العدد 3046 - الجمعة 07 يناير 2011م الموافق 02 صفر 1432هـ

إطار عمل لقيام صحافة حرة

إن اعتبار ما هي الحقوق الأساسية للصحافيين للقيام بعملهم يُشكِّل نقطة بدء مفيدة في الوقت الذي ننطلق فيه لإنشاء إطار عمل لقيام صحافة حرة تشمل هذه الحقوق: لا تقييد سابق، حماية من الكشف الإلزامي عن المعلومات، حق الوصول إلى المعلومات الحكومية وإجراءات المحاكم، حق انتقاد المسئولين الحكوميين والشخصيات العامة، حق جمع ونشر معلومات ذات أهمية إخبارية حول الأفراد، تحديدات لمنح الرخص الحكومية للصحافيين ومنظمات الأنباء، وضع قيود شديدة ومصممة بعناية فقط بشأن التعبير غير المحتشم أو الفاحش.

لا تقييد سابق

جادل القانوني الإنجليزي الذي عاش في القرن الثامن عشر، ويليام بلاكستون بأن «حرية الصحافة هي بالتأكيد ضرورية في طبيعة الدولة الحرة: ولكن ذلك يقوم على عدم وضع أية قيود مسبقة على المطبوعات ولا أن تكون متحررة من اللوم حول المواد الجنائية عند نشرها. كان تمييز بلاكستون هذا مهماً. فقد كانت سلطة الحكومة في منح التراخيص، وفي السيطرة على من يستطيع تشغيل مطبعة وما يستطيع نشره تُشكِّل جوهر «الاختصار» لحرية التعبير. فمن خلال منع الكلام حتى قبل أن يلفظ، تكبت الحكومة النقاش والاختلاف.

ولكن في نظر بلاكستون، قد يتحمل الناشر تماماً المسئولية عما يختار أن ينشره. وقد يمنع بلاكستون الحكومة من ممارسة الرقابة على الكلام، ولكنه قد يسمح مع ذلك بفرض عقوبات بعد نشره.

فقط في حالات نادرة يذهب بلد ما إلى الحد الذي ناصره بلاكستون من خلال التحريم المطلق لممارسة أية «قيود مسبقة» على الصحافة. وسوف نبحث هنا في عدد من أنواع القيود التي تعترف بلدان عديدة بأنها قانونية. ونورد أدناه الظروف التي قد يعتبر فيها التقييد المسبق على أنه مناسب:

- يجب تحديد وجود مصلحة ملحة.

- يجب تصميم الأمر بصورة ضيقة وليس أوسع في النطاق مما هو ضروري للمعالجة الكافية للمصلحة الملحة.

- يجب أن يكون الأمر دقيقاً في شروطه، ومحدوداً بأكبر قدر ممكن في مدته.

- يجب الإثبات بأن الأمر سوف يقدم بالفعل المصلحة الملحة المشدد عليها، أو أن يتجنب إلحاق الأذى المحدد.

- يجب الإخطار بالأمر، وتوفير الفرصة لسماع المعترضين عليه، قبل فرض تطبيقه.

ما هي أنوع المصالح التي قد تكون «ملحة» بدرجة كافية لتبرير وضع قيود مسبقة؟ قد تشمل هذه المصالح، من بين مصالح أخرى:

- معلومات تجارية تكون سرية أو مملوكة.

- معلومات شخصية حميمة للغاية.

- مواد محمية بحقوق النشر.

- معلومات تتعلق بتحقيق جنائي جارٍ أو بمقاضاة.

- مواد فاحشة أو غير أخلاقية.

ولكن ربما كان التبرير الذي يتم اللجوء إليه بصورة أكثر تكراراً هو الأمن القومي. يطرح هذا مأزقاً حقيقياً على الصحافيين. فمن جهة، لا يريد أي صحافي أن يقوّض الأمن القومي من خلال نشر معلومات تشكل تهديداً حقيقياً. ومن جهة أخرى، يمكن أن يحاول مسئولون حكوميون اللجوء إلى التحجج بقضية الأمن القومي لتبرير فرض رقابة موسعة.

درست المحكمة العليا في الولايات المتحدة هذه المسألة في قضية نيويورك «تايمز كومباني» ضد الحكومة الأميركية 1971 التي يشار إليها في أحيان كثيرة على أنها «قضية أوراق البنتاغون».

فبعد أن بدأت صحيفة «نيويورك تايمز» في نشر مقتطفات من وثائق سرية حول التورط الأميركي في فيتنام، سعت حكومة الرئيس نيكسون للحصول على أمر قضائي مقيد لمنع النشر اللاحق لهذه الوثائق. وأصدرت المحكمة العليا قراراً ضد الحكومة، وذكرت فيه أن «أي نظام من القيود المسبقة يأتي إلى هذه المحكمة يحمل معه افتراضاً مضاداً لصلاحيته الدستورية»، واستنتجت المحكمة أن الحكومة فشلت في هذه القضية في استيفاء «العبء الثقيل المتعلق بإظهار المبرر لفرض مثل هذه القيود». الرأي المختصر لم يقدم الكثير من التبصر في منطق قرار المحكمة. إذ بات من الصعب تمييز الظروف، إن وجدت، التي قد تبرر في قضية مقبلة فرض قيود مسبقة. إن كل ما نعرفه هو أن الحكومة لم تستوف العبء المطلوب منها في هذه القضية، ولم تذكر المحكمة أنها لن تتمكن على الإطلاق من استيفاء ذلك.

فمن الناحية العملية، خلقت قضية أوراق البنتاغون حاجزاً لا يمكن تخطيه عملياً أمام الرقابة المفروضة من جانب الحكومة على أساس مصلحة الأمن القومي في الولايات المتحدة. ولم توافق المحكمة العليا منذ ذلك الوقت أبداً على فرض قيود مسبقة على قدرة وسائل الإعلام على نشر معلومات تتعلق بالأمن القومي، وحتى في بيئة ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول.

ونظراً لحدود السلطة القضائية الإقليمية، ظل فرض قيود تكون فعالة حقاً على مستوى العالم دائماً يُشكِّل تحدياً لحكومة أي بلد معين. ففي أواخر الثمانينيات من القرن العشرين، كانت المحاولات التي بذلتها الحكومة البريطانية لفرض قيود على نشر كتاب «سبايكاتشر»، (الذي يعني ضبط الجواسيس) وهو عبارة عن مذكرات عميل سابق في جهاز الاستخبارات البريطانية المعروف باسم MI5، في النهاية دون فائدة. ففي حين تم منع توزيعه من قبل محكمة إنجليزية، فقد تم تداول الكتاب بصورة واسعة في أستراليا وحتى في أسكتلندا، وجزء من المملكة المتحدة لا تطبق فيه قرارات المحكمة الإنجليزية. تدفقت نسخ من الكتاب على إنجلترا من هذه السلطات القضائية المنفصلة ومن غيرها.

وفي نهاية المطاف اضطرت المحاكم الإنجليزية إلى إلغاء المنع استناداً إلى أن النشر في مكان آخر كان يعني أنه لم تعد هناك أية أسوار يلزم المحافظة عليها. وفي ذروة الخلاف، نشرت النسخ البريطانية لمجلة «ذي إيكونومست» صفحة بيضاء حملت الملاحظة التالية: بإمكان قرائنا في جميع البلدان ما عدا بلد واحد، مطالعة هذه الصفحة التي تتضمن مراجعة لكتاب «سبايكاتشر» الذي كتبه بيتر رايت العميل السابق لدائرة الاستخبارات MI5. وهذا البلد المستثنى هو بريطانيا حيث مُنع تداول الكتاب والتعليق عليه. وبالنسبة لقرائنا الـ 420 ألف نشرنا هذه الصفحة خالية، والقانون حمار».

سبقت قضية «سبايكاتشر» نمو الإنترنت. واليوم تطرح وسائل الإعلام الجديدة الناشئة عائقاً كبيرا أمام الفرض الفعال للقيود المسبقة. وتشكل قضية «ويكيليكس» مثالاً على ذلك. ففي فبراير/ شباط 2008، أصدر قاضٍ فيدرالي في ولاية كاليفورنيا أمراً قضائياً ساري المفعول على موقع ويكيليكس، وهو موقع إلكتروني يزعم أنه تأسس من جانب «معارضين صينيين، وصحافيين، وعلماء رياضة... وعلماء تكنولوجيا، من الولايات المتحدة، وتايوان، وأوروبا، وأستراليا وجنوب إفريقيا». وكانت مهمتهم المعلنة ذاتياً «الكشف عن السلوك اللا أخلاقي في... الحكومات والشركات». سمح موقع ويكيليكس للمستخدمين بأن ينشروا، دون التصريح عن أسمائهم، مجموعة متنوعة واسعة من الوثائق كقواعد القتال للجيوش الأميركية، وكتب أدلة التشغيل لمعتقل غوانتانامو، ومعلومات حول الحسابات السرية في المصارف السويسرية. وزعم الموقع أنه غير مسئول عن محتوى المواد التي يدخلها المستخدمون في موقعه.

وقد أمر الأمر القضائي للمحكمة شركة «داينا دوت»، وهي شركة مقرها في ولاية كاليفورنيا تولت تسجيل اسم حقل موقع الإنترنت لويكيلكس بأن تقفله فوراً وتبطل استعمال اسم الحقل وتسد إمكانية الوصول إلى الوثائق. غير أن صحيفة «النيويورك تايمز» نشرت خبراً يقول إنه حتى بعد أو وضعت شركة داينا دوت قيودا على الموقع، كان لا يزال بإمكان المستعملين عبر العالم الوصول إلى الموقع وقراءة الوثائق من خلال الوصول إلى مواقع ناقلة مسجلة في بلجيكا، وألمانيا، وجزر كريسماس.

وبعد انقضاء أسبوعين على صدور الأمر القضائي الابتدائي، قام القاضي الفيدرالي نفسه الذي أصدره بإلغائه. وكتب القاضي جيفري وايت: «من الواضح أنه في جميع الظروف ما عدا أكثر الظروف الاستثنائية، لا يسمح بإصدار أمر يُقيد الكلام». كما ذكر أن أمره القضائي الابتدائي لم يكن غير فعال فحسب وإنما أيضاً «ولّد بالضبط عكس التأثير المقصود» ذلك أن التغطية الصحافية للأمر لم تؤدِ سوى إلى شد انتباه الناس إلى المواد المنشورة على موقع ويكيليكس.

العدد 3046 - الجمعة 07 يناير 2011م الموافق 02 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً