العدد 3032 - الجمعة 24 ديسمبر 2010م الموافق 18 محرم 1432هـ

رحيل الشيخ العكري... صاحب تجربة الإصلاح الاجتماعي الميداني

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

تبنى المرحوم الشيخ محمد علي العكري الذي فقدته البحرين أمس (الجمعة) نهجاً فريداً في نمط الإصلاح الاجتماعي الميداني والمباشر من دون الالتفات لحواجز الشخوص والزمان والمكان، ويعد من الرواد الذين يشار اليهم بالبنان في التيار الإسلامي الشيعي في البحرين منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي.

انتهج الشيخ العكري منذ ريعان شبابه خطاً ذاتياً مغايراً أكثر ديناميكية من الحراك العام في أحيان كثيرة، وتمثلت خطوطه العريضة في محاولة الإصلاح الاجتماعي الميداني المباشر، وركيزة مشروعه النزول في الميدان ونشر المبادئ والقيم التي كان يؤمن بها في مختلف الأوساط الاجتماعية.

لم يجد الشيخ العكري حرجاً في دخول أي مكان، والالتقاء مع أيٍ كان من أجل تحقيق القدر الممكن من الإصلاح بصرف النظر عن التداعيات، وهو أسلوبٌ لم يكن معهوداً من ذي قبل في أوساط الكثير من الدعاة الدينيين وحتى السياسيين.

مواقف جمة يمكن من خلالها قراءة النهج الاجتماعي للشيخ العكري، من خلال برنامجه اليوم، حيث يخرج العكري منذ بواكير الصباح الى عمله الاجتماعي اليومي، فكان كثير التجوال في الأسواق، وكثير المخالطة مع مختلف الفئات الاجتماعية. ولم يقحم الشيخ العكري نفسه في خضم الانقسامات الاجتماعية داخل الخطوط والتيارات الإسلامية التي بلغت أوجها في عقدي السبعينيات والثمانينيات، سواء تمثلت في الصراع على مواقع النفوذ الديني كالتسابق على الاستحواذ على المساجد والحسينيات والمراكز الدينية واستقطاب الجماهير.

وأخذ الشيخ العكري على عاتقه نشر الكتب والمؤلفات، وتبنى طباعتها وتوزيعها مجاناً بكميات كبيرة بالتعاون مع بعض الميسورين مالياً ممن يشاطرونه الأهداف ذاتها، ومن أبرز المؤلفات التي لقيت رواجاً كبيراً كتاب «تعليم الصلاة» الذي كتب مقدمته العلامة الراحل الشيخ سليمان المدني، والذي انتشر كانتشار النار في الهشيم في الأوساط الاجتماعية الشيعية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

يمكن قراءة نهج الشيخ العكري عبر التأمل في نشاطاته الاجتماعية الميدانية، إلى الحد الذي كان فيه الشيخ العكري الأكثر شهرة لدى الفتيات من صغار السن اللاتي كان لا يفتأ من حثهن - بأسلوب أبوي - على ارتداء الحجاب، وشوهد أنه يوزع أنواعاً متعددة من الزي الإسلامي للفتيات وخصوصاً في المواسم الدينية حيث يتجمع الآلاف.

لم يكن الشيخ العكري يرى في المآتم والحسينيات التي ارتقى الكثير من منابرها على مدى عقود من الزمن أماكن للحزن فحسب، بل كان يؤمن بأنها مؤسسات بالغة الأهمية وأندية اجتماعية وبؤر تجمعات شعبية كبيرة يمكنها أن تكون النواة التي ينطلق منها مشروعه للإصلاح الاجتماعي.

ومن الحوادث المشهودة في تجربة الشيخ العكري، حرصه على التواجد في المجلس الأسبوعي لسمو رئيس الوزراء ليرفع لسموه مطالب الشباب وكان يتحدث بصوتٍ جهوري عن أثر تسهيل الزواج وتوفير فرص عمل للشباب في الاستقرار الاجتماعي. وتبنى فتح العديد من المشروعات الذاتية لإشاعة ثقافة الزواج من دون كلف مالية باهظة معتمداً على محورين أساسين: الارتكاز على استحضار الأحاديث الحاثة على تسهيل الزواج، وكان يردد في مسامع كل الشباب حديث أن «المصطفى (ص) زوّج النور من النور (علياً وفاطمة) بما تيسر».

وكان الشيخ العكري يقتنص أية فرصة للمجاهرة بالدعوة للإصلاح السياسي، وكان يستثمر تواجد كبار المسئولين في مراسم التشييع لعدد من الوجهاء ليمسك (المايكرفون) منادياً بالإصلاح. ودفع الشيخ العكري ثمن مواقفه السياسية الجريئة، فقد قضى خمسين شهراً قابعاً خلف زنزانات السجن وظل رافضاً وساطات إطلاق سراحه مقابل تهدئة حراكه السياسي والاجتماعي وسقف خطابه العالي وكان جوابه المعروف «السجن أحبّ إلى مما يدعونني إليه»، وجدها فرصة لبث ما يؤمن من أفكار داخل المعتقل وبين صفوف الشباب.

النزعة الذاتية في تجربة الشيخ العكري يمكن قراءتها من زوايا عدة، أولها رغبته في عدم تحميل الآخرين تداعيات نهجه الاجتماعي الشخصي، وكذلك عدم الدخول في صومعة التباينات والصراعات بين التيارات والمرجعيات المتعددة التي وقف منها غالباً موقفاً عند منتصف الطريق رغم تلاقيه أو اختلافه معها.

عمامة الشيخ العكري وعكازه سيظلان شاهدين على رجل دين سجل بصمته الخاصة في ميدان الإصلاح الاجتماعي والسياسي، وبقي حاملاً لما يؤمن من قيم وحريصاً على نشرها على مدى عقود من الزمن.

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 3032 - الجمعة 24 ديسمبر 2010م الموافق 18 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:53 م

      رجال لايخاف لومة لائم

      كنت حاضرا تابين الدكتور السيد جعفر شرف في السبعينات وكان الشيخ موجودا ومن ضمن الحضور انذاك وزير الداخلية السابق فقام الشيخ بمهاجمته بالكلام وحاول بعض الحضور منعه الا انه اصر على الكلام وهو يقول لمن حول منعه هذا المشجد ليس لك وليس من حقك ان تمنعني وقل لوزير الدخالية امد يدي لك فترفض ان تصافحني . مرة كان يقراء فاتحة ام الشيخ علي الجدحفصي وكان ذلك اليوم الاخير من الفاتحة فما قصر في الحكومة وبعد الانتها اغلقت الشرطة المأتم ودهبت لاعتقاله ما في داعي اتجون اتصلوا لي وسأئتيكم

    • زائر 2 | 2:02 ص

      رحمه الله فقد قلّ نظيره

      رحم الله تلك العمامة التي تجوب الأسواق واماكن تجمع الناس لتقول كلمة الحق التي أثقل ما تكون وكان يمارس النقد البناء للجميع لم يستثني أحدا من نقده وتوجيهاته البناءة غير مباليا بما يلاقيه من صعوبة وعناءا في ذلك
      برحيله خسرت البحرين رجلا فذا يصعب تعويضه
      ولا توجد كلمات تفي هذا الشيخ الجليل حقه
      فكل ما يقال ويكتب يعرفه الناس ولمسوه منه
      على مدى مشواره رحمه الله رحمة الأبرار وجزاه الله عنا خير الجزاء

    • زائر 1 | 10:40 م

      رحمك الله يا شيخ

      احسنت استاذ حيدر
      والله إن هذا الإنسان العالم الاخ الاب الصديق
      يستاهل كل كلمة تقال فيه
      فلا تقصرون في الحديث عنه
      كما كان هو لا يقصر عن الرشد والنصيحة
      رحمه الله
      فقد كان أبا رحيما وعطوفا على أبناء شعبه

اقرأ ايضاً