رَقمٌ يكاد لا يُصدَّق. مسئول غرفة عمليات مكافحة الرشوة في هيئة النزاهة العراقية طارق عبدالرسول تقي قال في مؤتمر نَظَّمَهُ مكتب المفتش العام في الهيئة قبل أيام في العاصمة بغداد «إن أموالاً كثيرة تخصَّص لمشاريع الاعمار، لكن 90 في المئة منها تذهب سُدَى جرَّاء الفساد، فيما لا يُستَغل سوى 10 في المئة (من تلك الأموال) بشكل فعلي لانجاز (تلك) المشاريع». انتهى.
حَسناً، بناءً على ذلك التصريح الرّسمي دعونا نُرَقِّم الأمور بإحكَام ووضوح وبعيداً عن الاختزال الذي قد يعتبره البعض قولاً يُؤتى على عواهنه. فطبقاً لقانون الإدارة المالية العراقية رقم 95 لسنة 2004، يتوجّب على الحكومة في بغداد (الاتحادية) إعداد موازنة العام التالي في الشهر التاسع من كلّ عام قبل عرضها على البرلمان العراقي لمناقشتها وإقرارها.
المُعلَن رسمياً أن موازنة العراق للعام الجاري (2010) بلغت 72 ملياراً و400 مليون دولار أميركي. والموازنة للعام القادم (2011) بلغت 84 ملياراً و400 مليون دولار. في الموازنة الأولى إذا ما قَدَّرنا أن نصفها سيذهب إلى المشروعات الخدمية والتي لها علاقة مباشرة بالمواطن العراقي فهذا يعني أن الأموال المهدورة هي 32.760.000000 مليار دولار!
وإذا ما قَدَّرنا في الموازنة التالية أن نصفها أيضاً سيذهب إلى المشروعات ذات الصّلة فإن 38.160.000000 مليار دولار هي حجم الأموال المهدورة. بمعنى أدق أنه وفي بَحْرِ عامَيْن فقط يكون الفساد قد أجهز على 70.920.000000 مليار دولار من الثروة الوطنية! وإذا ما ثَبَّتنا هذه الأرقام طبقاً للإقرار الرسمي فإن الوضع يُصبح أسوء مما كان يتوقّعه أحد منذ بداية الاحتلال.
نحن الآن نسير نحو العام الثامن من التغيير السياسي في العراق والوضع هناك لايزال على هذه الشَّاكلة رغم الادّعاء بأن المؤسسات قد أنجِزَت، والقضاء بدأ ينشط، والإدارة التنفيذية مُتَرَشِّدَة. بالتأكيد إذا ما احتسبنا السنين الماضية أي الأعوام من 2003 لغاية 2009 والتي لم يُشِر إليها مسئول غرفة عمليات مكافحة الرشوة في هيئة النزاهة العراقية فإن الأمور ستبدو أسوأ بكثير؛ لأن في تلك الفترة كانت البلد ترفل داخل حرب أهلية وصراع دموي، والمؤسسات أكثر مُيُوعة وترهلاً وباختلاط القرار الأميركي والعراقي في شئون الداخل.
فلو قَدَّرنا (ترقيماً) أنه ومنذ العام 2003 ولغاية العام 2009 أنفِق في العراق على المشروعات (طبقاً للزيادة السّكانية) 180 مليار دولار، مع إضافة نسبة فساد 5 في المئة عن النسبة الحالية فإن 171 مليار دولار ذهبت في جيوب فاسِدين! ليُصبح المجموع الكُلِّي لفساد السنين السِّت والسنتين اللاحقَتَيْن 241.920.000000 مليار دولار. إنها حقاً كارثة وطنية بامتياز.
بطبيعة الحال فإن هذه الأرقام تُؤشّر على مصائب السّاسة العراقيين وحدهم دون سواهم، منذ تشكّل مجلس الحكم (12 يوليو/ تموز 2003 – 01 يونيو/ حزيران 2004) ثم وزارة إياد علاوي (28 يونيو 2004 – 06 أبريل/ نيسان 2005)، وإبراهيم الجعفري الأشيقر (07 أبريل 2005 – 20 مايو/ أيار 2006) ونوري المالكي (20 مايو 2006) وإلى الآن كحكومة تصريف أعمال، والآن كحكومة عتيدة بعد التوافق الأخير.
لكننا لا نعلَم ماذا فعل الأميركيون بأموال هذا البلد (العراق) طيلة سنوات احتلالهم له. هل لنا أن نتخيّل فعلاً مَن بنَى قاعدة أناكوندا في العراق والتي تمتد لـ 4.5 أميال. أو قاعدتي الأسد والتليل (20 ميلاً). أو قاعدة فيكتوري/ ليبرتي التي تستوعب مضماراً لرياضة الترياتلون بطول 140 ميلاً، وبها مطارات عسكرية، وشبكة اتصالات هاتفية وانترنت ونظامَا تدفئة وتبريد ومستشفيات وأسواق ومطاعم وشركات تأجير للسيارات وشبكة أمان حديدية، حسب البحث القَيِّم للبروفيسور جوزيف ستيغلتز أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، وليندا بيلمز أستاذة السياسة العامة والموازنة بكلية كينيدي في جامعة هارفارد.
ليس صحيحاً حين يُقال إن الشَّفافية التي يمتاز بها العراق اليوم هي التي سَمَحَت بقول هذا الرقم المُفجِع عن الفساد فيه، وإنه لو كان نظام صدام حسين موجوداً لما عَلِمَ به أحد، لأن ما يَهُمّ في الموضوع هو ليس المقارنات ولا المقاربات ولا الفذلكات وإنما فقط إدراك هذه المعادلة الغريبة: الأحزاب والسَّاسة الذين يحكمون العراق ويتصرفون به من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق هم ذاتهم مَنْ يستنكرون الفِعْل فيه وكأنهم من العامَّة الذين لا حقّ لهم سوى التفرّج والتعليق أو يُلحقوه باعتذار. بمعنى أنهم يستنكرون أعمالاً هُم قاموا بها دون أن يكون هناك حلٌ للموضوع أو إجابة لما يجري هناك. هذه هي أساس المشكلة وليس البوح بها.
قبل أيام أوصى المفتش العام في هيئة دعاوى الملكية العراقية نوَّار الزبيدي باعتماد «سياسة التدوير الوظيفي وإعادة النظر في الرواتب والمكافآت والمخصصات، إضافة إلى الحوافز التشجيعية للعاملين في القطاع الحكومي، فضلاً عن دعم وتقييم الإجراءات الانضباطية والتأديبية للموظفين، ومراجعة التشريعات». (راجع صحيفة الصباح العراقية في ذلك).
لكن الإشكال الذي غابَ عن الزبيدي هو أن المشكلة ليست في تدوير مُوظفين أو زيادة في رواتبهم الشهرية والمُحفّزات، لأن هؤلاء يبقَوْن موظفين رغم قدرتهم على الاختلاس النسبي، إلاّ أن المشكلة هي في الصِّياغة العامة للدولة العراقية والأحزاب النافذة فيها، والذين هُم يدفعون بالتشريعات ويُعيّنون الوزراء والوكلاء والمديرين. وبالتالي فإنه إذا كانت المشكلة في هذا الإطار العام فهذا يعني أن كلّ ما يصدر عن ذلك الإطار سيكون صدى له.
وإذا ما عَلِمنا أن العراق اليوم هو مرهون بتعقيدات طائفية وسياسية وإثنية مُحالَة على أدوات وظيفية تقودها أحزاب وشخصيات وتيارات مُحدَّدة فهذا يعني أن الأمر غاية في الخطورة، لأن التهديد الذي يُخشَى منه أصبح من ضمن مُكوِّن الدولة والمجتمع معاً، وبالتالي أصبح بؤرة للتنفيذ والتشريع في الوقت الذي يكون فيه أيضاً بؤرة ومعولاً نَشِطاً في الفساد والاختلاس.
عندما يُشاهد المرء ويقرأ مآسي العراق سواء من هذا العِيار أو أقل أو أكثر لا يكون نصيبه إلاّ الذهول والغَثَيَان. وربما لا يأنس بشيء وهو في أتون ذلك سوى بالأمل، أو بقول الكاتب الإنجليزي جورج شابمان إن الخطر حافز كل العقول العظيمة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3034 - الأحد 26 ديسمبر 2010م الموافق 20 محرم 1432هـ
كلام الكاتب صحيح ولكن المبالغ ليست بالدولار وانما بالدينار العراقي
كلام الكاتب صحيح ولكن المبالغ ليست بالدولار وانما بالدينار العراقي .
عبد علي عباس البصري
الآن وقد وجدت المصدر ربمى هو المصدر بس اقول للكاتب اذا كان المصدر هو (كتاب من اجل الحريه ) اقول اذا كان هذا هو المصدر المنقول عنه الخبر المذكور فلماذا لم تنشر المقالات الاخرى ؟؟؟ ارجو من القرآء الكرام متابعه هذه الصفحه من على الانترنت فستجدون شيئ ........ من هذا الادعاء.
سؤال
يعني لازم الواحد يقعد في العراق حق يكتب عن العراق ؟؟؟؟؟!!!!!
يا بصري
يا بصري صل على النبي قال الرجال إلّي قال الكلام هو مسئول غرفة عمليات مكافحة الرشوة في هيئة النزاهة العراقية طارق عبدالرسول تقي قال في مؤتمر نَظَّمَهُ مكتب المفتش العام في الهيئة والكلام مو من مخباه
هذه ضريبة تربية جيل كامل على الفساد
المقبور صدام لم يقصر فقد ربي جيلا كامل على الفساد ولذلك يصعب التطهير غير انه ليس مستحيلا كما أن دخول الأمريكان والقاعدة على الخط ساهم في استشراء الفساد اكثر فأكثر لأن امريكا والقاعدة من مصلحتهم بقاء الوضع الفاسد على ما هو عليه لتنفيذ اجنداتهما وهي كثيرة فهما يصطدان في الماء العكر والإصلاح أمر ليس بالسهل كما هو الفساد كلأ الإصلاح يحتاج الى جهود مضاعفة وسنوات من العمل الدؤوب لخلق جيل عكس الذي خلقه صدام
شكرا
شكرًا جزيلاً و اتمنى ان تستمر في الخط اللي انت ماشي عليه والله يوفقك مقالاتك دائماً اكثر من رائعة
عبد علي عباس البصري
الحكومه العراقيه الحاليه هي ليست كلها من قائمه المالكي وانما هي مشتركه بين القوائم العراقيه المختلفه ، حزب الدعوه الصدريين المجلس الاسلامي الاعلي عمار الحكيم قائمه علاوي,,, ووو فلو حصل ان كان هناك فساد من فئه معيه فلن تسكت عنها تلك الاخرى لانهم ليسو على حرف واحد ، ربما يحصل هناك فساد اداري بس مو بهذه الفاجعه ؟؟؟؟
اليوم العراق كل منطقه يحكمها اهلها ، وكل منطقه تطالب بحقها . ومسموح لها ؟ العراق اليوم لاتحكمهى قوانين التسلط.
الصالحي
عندنا وعندهم خير!!!!
عبد علي عباس البصري
((90% من الاموال المخصصه للتنميه تذهب سدى ))
انا اتسائل كيف صدق عقلك هذا الخبر . البرلمان العراقي فيه كافه الهيئات الرقابيه والتشريعيه والقضائيه ، بالاضافه الى التنوع الاثني والمذهبي فلو يمكن باي حال من الاحوال التصرف بالاموال العامه بهذه السهوله ، فكل واحد ناصب الى الثاني هفواته وسقطتاته ، فما سمعنا الا من رجل بحراني فذ يكتب بهذه الجرأه ، ولم نرى مثل هذه الكتابات ولا حتى في ((الكتابات )) العراقيه مثل هذه الكتابات. الله يهديك يجب التحري العلمي .
عبد علي عباس البصري
هذه فوائد الديموقراطيه ، فلو كان في عهد صدام لمستطعت يا كاتب ان تكتب حرفا واحدا / كتاباتك هذه يجب ان تكتب مصدرها للامانه العلميه . من مصدر ((كتابات )) ام من غيرها. فأنت لست عراقي ولست من المقيمين في العراق ، فلو كتبت عن البحرين لسألناك عن الدليل فكيف انت تكتب عن حياه بلد تختلف في جذورها التاريخيه والاجتاعيه والدينيه ايضا اقول والدينيه عن بلدك هذا / هه
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الحال واحد
فقط
شكرا
فاجعة ما بعدها فاجعة
هده الارقام فاجعة على العراق ما بعدها فجيعة وهي نهب اموال الاجيال
الفاسدون
مثل ما الإرهاب ما له دين فإن الفساد كذلك
شكرا على هذه المعلومات