعدل والمساواة بين المواطنين تسمو البحرين عاليا وعلى الطرف الرسمى الثقة التامة والكاملة في جميع المواطنيين الاصلييين دون تفرقة ، وان العدل اساس الحكم ،،،،، نحلم بذلك ......
الخسران المبين
اقتباس:
((خسرت البحرين، جراء تمسك الدولة بالتطبيق العشوائي لمواد قانون أمن الدولة الكثير من الكفاءات الوطنية التي كان في وسعها، لو اتيحت لها الفرصة، أن تساهم، بكل أمانة وصدق، في تعمير البلاد)).
فعلاً .. خسرت البحرين كثيراً جرّاء تمسّكها بقانون أمن الدولة.
احد الجرائد نشرت
368000 وظيفة للأجانب مقابل 81000 وظيفة للبحرينين في القطاع الخاص هل يوجد مقارنة
لماذا هذا الفرق الشاسع والكثير من البحرينيني عاطلين عن العمل
لماذا لا يتم تقليص عدد الأجانب قليلا لاستيعاب
بعض البحرينين العاطلين أليس هؤلاء البحرينين بأحق من الأجانب في التوظيف
يجب العمل على تدريب وتأهيل البحريني بشتى الطرق حتى يحل محل الأجنبي
هل يعقل ان يعج بلد بالبطالة وهذه النسب من الأجانب في الوظائف ومن ثم نبحث للبحرينين عن وظيفة عن طريق وزارة العمل لتدفع جزء من راتبه ما هذا التناقظ
إصلاح النظام التوظيفي بالأحرى
لأن النظام التعليمي مهما خرج من كفاءات وبعدها استبعدت هذه الكفاءات من الوظائف المهمة فإن ذلك مبعث على الإحباط
فئات معينة هي من يحق لها الحصول على الوظائف المرموقة وحكرها عليها وعلى جماعتها
أما الآخرون فإلى الجحيم ها نحن درسنا عيالنا على حسابنا في الخارج وبعد التخرج سنوات تمر دون وظيفة بينما نرى بأم أعيننا أناس يتلقبون من وظيفة إلى اخرى يخيّرون أي الوظائف تروق لهم وأيها لا تروق بينما عيالنا صياع يبحثون ليل نهار عن وظيفة إلا بواسطة وإذا ماكو ماكو
لماذا المناصب العليا حكرا على فئة دون اخرى
هناك من المناصب في القطاع العام والخاص وأخص بكلامي هنا القطاع الخاص هناك وظائف عليا حكرا على ناس دون ناس فلا تكاد ترى مؤسسة مالياة جديدة او شركة او بنكا إلا وعلى رأسها أحد هذه الفئات ولو حصل وأن كان الأكفأ بحرانيا فإنه لن يحصل على الوظيفة مهما كانت مؤهلاته وتعطى لمن هو اقل منه وإذا سأل قيل له تعليمات عليا
ما هذه التعليمات العليا التي تستثني طائفة بأكملها من كل المناصب المهمة والوظائف العليا
تمييز إلى أبعد الحدود وإبعاد لفئة بعينها على عينك يا تاجر
القيادات التعليمية عقيمة وكفى
القيادات التعليمية عقيمة وكفى وكذلك القيادات الادارية الجامعية فمن اين يأتي الخير والصلاح والاصلاح ......
شكرا للأستاذ عبيدلي على هذا الموضوع
كما يرجى التكرم بالتطرق إلى بعض المواضيع التي أرسلت إليك وخاصة فيم يتعلق بحديثي النعمة بالوظيفة وكيف تم استغلال وظيفتهم في الاخلال بميزان التنمية وإن التغيير الوزاري وقمة الهرم ليس هو الحل وخاصة ظهور فئة خريجي جامعات الدكاكين الذين تم تزكيتهم لمناصب اكبر من قدراتهم
لا توجد إدارة كفؤة جادة في حمل الهم الإقتصادي.
كل تلك العقود و ها نحن نرى الحال الإقتصادية للبحرين و نسبة البطالة و الفساد المالي و الإداري، هنالك نتيجة حتمية لما يراد له أن يكون في المستقبل. كل تلك المحسوبيات و الأداء الإقتصادي الركيك الذي يدعي القوة و أن كل شيء بخير و أنه لا يوجد تضخم في الأسعار و أنه لا توجد مشاكل بالأساس لا حاضرا" و لا مستقبلا هو ما سيدخلنا في دهليز الشحاتة و طلب المساعدات من هنا و من هنالك، و إذا كان هنالك من مجيب اليوم ليعطي لن نجد أحدا" مهتما بإعطائنا شيء و كل هذه الثروات الحالية تذهب في الجيوب المعمورة.