العدد 3039 - الجمعة 31 ديسمبر 2010م الموافق 25 محرم 1432هـ

الانفتاح: أهميته وضروراته للعالم العربي

شفيق الغبرا - أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية ww 

31 ديسمبر 2010

تخيف فكرة الانفتاح الكثير من العرب والمسلمين. فهي من جهة تذكر بحقبة الرئيس الراحل أنور السادات، والتي جاءت بعد مرحلة اشتراكية طويلة استفاد منها البعض ولم يستفد منها الكثيرون، وانتهى الأمر بمصر كضحية لنفس البيروقراطية التي أراد الانفتاح أن يتعامل معها. أما بالنسبة للإسلاميين، فالانفتاح بالنسبة إليهم يساوي ضرب الإسلام والتعامل مع الأجندة الأميركية الناقدة للحركات الإسلامية، ويعني الانفتاح لآخرين حرية كل فرد في عمل ما يريد ووفق ما يريد وفي كل مكان وزمان.

والانفتاح لقطاع آخر من الناس هو السعي الأعمى للخصخصة على حساب القوى الشعبية وحقوقها الاقتصادية ومكتسباتها، وهذا النوع من الانفتاح يؤدي للاحتكار والاستعلاء الداخلي. إن الانفتاح كلمة فقدت الكثير من مضمونها على مدى السنوات، لهذا يخشاها العالم العربي.

ولكن الانفتاح يجب أن لا يعني أياً من السلبيات التي اقترنت به وأخذته باتجاه دون آخر، وهو بالتأكيد ليس إعلانات بيبسي أو فتح الأسواق التجارية الجديدة كل يوم. ألم يكن المجتمع الإسلامي في عصور ما قبل الوسطى، وفق آليات وقوانين ذلك الزمن، نموذجاً للانفتاح في تعامله مع الحضارات الأخرى ومع قطاع كبير من سكان المجتمعات الإسلامية، من مسلمين وغير مسلمين؟ وهل برزت حضارة في العصر الحديث لم يكن الانفتاح الذهني والإنساني والفكري مع التركيز على حقوق الفرد أحد مسببات نجاحها؟

إن الانفتاح حالة ذهنية لا تعني الخروج على أنفسنا، بل تبنيها، إنها تعني التساؤل عن الملائم وغير الملائم في عاداتنا وتقاليدنا وسلوكياتنا وقوانيننا وطريقة حياتنا، التي تحد الفرد وحقوقه ونموه وتطوره وسعادته. وهو يعني الانفتاح على مبدأ التساؤل والتغير وطريقة تحقيقه، في ظل رؤية للمستقبل منطلقها أن الفرد في كل مجتمع عربي هو اللَّبِنَة الأساس للتطور والنمو.

ولن يكون هذا الانفتاح ممكناً إلا بإعلاء قيمه، لتشجيع الإبداع والتجديد في فهم التراث والتاريخ وفي فهم علاقة الدين بالسياسة، وفي طرق عمل الأحزاب ووسائل تشكيل النقابات وطرق تنظيم الاقتصاد. يتطلب الانفتاح إعادة ترتيب البيت الداخلي، بحيث تتواصل الحكومة مع الشعب، والمعارضة والحكومة بعضهما مع بعض، بما يوقف القطيعة الراهنة في الواقع العربي. والانفتاح يعني انفتاح مكونات المجتمع تجاه أجزائه (سنة وشيعة، أكراد وعرب، أقباط ومسلمين ومسيحيين، ليبراليين وإسلاميين). والانفتاح هو الآخر انفتاح على الثقافة العالمية، أكانت في مجال الأدب أم اللغات أم المعرفة أم التاريخ أم العادات المفيدة أم الاقتصاد.

إن نموذج ألمانيا النازية ونموذج الاتحاد السوفياتي يؤكد على إمكانية بناء دول قوية في ظل رؤية أحادية وفكر موحد وإلغاء جميع مكونات الانفتاح. لكن نتيجة ما حصل في كلا البلدين ظاهرة للعيان: فالتاريخ لا يرحم الانغلاق، كما أن المجتمعات تنهار في ظل الدول المركزية القوية المغلقة. لقد انتهى الأمر بإسدال الستارة على مدرسة الانغلاق في كل من ألمانيا النازية والاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية، ففي التاريخ ينتصر راكب الحصان على المترجل، وصانع الآلة على المتمسك بأساليب الزراعة القديمة، والذي يتبنى الحرية وقيمها على المسكون بهاجس العادة والتقليد.

إن نقيض الانفتاح هو الانغلاق على الذات، كما نشاهد في مظاهر كثيرة في العالم العربي. نشعر بمظاهر الانغلاق في الشارع، ونشاهدها في انهيار الدول، في استغلال الدين، في الحروب الأهلية، في اضطهاد المرأة، في بعض الفتاوى، الانغلاق حاضر كل يوم في قمع الحريات، في وأد المعارضة، وفي حالة العلم والتعليم والجامعات في بلادنا. لقد جاء هذا الانغلاق من مصادر عديدة، منها هزائمنا الدائمة، وتجربتنا مع الاستعمار واحتلال فلسطين، ومنها قناعتنا بأن موروث العصور الغابرة سيكون قوة لنا ومنعة كما كان للأسبقين. جاء الانغلاق من هزائم وخوف، ومن أساليب حكم غير ديمقراطية. سيكون هذا النمط من الانغلاق محط استغراب أجيال المستقبل.

إن انفتاح اليوم يجب أن يقوم على مبادئ بسيطة ولكن أساسية للمرحلة القادمة، فهو يتطلب مساحة من الحرية غير متوافرة اليوم في المجتمعات العربية، ويتطلب انتخابات ديمقراطية في ظل تبني تعبيرات المجتمع المدني واحترام فئات المجتمع وإعلاء حقوق الفرد. ويتطلب الانفتاح مواجهة للفساد الذي ينتشر في ظل سعي جاد لجذب رؤوس الأموال الأجنبية والوطنية الهاربة. كما أن إصلاح التعليم جوهر رئيسي للانفتاح المطلوب. التعليم نال حتى اليوم أقل نصيب في اهتمام معظم الدول العربية.

إن جوهر الانفتاح يتلخص في انفتاحنا على حقوق بعضنا البعض في ظل الإيمان الصادق بالحريات وقيم الفرد. فوراء كل قيمة نجد نجاحات للفرد أولا، كما نجد نجاحات للنظام المنفتح على مكوناته. إلى أن يقع هذا سنكون في مخاض متوتر باحثين عما يغيِّر حالنا ويساهم في صناعة مستقبلنا.

العدد 3039 - الجمعة 31 ديسمبر 2010م الموافق 25 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً