إذا أخدنا الدستور البحريني مثلاً للمناقشة لمعرفة نطاق هذا الحق أو مداه، فسنرى المادة العشرين منه تقول:« المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية، تؤمن له فيها الضمانات الضرورية، في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة».
ومن ذلك يتضح أن الدستور قد استوجب حضور محام مع المتهم أمام المحققين شرطة كانوا أم أفراد النيابة العامة، وأمام قاضي التحقيق، وفي التحقيق النهائي لدى محكمة الموضوع، وأثناء نظر موضوع التهمة. حيث عبر الدستور عن ذلك «بجميع مراحل التحقيق والمحاكمة؛ مما يعني التحقيق لدى الشرطة أو النيابة العامة أو التحقيق القضائي بأنواعه، كما مر؛ وذلك لحصول الاندماج بين شخصية المتهم ومحاميه من حيث الحضور، فهما يعتبران شخصاً واحداً كما يقرر بذلك الفقه الجنائي المقارن، ولا يتصور صحة حضور أحدهما عن الآخر حتى صار ذلك من المسلمات القانونية، إلا في بعض استثناءات خاصة نصت عليها المادة 134 من قانون الإجراءات الجنائية، كما في حالتي الخوف والاستعجال بسب الخشية من ضياع الأدلة. والاستثناء لا يتوسع في تفسيره، ولا يقاس عليه، سيما في قانون العقوبات وما ارتبط به من تشريعات؛ لضرورة تفسير كل شك لصالح المتهم.
وصالح المتهم هو حضور المحامي الذي اختاره أو قبله، وعلى المحقق أياً كانت مرحلة التحقيق إجابة المتهم إلى ذلك؛ لأن حضور المحامي الذي اختاره أو ارتضاه المتهم ضمانة دستورية أقامها القانون للمتهم فلا يجوز حرمانه منها، فضلاً عن أنها في صالح المحقق نفسه، فهي شهادة أو قرينة على صحة التحقيق وسلامته، فإن لم يكن المحامي حاضراً، وجب تأجيل الاستجواب إلى وقت آخر لإعلانه بالموعد؛ لأن غياب المحامي شهادة أو قرينة على بطلان التحقيق، ولكن يظل من حق المحقق أن يقرر عدم تلبية هذا الطلب إذا اقتضت ضرورة التحقيق ذلك على نحو الاستثناء، وعندئذ عليه أن يبين ذلك، بقرار مسبب، حتى تشرف محكمة الموضوع على مدى الضرورة، فإذا وجدت تلك المحكمة أن إجراءات التحقيق بمعزل عن المحامي لا تبرره مصلحة الكشف عن الحقيقة فإنها تقرر بطلان الإجراء الذي قام به المحقق لهدره الضمانة الدستورية وهي وجوب حضور المحامي الذي اختاره أو ارتضاه المتهم معه أثناء التحقيق، ومن ثم فلا يصح التعويل على ما أدلى به المتهم في غياب محاميه الذي اختاره، أو ارتضاه؛ بوصف أنه وليد إجراء باطل فيكون مثله في البطلان، لمنافاته الشرعية الإجرائية.
وقد ردت بعض أحكام القضاء عندنا في البحرين على ما سبق بالقول بأن نص المادة العشرين من الدستور البحريني قد وردت ضمن الباب الثالث في الحقوق والواجبات العامة بأن يكون للمتهم في جناية محامٍ يدافع عنه، بما مقتضاه ولازمه أن تحقق اللزومية لا يكون إلا في المحاكمة وفي مرحلتها فقط، وأنه في غير مرحلة المحاكمة فلا لزوم لحضور محامٍ مع المتهم، يعني أنه ليس بلازم أن يحضر محام مع المتهم أثناء الإدلاء بإفادته لدى الشرطة أو النيابة العامة أو قاضي التحقيق، أو أية جهة أخرى، وأن لزم حضور محامي مع المتهم يكون أثناء محاكمة في الجناية فقط ، وذلك بصريح نص المادة العشرين من الدستور (هـ) التي ورد فيها «يجب أن يكون لكل متهم في جناية محام يدافع عنه بموافقته». إلا أن هذا النظر منقوض من وجوه:
الأول: إن الفقرة (هـ) من المادة العشرين من دستور البحريني دليل ضد هذا الـرأي وليس لصالحه، ذلـك أنه ليس في قول المشرع الدستوري «يجب أن يكون لكل متهم في جناية محام يدافع عنه بموافقته». ليس فيه مخصص للمبدأ العام الذي يوجب توفير الضمانات الضرورية للمتهم أثناء التحقيق والمحاكمة ولا مقيد لإطلاق ذلك المبدأ، ثم أن استلزام حضور المتهم مع محاميه الذي اختاره أو قبله، في الجنايات دون مخصص بالمرحلة، إنما هو لمزيد حرص المشرع على توفير مزيد من الضمانات للمتهم ولخطورة وضعيته ومركزه القانوني. ولما لحضور محاميه، الذي اختاره أو قبله، معه من أهمية بالغة يراد منها كفالة وتحقيق حق الدفاع للمتهم، ولكفالة سير محاكمة عادلة من المجتمع لذلك الفرد الذي زلت قدمه. فإذن يغدو حصر اللزوم، بالجناية وحصر ذلك اللزوم بالمحاكمة فقط، إنما هو تخصيص بلا مخصص وتقييد بلا مقيد، فضلا عن مخالفته للقاعدة المهمة، وهي أن الشك يفسر دائماً لصالح المتهم، وعند وجود ذلك الشك، فأحرى أن نفسره لصالح المتهم، بتوسيع نطاقه، أو بالأقل فهمه على سعته. وليس العكس، كما ذهب هذا الرأي الذي لا يمكن الميل إليه فضلا عن تبنيه أو الدفاع عنه؛ ذلك أن اختصاص الفقرة (هـ) من المادة العشرين من الدستور البحريني بتعيين محام للمتهم في جناية، لا يعني قصر لزومه على مرحلة المحاكمة الجنائية، وإلا لكان ما ورد بشأن ضرورة وجود المحامي بوصفه من أهم الضمانات الدستورية للمتهم في الدستور أكدتها الفقرة الخامسة من البند «ثانياً» من الفصل الأول من ميثاق العمل الوطني، في مراحل التحقيق من باب العبث الذي يتنزه عنه العقلاء وعلى رأسهم المشرع الدستوري، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإذا كان المشرع يستلزم حضور المحامي في مرحلة المحاكمة أمام القضاء وهو بلا شك، سياج الحريات، وملاذ الملهوفين، فمن باب أولى يكون استلزامه أمام غير القاضي، أخذا بقاعدة أن مقدمة الواجب واجبة مثله، أو أن مالا يتحقق الواجب إلا به فهو واجب مثله. وتتجلى أهمية هذا الأمر أكثر إذا علمنا أن المحاكمة ما هي إلا مرحلة تالية لمراحل سابقة، بحيث لو أهدرت ضمانات المتهم قبلا، فمن المستحيل تحقيق الضمانات له لاحقاً، استناداً لقاعدة عدم قبول الدليل المتحصل من إجراء باطل أو غير مشروع أو خلافاً للقواعد الشكلية القانونية، وهو ما يعرف بالشرعية الإجرائية. ولا شك أن عدم حضور المحامي مع المتهم الذي اختاره أو قبله، بوصفه ضمانة دستورية يعدم كل قول أو إفادة أو دليل تحصل عن ذلك الإجراء.
الثاني: مخالفته الصريحة لنص الدستور وميثاق العمل الوطني اللذين يستلزمان وجود المحامي مع المتهم الذي اختاره أو وافق عليه، حينما اشترطا أن تؤمن للمتهم الضمانات الضرورية، في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، ولا شك فإن أولى الضمانات المقصودة هي حضور المحامي الذي اختاره المتهم أو وافق عليه، في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة. وكلمة جميع تعني في اللغة، الإطلاق دون تقييد، والعموم دون تخصيص ثم أن استلزام الفقه والقضاء أن يسبب المحقق قراره بمباشرة التحقيق دون إبلاغ محامي المتهم، إذا ما اقتضت الضرورة ذلك، إنما ليكون قرار عضو النيابة ذلك، تحت رقابة محكمة الموضوع. مما يعني أن استلزام حضور المحامي مع المتهم الذي اختاره، أو وافق عليه إنما ليكون في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة المعنى المتقدم، لا بالمفهوم الضيق الذي نحى إليه القضاء.
الثالث: مخالفة الرأي القائل بالتضييق لما استقر في الفقه والقضاء وعلى رأسه محكمة النقض المصرية، فخر القضاء العربي، بأسره، ولعل مرد المخالفة للتأثر بإحكام قضائية مصرية مما قبل دستور سنة 1971 التي كانت غامضة بعض الشيء، فنسج القضاء آنئذ عليها قصر لزوم حضور المحامي مع المتهم في جناية، وأثناء مرحلة المحاكمة وصارت تلك تستلف بعد ذلك، وساعد تلك الأقضية في فهمها، ما جرى به نص المادة (76) من قانون أصول المحكمات الجزائية البحريني السابق التي تعتبر تدوين الاعتراف لدى قاضي التحقيق من باب التحري، وهو فهم لو أخذ به، لأهدرت الضمانات الدستورية، فلا مندوحة من إطراح هذا الفهم الذي يوحي، أو يوهم به نص المادة سابقة الذكر والتمسك بحبل الدستور، المقدم والمرجح على سائر القواعد القانونية، بوصفه سقفها جميعا، يؤيد ما نقول به إن القضاء المصري، وفي ظل دستور مصر الحالي القريب في تفرد مدرسته من الدستور البحريني، كما مر، من استيجاب حضور المحامي مع المتهم في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة شريطة اختياره ذاك المحامي أو قبوله له، وهو الرأي الأوفق باتجاه عالمي يعتبر المبالغة في حفظ وتوفير الضمانات لحقوق الإنسان، سمة عصرية وعلامة على الالتحاق بركب الأمم المتمدينة، وهي الفكرة التي سوقها ميثاق العمل الوطني والفلسفة التي تبناها.
يتفرع عن حق المتهم في الاستعانة بمحام يدافع عنه، حقه في اختيار المحامي الذي يرى أنه محل لثقته، سواء تعلق الأمر بكفاءة ذلك المحامي أو بحسن ظن المتهم فيه بحيث يأتمنه على أسراره بما يمكن ذلك المحامي من الاضطلاع بمهمته دون مدارة أو كذب من جانب المتهم. وقد تناولت ذلك المادة العشرون من الدستور البحريني.
على أن هذا الحق قد ينتقص إذا عجز المتهم مادياً عن إسناد مهمة الدفاع عنه لمحامٍ يختاره على نفقته الخاصة. وحتى لا يؤدي قصر ذات يد المتهم لحرمانه من أهم ضمانات العدالة فإن المحكمة تنتدب له من يدافع عنه من المحامين، وتتولى الدولة دفع أتعابه، أو عندما يتطوع محام للدفاع عنه دون مقابل عملاً بقوله تعالى: «والذين هم للزكاة فاعلون». وليس فقط دافعون، وذلك منوط بأن يرضى المتهم بتولي هذا المحامي الدفاع عنه، وإلا هُدِرت هذه الضمانة الدستورية إذا فرض كائن من كان، على المتهم مُحامٍ يزعم أنه يدافع، عنه، حالة أن هذا المتهم، لا يقبل، أو لا يرتضي ذلك المحامي المنتدب، وهو ما يخالف غرض المشرع الدستوري والعادي، وما تضمنته المواثيق المحلية العالمية من تحقيق هذه الضمان للمتهم.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الشملاوي"العدد 3045 - الخميس 06 يناير 2011م الموافق 01 صفر 1432هـ
هل توجد قوانين مطاطية تتغير وقت الحاجة
نسمع ونرى نصوص قوانين جلها جيد ولكننا نرى أنه حين التطبيق تتمطط وتتغير هذه القوانين إلى درجة أنها تلف 180 درجة لنرى العمل بعكس النص المكتوب فكيف ذلك هل من تفسير ولماذا لا تكتب هذه الإستثناءات حين كتابة القانون وصياغته
وحتى يعرف الجميع ان القانون المكتوب له بواطن وله ظواهر وأحيانا يعمل بالظواهر وأحيانا بالبواطن
وحتى يكون البسطاء من الناس أمثالي على حذر حين التعامل مع القوانين
زبدة القول هي مابنى على باطل فهو باطل
لم يحضر المحامي جلسات التحقيق لمدة شهرين ماذا تسمون ذلك ايها القانونيون؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟هل التحقيق سليم ؟؟؟؟؟؟؟ياجماعة الوقت الحالي ليس قبل 50سنة الفضائح مجلجلة بسنا ضحكا على الذقون لايهضمها خريج الثانوي ما حدث لابناءنا
متهم لا لا لا
مذنب عشان جذي ما يحتاج محامي يصدر الحكم وخلاص