مع اقتراب نهاية العام 2010 تكون نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين ويأتي عقد ما يعرف بموجة الديمقراطية وحقوق الإنسان والتي دشنت بانهيار جداري برلين، هذا العقد الذي شهد انهيار العديد من الأنظمة الشمولية في شرق ووسط أوروبا ووسط آسيا المعروفة سابقا بأسرة المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي وانهيار العديد من الدكتاتوريات في اميركا اللاتينية وحتى بعض الدول الإفريقية. وطبعاً فقد صاحب قيام أنظمة ديمقراطية بغض النظر عن مثالبها على أنقاض الأنظمة الشمولية والاستبدادية والدكتاتورية تضرر واضح في حقوق الإنسان، على رغم التراجع في الحقوق الاقتصادية لبعض الدول.
في الحقبة ذاتها كانت هناك تباشير بتحولات ديمقراطية في أكثر من بلد عربي، تمثلت المصادفة التاريخية في تغير في رأس النظام في المغرب وسورية والأردن والبحرين، حيث أتى حكام شبان واعدون، طرحوا أنفسهم أبطالا للتغيير والتحول الديمقراطي وتعزيز الحقوق، وبنوا شرعيتهم على الاستجابة لتطلعات شعوبهم في الخروج من نفق الاستبداد نحو رحاب الديمقراطية وحتى للبلدان العربية الأخرى فقد كان الحراك نحو التغيير ملحوظا، حيث شهدنا إجراء انتخابات نيابية ورئاسية حيث ترشح ممثلون لتنظيمات المعارضة لأول مرة، وإن كان ضمن انتخابات سيطر عليها، أو مهندسة مسبقا.
المسيرة بمجملها تراجعت سواء فيما يتعلق بالتحول الديمقراطي الحقيقي أو تعزيز منظومة حقوق الإنسان، وتشهد وقائع الحياة اليومية والتقارير الموثقة للمنظمات الوطنية والدولية وحتى تقارير الأمم المتحدة مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، على تراجع مخيف للمنظومة العربية في مختلف مجالات التقدم البشري، باستثناء نمو اقتصادي وتحسن محسوس لمستوى المعيشة في منظومة مجلس التعاون النفطية وتونس.
لقد أضحى واضحا تكسر أمواج الديمقراطية وسكون رياح التغيير وانحدار لحقوق الإنسان في الدول العربية كلها بدرجات متفاوتة وهكذا يكون العرب الاستثناء السلبي فيما يشهده غالبية العالم.
المشهد عربيا
يشكل العام 2010 تتويجا لهذا التراجع والانحدار بكل المعايير، يمكننا ان نقدم حوادث ذات دلالات في أكثر من بلد عربي.
لقد شهدت أربعة بلدان عربية انتخابات نيابية وهي الأردن والسودان والبحرين وأخيرا مصر وشهد لبنان انتخابات بلدية.
ومع تباين النظم الانتخابية في هذه البلدان، فإنه يمكن القول إنها جميعا لم تؤدِ إلى تقدم في عملية التحول الديمقراطي أو ترسيخ الديمقراطية بل ان الانتخابات النيابية الأردنية والمصرية عبرت عن تراجع في العملية الانتخابية، إن تواتر الانتخابات العامة والذي لا يؤدي إلى تغيير في السلطة السياسية هي انتخابات شكلية، تسهم في تكريس سلطة أحادية.
وبالنسبة للحريات العامة الأخرى وخصوصا حرية التعبير وحرية مختلف وسائط الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والالكتروني، فقد شهد العام 2010 تراجعا في مكانة جميع الدول العربية حسب مؤشرات منظمات عديدة ومنها منظمة مراسلون بلا حدود، وبين الحرية وتقارير المقرر الأممي لحرية التعبير، وطبعا منظمات حقوق الإنسان بمختلف تخصصاتها. وفي بلدان مثل المغرب والكويت تتمتع بسمعة طيبة فيما يتعلق بالحريات الصحافية، وحرية التعبير عموما، جرت محاكمة وسجن صحافيين وكتاب لأسباب سياسية، ناهيك عن البلدان العربية الاخرى حيث اتسع نطاق حبس الصحافيين والمدونيين وإقفال صحف مستقلة بسبب الخنق أو الاحكام التعسفية وكدنا في الوطن العربي ننسى التظاهرات الاحتجاجية سواء لأسباب وطنية أو قومية، سياسية أو معيشية، حيث تفوق أعداد قوات الأمن أعداد المتظاهرين ويجري قمع أي احتجاج في مهده بقسوة.
وفي إطار ظاهرة عالمية، تتمثل باستخدام واسع للتواصل والتعبير عبر الفضاء الالكتروني، فقد لجأ كثير من الشباب العرب والنشطاء السياسيين والاجتماعيين والحقوقيين إلى الفضاء الالكتروني وبرزت الكثير من المواقع الالكترونية والمدونات على مواقع الشبكة العنكبوتية والفيسبوك والتويتر وغيرها. لكن السلطات الرسمية ظلت لها بالمرصاد فأضحى حجب المواقع الالكترونية والمدونات وقطع البريد الالكتروني والتجسس على المراسلات الالكترونية ممارسة واسعة النطاق عربيا ووجد العديد من مديري هذه الشبكات والمدونات أنفسهم ضحية الملاحقة البوليسية والمحاكمات وانتهى بعضهم إلى السجن.
في ختام هذا العام وهذا العقد أبت الأنظمة العربية الا أن تقدم دروسا بليغة في القسوة والإمعان في انتهاك حقوق مواطنيها، في أحد أقسام الشرطة بالعاصمة السودانية الخرطوم جرى جلد امرأة بحضور قاض، وعلى مرأى ومسمع المارة وجرى تصوير المشهد المؤلم وبث على موقع اليوتيوب، أما الجريمة التي جلدت بسببها المرأة فهو السلوك غير المحتشم، وبعد بث الشريط المؤلم تداعى عدد من السودانيين وغالبيتهم من النساء إلى التوقيع على عريضة احتجاجية وتجمعوا أمام مكتب النائب العام لتسليمها، فما كان من قوات الأمن الا أن هاجمت المحتجين واعتقلتهم.
وقد دافع الرئيس السوداني محمد عمر البشير عن رجال الأمن بقوله إنهم يقومون بواجبهم، أما في الكويت التي ينظر اليها العرب كواحة للحريات النسبية واحترام المواطن فقد جرى ضرب عبيد الوسمي، استاذ القانون الدستوري لمجرد مداخلة في ديوانية تناقش القضية الدستورية، وجرى ضرب النواب والمشاركين في الندوة بقسوة خلافا للقانون والاعراف. وبذلك ينضم عبيد الوسمي إلى المحامي محمد عبدالقادر الجاسم الذي يقضي عقوبة السجن على رغم خطورة وضعه الصحي؛ لأنه تجرأ على نقد رئيس الوزراء.
أما في البحرين فإننا نعيش أوضاعاً لا نحسد عليها من اعتقالات ومحاكمات وحصار القرى باسم أمن الدولة وفي ظل ما هو مطروح رسميا من ازدهار للديمقراطية وحقوق الإنسان، هذه الأوضاع المتدهورة لا يمكن ان تضمن استقرار الأنظمة وبالتأكيد لا تضمن ازدهار الأوطان، الصومال انتهى كدولة، وهو غابة للعصابات وساحة للاقتتال وقد نسيه العرب، اليمن تعيش حالة أشبه بالحرب الأهلية المتقطعة، وتنذر بانفصام الوحدة اليمنية، السودان على طريق الانقسام بقيام الكيان الجنوبي. والمأساة هي في إعلان الرئيس البشير بالتخلي عن التعددية الدينية والاثنية وتطبيق ما يعتبره بالشريعة الإسلامية قسرا.
وليس مراجعة تجربة الحكم التي قادت إلى خيار الانفصال وليس الوحدة.
الصدامات بين الجماهير المحبطة وقوات الأمن والانفجارات الساخطة والمفاجئة، هي البديل عن المعارضة السلمية الفاعلة في ظل الظروف الطبيعية هذه الصدامات ستزداد في ظل التدهور الاقتصادي والاحتقان السياسي وانسداد آفاق التغيير، فمتى نعي للكارثة المحدقة بنا؟!
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3039 - الجمعة 31 ديسمبر 2010م الموافق 25 محرم 1432هـ
مجرد مصطلحات تسوق على البسطاء
لا توجد ديمقراطية حقة في العالم إنما هناك دول بها بعض الحرية والكرامة للمواطن عكس أوطاننا العربية والذي أهم ما يكن لدى الحكومات هو قمع هذا المواطن وسلبه حريتة لكي لا ينطق بكلمة
في ظل فساد مزدهر
الديمقراطية مثل البطيخ ... زين و شين!
... و لكن في المحصلة النهائية يستنتج بنو البشر أن "الديمقراطية هي جنة للأغنياء و مصيدة للفقر"