العدد 3041 - الأحد 02 يناير 2011م الموافق 27 محرم 1432هـ

الخطر يتهدد الذهب الأزرق العربي! (1-2)

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

منبر الحرية

نبيل علي صالح - كاتب سوري، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org» 

اطلعتُ مؤخراً على التقرير السنوي للمنتدى العربي الخاص بالبيئة والتنمية «أفد»، الذي تم إطلاقه خلال أعمال انعقاد المؤتمر السنوي للمنتدى في بيروت في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، وكم كانت لحظةً صعبةً وصادمة لي عندما قرأتُ وبحثت في مضمون التقرير المذكور، واطلعت على تلك الأرقام والمعطيات المؤلمة والاستنتاجات والخلاصات التي توصل إليها والتي تركزت بمجملها حول اعتبار أن العرب يواجهون بالفعل خطر النقص الحاد في المياه والغذاء، وهم نائمون تماماً عن كوارث بيئتهم والنقص الحاد في مواردهم وعلى الأخص ما يتعلق بالكارثة المائية التي باتت تطرق أبوابهم بقوة...


أرقام مخيفة تهدد الذهب الأزرق

من المعروف للجميع بأن البلدان العربية تقع في المنطقة الأكثر جفافاً وندرةً في المياه، حيث إن أكثر من 72 في المئة من الأراضي صحراوية قاحلة تندر فيها الماء، يضاف إليها التغيرات المناخية الكبيرة التي تتسبب في انحباس الأمطار وعدم توزعها - في حال سقوطها - بصورة متوازنة شاملة، حيث من المتوقع نتيجة لهذا الوضع، أن يواجه العرب مع نهاية القرن الحالي انخفاضاً يصل إلى نحو 25 في المئة في المتساقطات مع ارتفاع 25 في المئة في معدلات التبخر، بما سيؤدي إلى وقوع المزروعات المروية في دائرة الخطر الحقيقي، مع وجود معدل انخفاض في الإنتاجية يصل إلى 20 في المئة.

ويلاحظ التقرير المذكور أن الزراعة العربية تتصدر استعمالات المياه، حيث تستخدم نحو 85 في المئة من الموارد المائية العذبة، مقابل معدل عالمي لا يتعدى نسبة الـ 70 في المئة... كما أن كفاءة الري منخفضة جداً في معظم البلدان العربية، حيث لا تتجاوز 30 في المئة مقابل معدل عالمي يتجاوز نسبة 45 في المئة، ولاتزال الإنتاجية الزراعية العربية تقاس بكمية الأطنان المنتجة في كل هكتار من الأرض من دون اعتبار لكمية المياه المستخدمة، بينما يجب أن تقاس بكمية الإنتاج الزراعي مقابل كل متر مكعب من المياه، ليتم حساب استخدام المياه كجزء من كلفة الإنتاج. ويرى التقرير أنه وكنتيجة لعجز إمدادات المياه السطحية عن تلبية الاحتياجات المتعاظمة للزيادة السكانية والمتطلبات الأساسية للتنمية الاقتصادية، فإنه قد جرى ويجري انتهاك واستنزاف جائر كامل للثروة المائية الجوفية بما يتجاوز الحدود المأمونة... الأمر الذي أدى إلى حدوث انخفاض كبير في مستوى طبقات الماء... (ولا أزال أذكر في السابق في مناطقنا الساحلية أنه عند حفر بئر ارتوازي كانت الماء تخرج من على عمق لا يتعدى الثلاثين متراً، أما الآن فلا تكاد تخرج الماء من عمق 60 متراً، وفي مناطق أخرى لا تخرج أبداً!)... كما أن هذا الانخفاض قد تسبب أيضاً في تلويث الخزانات الجوفية... ويعتبر هذا الموضوع (تلوث المياه) واحداً من أهم التحديات الرئيسية التي تواجه بلداننا العربية، بسبب ازدياد نسب تصريف المياه المنزلية والصناعية المبتذلة في الأجسام المائية، إضافة إلى التلويث بالمواد الكيميائية الزراعية. وتذكر الأرقام هنا أن ما نسبته أكثر من 43 في المئة من المياه المصروفة المبتذلة في المنطقة العربية لا تعالج بل ترمى هكذا كما هي في مياه البحر أو في مساقط المياه والبحيرات والأنهار... بينما لا يعاد استخدام أكثر من 20 في المئة منها. ويشير التقرير إلى موضوع خطير آخر وهو متعلق بتحلية مياه البحر للاستخدامات البشرية وتلبية الكثير من الاحتياجات الصناعية، حيث دفع النقص الحاد في الموارد المائية العربية كثيراً من البلدان العربية إلى الاعتماد القوي على تحلية مياه البحر، حيث تؤشر الأرقام هنا إلى أن العالم العربي - الذي يضم نحو 5 في المئة فقط من سكان العالم، ولا يحتوي سوى على واحد في المئة من مصادر المياه العذبة المتجددة في العالم - يقوم بتحلية ما نسبته 50 في المئة من مياه البحر المحلاة في العالم. ويبدو أن هذه النسبة ستتضاعف أكثر من الرقم المذكور بسبب الزيادات السكانية وزيادة المعامل والمصانع ومجمل الاستثمارات الصناعية... كما أن تكاليف التحلية ستتزايد باعتبار أن تقنيات التحلية وما يتصل بها من تكنولوجيات معملية شديدة الكلفة (مضافاً إليها حاجة المحطات إلى طاقة كهربائية)... كما أن هناك هدراً وتبذيراً واضحاً في بعض استخدامات المياه المحلاة، حيث تقوم بعض الدول العربية (المترفة!) بريّ مزروعات قليلة القيمة أو حتى ريّ ملاعب الغولف من تلك المياه المكلفة جداً!!... طبعاً لا يفوت التقرير الإشارة إلى أن نواتج تلك المياه المحلاة شديدة التلوث، وخاصة أن تصريفها يتم إلى البحر حيث يتسبب ذلك في زيادة ملوحة المياه الساحلية وارتفاع درجات الحرارة فيها، والتأثير سلباً على بعض الأنواع والأحياء البحرية...


مؤسسات بدون معرفة...

يؤكد التقرير أن معظم المؤسسات العامة الرسمية في العالم العربي - التي تخدم الري أو الاحتياجات البلدية - مضعضعة ومخلخلة ولا تعمل بشكل صحيح، ولا تخدم زبائنها بفعالية، ولا يوجد أدنى تنسيق فيما بين تلك المؤسسات التي تقوم على إدارة المياه وتأمين خدماتها للمواطنين، كما أن آلية اتخاذ القرار من القمة إلى القاعدة تتم بلا مشاركة فاعلة للمجموعة المستفيدة. ويرى التقرير أن المياه المجانية هي مياه ضائعة، فأسعار المياه المنخفضة على نحو غير طبيعي، والدعم الكبير لخدمات المياه هما في أساس مشكلة انعدام الكفاءة، والاستخدام المفرط، والتلويث المرتفع، والتدهور البيئي (معدل ما يتم جبايته لقاء تزويد المياه في المنطقة لا يتجاوز 35 في المئة من كلفة الإنتاج والتوزيع، وفي حال مياه التحلية، فهو 10 في المائة فقط). وأما عن المشاكل التي تواجه إدارة المياه في المنطقة العربية فيشير التقرير إلى أنها مشاكل جمة وكبيرة جداً، مؤكداً أن حصر المعالجة بتطوير مصادر جديدة لم يعد خياراً قابلاً للحياة. وبالتالي فهناك حاجة ماسة وملحة لإجراء تحول استراتيجي من ثقافة تنمية مصادر وموارد المياه إلى ثقافة تحسين إدارة المياه، وترشيد الاستهلاك، وتشجيع إعادة الاستعمال، وحماية المصادر المائية من الاستهلاك المفرط الجائر ومن التلوث أيضاً.

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3041 - الأحد 02 يناير 2011م الموافق 27 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً