قرأت خبر وفاة المناضل الفلسطيني أحمد اليماني المعروف بالاسم الحركي «أبوماهر»، عند تصفحي للنسخ الإلكترونية من الصحف العربية.
فتشت عن خبر بشأن وفاته في صحفنا المحلية، فلم أجد أي أثر له، رغم أنني طالعت خبر تعزية قيادة البلاد للرئيس الفلسطيني أبومازن في وفاة أخيه.
انتابتني، لحظات من الاكتئاب، كيف لا تتحدث وسائل إعلامنا عن «أبوماهر»، لكني طردتها سريعا، فمن يعرف هذا المناضل، يستطيع أن يقول إن في غيابه الإعلامي بعض من الراحة له، فرغم تبوئه مناصب قيادية في حركة القوميين العرب، ومن بعدها في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، سوية مع منظمة التحرير الفلسطينية، لكنه أصر دائما على أن يكون في الكواليس، وبعيدا عن أعين أجهزة الإعلام، وبريق أضوائها.
تناول سيرة أبوماهر بعد غيابه الكثير عن وسائل الإعلام العربية، متوقف عند محطات من حياته النضالية، سواء في مرحلة التصدي للاستعمار البريطاني، قبل نكبة 1948، منذ أن كان طالبا مراهقا على مقاعد الدراسة، حيث شارك أبوماهر في الاضرابات والتظاهرات ضد الانتداب البريطاني قبل ان ينخرط في الخلايا السرية ويمارس دوره المميز في النضال المسلح ضد العصابات الصهيونية التي استولت على قريته سحماتا في العام 1948، فمن المعروف أنه «بقي هناك الى آخر لحظة جامعا كل الوثائق التي تتعلق بالثوار ليحرقها تلافيا لوقوعها بيد العصابات الصهيونية».
هذا السجل التاريخي هو الذي أمده بالخبرة الغنية للمشاركة، فبناء الخلايا السرية لمحاربة العدو الصهيوني، بعد تأسيس الدولة العبرانية. لكن يبقى هناك بعض الخصال النضالية التي يعرفها القلة منا، ممن عاشروا أبوماهر، أو احتكوا به.
أكثر ما عرف عن أبوماهر هو رفضه الانتقال من المخيم، فقد كان يردد «نحن أبناء المخيم، ولا نستطيع أن نستنشق سوى أوكسجينه». وعندما تجادله حول السر الكامن وراء إصراره على ذلك، يثور في وجهك قائلا متسائلا «هل هناك أمن أعلى من أمن المخيم؟»، مضيفا «هنا تسيجنا جماهيرنا، وتحمينا من أعدائنا، اما في مناطق مثل شارع الحمرا وما حولها (حيث كان يقطن بعض قيادات الفصائل الفلسطينية)، فنحن، مهما بلغت درجة الحراسة، نبقى لقمة سائغة للعدو».
وبالفعل كان سكان مخيمي «برج البراجنة»، و»عين الحلوة»، العينان الساهرتان اللتان توفران الحماية لأمثال «أبوماهر». كان أبناء أبوماهر من أبناء المخيم هم العين الساهرة التي كانت تحذر أبوماهر من أي غريب يدخل المخيم، او مشكوك فيه يحوم حول منزله.
كان يزورنا بين فترة وأخرى في مجلة «الهدف» اللبنانية الناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وفي الليالي التي يغيب فيها رئيس تحريرها بسام أبوشريف، لانشغاله في بعض المهام النضالية، كان يخلفه، وفي مرات نادرة، أبوماهر.
كان يحرص، وبلمساته الإنسانية أن يخفف من عبء تحرير مواد المجلة، في مرحلة كانت «الهدف» تصدر نسختين إحداهما يومية، وأخرى أسبوعية، أثناء غزو إسرائيل للبنان في مارس/ آذار 1978 كان يجلب معه بعض ما يطبخ في منزله، وعندما يرفض أحد تناول الأكل جماعيا، كان يجره إلى الطاولة قائلا «سوف تزعل منك إمماهر»، قاصدا زوجته.
الأكثر من ذلك، كان يحاول مشاركة المحررين فيما يكتبونه، دون أن يثير ذلك استياء أي منهم، بل على العكس من ذلك، كثيراً ما كان البعض منهم، يطعم مقالاته ببعض تعبيرات أبوماهر.
كان أبوماهر يكرر دائما وهو يتبادل أطراف الحديث مع أولئك المحررين، ونسبة عالية منهم كانوا عربا شردتهم السلطات القائمة في بلدانهم، «اهتموا بابن المخيم، لا تجعلوا عبارات المثقفين تسيطر على ما تكتبونه، فما لم نفهم نحن أبناء المخيم ما تقولونه، فلا قيمة له».
خصلة أخرى مأثورة حكمت سلوكه، فقد كان أبوماهر في مرحلة السبعينيات من القرن الماضي، المسئول المالي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكان في غاية «الحنبلية» في الإنفاق، وفي تحديد المخصصات، إلا عندما يتعلق الأمر بأسر الشهداء أو الأرامل، حينها يتحول أبوماهر من غاية التشدد، إلى منتهى التساهل، مردداً «إلا الشهداء الأبرار، فهم فوق كل القوانين، وخارج اللوائح المالية الداخلية».
كان حريصا، مهما كانت ظروف الجبهة الشعبية المالية سيئة، أن تصل مخصصات أسر الشهداء والأرامل إليهم في أوقاتها الصحيحة، ان لم تسبق ذلك.
كان أبوماهر عظيما في سلوكه النضالي، متمسكا بكل القيم النضالية التي يفترض أن يتحلى بها قادة الثورات الشعبية، لكنه، كان أيضا وبالقدر ذاته، بسيطا ويحب البسطاء في صفاته اليومية، لذلك نجده غير مكترث بمعاشرة القيادات، إلا ما فيما يقتضيه الواجب، لكنه كان حريصا، وإلى أبعد الحدود، على أن يكون قريبا من البسطاء، حتى وإن كان ذلك على حساب وقته الخاص وصحة بدنه. لذا كان وكما كان يصفه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي كثيرا ما كان يختلف معه، وخاصة فيما يتعلق بمشاريع «التسوية»، بأنه، أي أبوماهر «ضمير الثورة الفلسطينية».
ربما كان رحيل أبوماهر إراحة له من هموم كالجبال، سببها ما آلت إليه الأوضاع العربية اليوم، كان يحملها فوق كتفيه النحيلين، فقلة أيضا تلك التي كانت تعرف ان إخلاص أبوماهر، وتفانيه في خدمة قضيته الأساسية «فلسطين»، لم تكن تنسيه، مع زميل نضاله وحياته الفقيد جورج حبش، واجبه القومي وعلاقاتهما الحميمة مع المعارضة العربية، ولذلك كانت لهما لقاءات شخصية، غير تلك النضالية، مع أصدقائهما من المناضلين العرب، بمن فيهم بحرينيين من أمثال عبدالرحمن النعيمي، وعبدالنبي العكري، وقائمة طويلة ليس هنا مجال سردها.
رحم الله أبوماهر، فقد كان عملاقا في نضاله، وبسيطا في علاقاته، وقاسيا مع أعدائه، لكنه رحيم مع رفاق نضاله، حتى أولئك الذين اختلف معهم.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3044 - الأربعاء 05 يناير 2011م الموافق 30 محرم 1432هـ
تسال ليش؟؟
ببساطه لانه جرايدنا واعلامنا العربي مشغول باخر البوم "للفنانه" فلانه و اخر اغنيه "للفنان" فلان وغيرها من التفاهات التي اصبحت تغلف الاعلام العربي (مع وجود استثناءات طبعا)
تتساءل لماذا لم يهتم احد بخبر رحيله؟؟ لانه ببساطه قضيه فلسطين باكملها سقطت من اجنده العرب وما عادت تعنيهم في شيء..
الله يرحمه..
نسأل الله أن يرحمه و يرحم أمواتنا و أمواتكم.