لا يكاد أحد يشك في أن جنوب السودان سيصبح دولة مستقلة خلال الأيام القادمة، ولا أحد يشك - كذلك - أن هناك محاولات جادة لفصل دارفور لكي تكون دولة مستقلة هي الأخرى، وربما تكون هناك محاولات أخرى لفصل أجزاء من السودان لكي تتفتت هذه الدولة العربية الإسلامية إلى دويلات هامشية لا قيمة لها.
ومن نافلة القول إن هناك محاولات أخرى لفصل أجزاء من دول عربية أخرى تحدث عنها كثيرون ومنذ سنوات طويلة وها نحن بدأنا نرى أثرها - للأسف الشديد - في السودان وربما نراها في دول أخرى إن استمرت الحال العربية على ما هي عليه الآن. أعود إلى جنوب السودان لعل عقلاء السودان يأخذون العبرة مما حدث فيه لكي لا يتكرر ذلك الفعل الشنيع في دارفور وربما في غيرها.
انفصال الجنوب - حسب ما أراه - بسبب أخطاء كثيرة وقع فيها قادة الشمال والجنوب على حد سواء، فحكام الشمال، وللأسف باسم الإصلاح حاربوا الجنوبيين حرباً شرسة، وكان بعض قادتهم الكبار يفتون بأن هذه الحرب جهاد في سبيل الله! ثم ولأسباب شخصية تتعلق بذواتهم انقلبوا إلى القول إنه يجوز أن يحكم السودان جنوبي نصراني!
هذا النوع من القادة أدى إلى كراهية الجنوبيين الشديدة للشماليين وربما للإسلام ذاته كما صرح «سلفاكير» قبل عدة أيام.
إهمال كثير ومن كل نوع كان يلازم تعامل قادة الشمال مع الجنوب أدى إلى خسائر هائلة من الأموال والأنفس، بالإضافة إلى تأصيل الكراهية بين أبناء الشعب الواحد.
هذا الوضع المتردي مهد الطريق أمام أعداء السودان من الأميركان والصهاينة فتمكنوا من أغراء قادة الجنوب بالانفصال ووعدوهم بالمعونة والمساعدة فانطلت الحيلة عليهم، وكان الأولى أن يدرك قادة الجنوب أن هؤلاء لا يعطونهم شيئاًَ دون ثمن كبير قد يكتشفون لاحقاً أنه من الصعب عليهم دفعه.
كنت أود أن يسألوا أنفسهم ما سر الاهتمام الكبير من الرئيس الأميركي بانفصال الجنوب ولماذا كل تلك العروض المغرية على الرئيس البشير لكي يسهل عملية الانفصال كل ذلك محبة للجنوبيين أم أن وراءه هدف آخر؟!
الصهاينة والأميركان بدأوا - وبعد ضمان عملية الجنوب - بالاتجاه لدارفور فخصصوا لها مبعوثاً خاصاً ليتمكن من ممارسة دوره المشبوه بهدوء، ومعروف أن بعض قادة فصائل دارفور قد أعطوا ولاءهم للصهاينة، وهذا جزء من الثمن المطلوب لكي تستمر أميركا في ممارسة ضغوطها على البشير واتهامه بالإبادة الجماعية وما أشبه ذلك من تهم أخرى، لعل كل ذلك يضعفه وحكومته ويسهل عملية استفتاء مشابهة لما حدث في الجنوب تنتهي بنفس النتيجة.
ومرة أخرى فإن حكومة السودان الحالية التي زاد عمرها عن العقدين لم تفعل ما كان يجب عليها أن تفعله، وللأسف فإن العرب - أيضاً - قصروا في القيام بواجبهم تجاه دولة عربية، ولم تتحرك إلا قطر فعملت الكثير والأمل أن تستمر حتى يكتب الله بوساطتها النجاح فتحفظ للسودان ما تبقى من أرضه.
كنت أتمنى أن تكون مصر هي السباقة في العمل على وحدة السودان لأنها الأكثر تضرراً من شرذمته ولكنها لم تفعل ما كان يجب أن تفعله، ومثلها ليبيا التي تتكلم كثيراً ولا تفعل إلا القليل.
ولكن والأهم من هذا كله، لماذا لم يتحرك أبناء دارفور كلهم للحفاظ على وحدة بلادهم «السودان»؟!
إننا في بلادنا نفخر ونتفاخر بجدهم الأكبر علي بن دينار الذي قدم حياته في سبيل الله - أولاً - ثم الدفاع عن السودان - ثانياً - وعن وحدة الأمة المسلمة كلها - ثالثاً - فما بال أحفاده يقتلون كل ما فعله جدهم مكرمات؟!
سلطانهم «علي» وصل إلى الحجاز وقدم لمكة والمدينة الكثير، وأنفق الأموال الطائلة على عمارة وإصلاح هاتين المدينتين المقدستين، ولكن أبناءه أضعفوا بلدهم، وأفقروا بذلك أنفسهم، وتركوا لعدو الإسلام وعدوهم فرصة التحكم في بلادهم، فلماذا يفعلون كل ذلك؟! وأي خير لهم فيما يفعلون؟!
ما يحدث في السودان أمر محزن، وإهمال قارة أكثر حزناً وأسفا.
مسلسل التقسيم لن يتوقف ما لم يتحرك العرب جميعاً لإيقافه ابتداءً من السودان، وأعداء العرب يهمهم إضعاف العرب جميعاً وتمزيقهم لتكون لهم القوة يفعلون في منطقتنا ما يريدون.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 3035 - الإثنين 27 ديسمبر 2010م الموافق 21 محرم 1432هـ
و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم
طرح غاية في الروعة يضع النقاط على الحروف بكل دقة!!
عوفيت يا أستاذي العزيز, و لتاذن لي بتعليق مقتضب:
رؤساء الحكومات العربية يعلمون علم اليقين بأن الأميركان و الصهاينة لا يريدون لهم خيراً البتة!!
و لكنهم ارتضوا لأنفسهم الذلّ و الخنوع و أي شيء, و كل ذلك في سبيل كراسي الحكم, و طبعاً لا نملك الخوض بالمزيد خوفاً من مقصّ الرقيب.
ويلكم
الويل للعرب ان لم يتحركو لنقاذ انفسهم عليهم ان لايتوقعو ان احدا سيتحرك ان لم يتحركو قبله
امريكا
كلما بحث العرب عن عدوهم وجدوه أمريكا فهي وراء كل هذه الجرائم فمتى يستيقظ حكام العرب
العراق أيضا
السودان انتهى والعراق في الطريق فالاكراد يريدون فصل الشمال شبه المفصول والشيعة يريدون دولة في الجنوب والسنة في الوسط والقادم أسوأ
ثم ماذا
الأمة تمزق والكومات صامتة فما العمل
أعجبني
أعجبني من نافلة القول ان هناك دول عربية اخرى من المتوقع ان تسقط في نفس المستنقع .. فالظلم بين فئات الشعب الواحد "حاليا" سيؤدي الى سقوط مريع في ذات الدولة و وحدته ..