العدد 3041 - الأحد 02 يناير 2011م الموافق 27 محرم 1432هـ

إيران بين داخلين وخارجٍ واحد

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نَمْنَمَاتٌ ساخنة في إيران. ففي الأربعة أيام الماضية جُدِّد الحديث مرّة أخرى عن الشُخُوص المعارِضَة التي قادت الأحداث الموالِية للانتخابات الرئاسية العاشرة والتي فاز فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد. تلك النَمْنَمَاتْ كانت مُتصادفة مع الذكرى السنوية الأولى للمسيرات التي سَيَّرَتها الأحزاب المحافظة والحوزات الدينية وقوى البسيج في عموم إيران دعماً للنظام.

المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي قال خلال استقباله حشداً من الجيلانيين (نسبة إلى محافظة جيلان في الشمال الإيراني) بأن «الذنب الكبير لزعماء فتنة العام الماضي (ويقصد مير حسين موسوي، مهدي كرّوبي ومحمد خاتمي) عقب الانتخابات الرئاسية هو بثّ الأمل لدى الأعداء. حيث كان العدو في هذا التحدي الكبير يدعم مُثيري الفتنة، ويَذكُرهم بالاسم».

عضو الهيئة الرئاسية لمجلس الخبراء آية الله أحمد خاتمي قال في خطبة الجمعة الأخيرة إن «مُثيري الفتنة (كما يُطلَق عليهم في إيران) حاولوا في أحداث الشغب التي تَلَت انتخابات العام الماضي (الرئاسية)، تحطيم قداسة قيادة نظام الجمهورية الإسلامية (المُرشِد)، والإطاحة بالنظام من خلال القيام بانقلاب مخملي» مُساوياً بينهم وفِعلِهم بـ «الفتنة التي واجهها الإمام علي (ع) خلال فترة حكمه، والذي تمّ تحشيد سبعين ألف مُبلِغ ضده فيها».

مُدّّعي عام طهران عبّاس دولت آبادي قال على هامش صلاة الجمعة الأخيرة أيضاً «لقد طرح بعض القادة المنشقين (على النظام) شروطاً (في غَمر لخطاب محمد خاتمي أمام جَمعٍ من النواب الإصلاحيين شَرَطَ فيه لمشاركة الإصلاحيين في الانتخابات القادمة تنظيم انتخابات حُرّة وبصورة عادلة)؛ وحري بهم أن يفِيقوا، بأن النظام الإسلامي هو الذي يطرح الشروط، وأولها محاكمتهم؛ كيف يتجرأون على طرح شروط بعد هذا القدر من الانشقاق والتآمر».

أمام هذا التصعيد الأخير ضد الإصلاحيين يتراءى لأيّ مُتابع أن ذلك يجري في لحظة تبدو فيها إيران مُختلفة، أو على أقلّ تقدير مُستوعبة لرضَّةٍ سياسية داخلية عنيفة أصابتها في الصَّدر، ولواقع اصطفافي جديد يُرمِّمُ بالكاد حالة التشَظِّي التي رافقت مسيرة النظام منذ العام 2005 إلى أن تكلّلت بالفَتْق بعد إعادة انتخاب أحمدي نجاد في يونيو/ حزيران من العام 2009 رئيساً للجمهورية وواقع خارجي «مَهِيب» يُنظَر له بجدِّيّة بالغة.

في الرَّضَّة السياسية الداخلية المُستوعَبَة، فإن رؤوس النظام في إيران ما فَتِئوا يتحدّثون في كلِّ مناسبة (أو في سوادها الأعظم) عن تلك الأزمة وتشبيهها بالفتنة طَوراً، وبالحرب الناعِمة طوراً آخر. وهو إن دَلَّ على شيء فإنما يَدُلّ على فداحة الشَّرْح الذي أصاب المؤسسة السياسية الإيرانية خلالها، رغم الرَّتْق الذي جُبِرَت به الأزمة المذكورة علاجاً، على مدى ثمانية أشهر كاملة.

لم تكُن المشكلة في ذلك هي إنهاء غَضَبِ الإصلاحيين وربْطِ ألسنتهم، وإنما كان بإجماع أو توحيد أو تقريب رؤية الحاكِمين لإرهاصات الأزمة وبنائها ولكيفية مُداواة داءٍ كان في أصله بحجم السُّم. فالخلاف لم يكُن خلافاً بين أناسٍ في الحكم وآخرين خارجه أو بين حكومة تنفيذية عامِلة وأخرى في الظِّل؛ وإنما كان بين شُخُوص يتوالَون في المنصب ويقودون مؤسسات دستورية فاعلة، كمجلس الخبراء والبرلمان ومجلس صيانة الدستور والمُرشِديّة العليا للثورة.

لقد وَصَلَ الأمر إلى خلاف ما بين العَظْمِ واللحم. خلافٌ بين الرؤوس احتارت فيه قيادات الصّف الثاني داخل السلطة، ولأيِّهِما تنزاح أو تَنْدَاح أو تنحاز. ولو أن ذلك الشِّقَاق قد وَصَلَ إلى المؤسسة العسكرية لكان الأمر خطيراً جداً لا يقوَى على مُعالجته أحد، إلاّ أن هرميّة التنظيم، وائتمار تلك المؤسسة لحالة فردية عليا (المرشد) حالَ دون وُقوعِ ذلك.

في الواقع الاصطفافي الجديد، واقع الدّاخل الإيراني يُشير إلى أن آية الله علي خامنئي بدأ ومنذ مُدَّة في تَخْصِير بطونٍ كانت قد انتَفَخَت كُرُوشها، وإلى تذوِيب مسارات سياسية كانت قد وَلَّدتها تحرّك القِشرة الصلبة للنظام، فقرّبَ محسن رضائي سكرتير مَجْمَع تشخيص مصلحة النظام والشيخ حسن روحاني عضو المَجْمَع (وغيرهم) إليه أكثر، ثم أخَذَ ينتَقِي من الإصلاحيين ما ينفع منهم (محمود دعائي ممثل المرشد في صحيفة «اصطلاعات» محمد رضا عارف نائب الرئيس السابق) وكأنه ينتِف الصّوف بِمَهْلٍ من على وَبَرِ لاصق بقشرة البيض.

وربما شاءت الأقدار أن يُرَى الشيخ هاشمي رفسنجاني في اجتماع الهيئة الرئاسية لمجلس الخبراء قبل أيام مكشوف الظهر أمام حضور أربعة من قيادات اليمين الدينية والسياسية الكبرى، آية الله محمد يزدي، آية الله محمود الهاشمي الشاهرودي، آية الله صادق لاريجاني وآية الله إبراهيم رئيسي. لقد أظهَر الحال رفسنجاني كواحِدٍ من صِيَغ الضياع (أو التضييع) السياسي وسَط معادلة بدأت تتغيّر نحو عناوين ومُعَنوَنات جديدة ليس له حظ فيها.

كان المُرشد في مسعاه المزدوج «التقريب/ الذويب والانتقاء» يُدرك حساسية الموقف، وحاجة الحكومة إلى إجماع وطني حول برامج مصيرية، أهمها تطبيق الخطة الاقتصادية المعنية برفع الدعم عن بعض والخدمات والسلع كالنفط والخبز والكهرباء، والتي اعتبرها الإيرانيون على أنها أهم تحوّل اقتصادي تشهده إيران منذ خمسين عاماً، فإما أن تنجح فيه أو أنها تسير إلى فشل اقتصادي يُفضِي بها حتماً إلى أزمة سياسية واجتماعية وأمنية غير معهودة مُطلقاً.

في الواقع الخارجي، تعِيش إيران مخاضاً جِدِّياً في التعامل مع الغرب فيما يتعلّق ببرنامجها النووي. وربما اتَّضَح الآن كيف أن الإيرانيين يُفاضِلون بين ذلك البرنامج وبين جُوعِهِم وعَطَشِهِم، وهو ما يعني أن الأمور يدخل فيها الظَّاهِرُ والمُستَتِر. وقد أثبتت اجتماعات جنيف الأخيرة (وضُرُب الشَّك في اجتماعات اسطنبول القادمة) كيف أن السياسة بين طهران والدول الغربية يكتنفها جانب غير قليل من السِّرية وعقد الصفقات إلى الحدّ الذي يسمح الغرب فيه لإيران بالاحتفاظ بعمليات التخصيب وإن بسقُوفٍ كان في السابق لا يقبل بها البَتَّة ويعتبرها مُحرّمة.

ذلك الواقع الخارجي القائِم على عِدَّة مُتغيّرات وليس مُتغيراً واحداً فقط. صحيح أن الإيرانيين انتصروا في العراق بعد اختيار «خيارِهِم» الوحيد نوري المالكي، وكذلك الحال في أفغانستان، لكن ذلك لا يمنع من وجود تمنُّع روسي تجاه طهران وتقبّل نحو مطالب غربية. كما أنه لا يمنع من وجود رؤية هندية جديدة قائمة على أنها لم تعُد تعتمد كثيراً على إيران لصَدَّ النفوذ الباكستاني في أفغانستان، ولا يمنع من وجود تباين أذربيجاني إيراني على مصالح مُحدّدة في آسيا الوسطى، ولا على خلاف قائم بينها وبين دول التشاظئ القزويني وإن لم يكن كُلّها.

في كلّ الأحوال، يقودُ الإيرانيون نظامهم وعينهم على دَاخِلَيْن وخارج واحد. والتحدّي الكبير بالنسبة لهم هو أن يُبَدِّلوا من تلك المعادلة لتُصبح داخلاً واحداً وخَارِجَيْن أو عدّة خوارج. وهُم إن فَعَلوا شيئاً اليوم فهم لايزالون على حدّ الرَّتْق. أيّ أن نتوءات ذلك لاتزال ظاهرة وبشدّة؛ لأن ذلك في حقيقته مُرتبط ببرزخ يفصل النجاح عن الفشل والأزمة عن انفراجها.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3041 - الأحد 02 يناير 2011م الموافق 27 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:39 ص

      الضربة التي لا تقصم الظهر تقويه

      الضربة التي لا تقصم الظهر تقويه

    • زائر 2 | 10:54 م

      الغافلون

      الاستاد القدير والعزيز محمد اشكركم على هده المقالات وبالخصوص التي تتحدث عن الشان الايراني والدي تفقهون فيه اكثر من ادعياء المعرفة به وهم اغفل الغافلين

    • زائر 1 | 10:32 م

      طاولة الحوار

      كان لا بد ان يجلسوا على طاولة الحوار ويضعوا ايديهم مع بعض وما يشمتون وطمعون بهم الاعداء واسمعي يا جاره

اقرأ ايضاً