العدد 3032 - الجمعة 24 ديسمبر 2010م الموافق 18 محرم 1432هـ

بعد تشكيل الحكومة العتيدة... السياسيون العراقيون يَهْجُونَ أنفسهم

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أيام عَقَدَت الحكومة العراقية (الجديدة) أولى جلساتها. جزءٌ كبير من التشكيل الحكومي العراقي انتهى، لكن المُتبقِّي يظل ثقيلاً. عدد الوزارات هو 42 وزارة دون احتساب المناصب النيابة التنفيذية. نُواب رئيس الجمهورية ونُواب رئيس الوزراء. وقد زِيْدَت التشكيلة المذكور بأربع وزارات بغرض الترضيات السياسية للكتل المتخاصمة بعد أن كانت 38 وزارة فقط.

تسعة وعشرون وزارة نالَت الثقة البرلمانية. وأحَدَ عشَر وزارة بقِيَت شاغِرة. وثلاث وزارات أمنية (الداخلية والدفاع والأمن الوطني) لم تتوافق عليها الكُتل الفائرة فأحال المالكي إدارتها وتسييرها لنفسه ولم ينتظر تسمية «المستقلين» لاستيزارهم لها خشية منه أن يتعطّل الإعلان عنها (التشكيلة) أكثر، في الوقت الذي لم يتبقَّ من المُدة الزمنية القانونية سوى أيام (تنتهي في الرابع والعشرين من شهر ديسمبر الجاري).

هنا وأمام ذلك المشهد تتبدَّى عدد ملاحظتان حول تلك التشكيلة الوزارية يُمكن الإشارة إليها كالتالي:

الملاحظة الأولى: بيَّنت الأسماء المُسْتَوْزَرَة أن التشكيلة الوزارية العتيدة كانت وفق نظرية «الرَّتْقُ أرحَمُ من الفَتْق». فالمُدّة الزمنية قانوناً لإعلان الحكومة لم تكُن قادرة على إنجاب تشكيلة جيدة أو بمستوى الطموح. وخصوصاً أن ذاكرة السياسة العراقية لاتزال مزكومة بتسعة أشهر خلت لم تكن حينها أيامها بكافية لكي يتوافق الجَمْع بنقائضه على اسم رئيس للوزراء، وبالتالي أصبح القبول بالموجود (وبأدناه حتى) خياراً يُراكَم على الخيارات العرجاء التي بدأت بها العملية السياسية وما تلاها من أفعال سياسية كإقرار الدستور أو المحكمة العليا أو إجراء الانتخابات المحلية والتشريعية، وهو ما ضاعَفَ من الإشكال.

لذا فقد كانت القِسْمة الأوَّليّة والنهائية للتشكيل الأخير هي: 17 وزارة للتحالف الوطني. و11 وزارة للعراقية. وسبع وزارات لائتلاف الكتل الكردستانية. وائتلاف الوسط والأقليات وزارة لكلّ منهما. لكن تلك القِسمة كانت «مُجْمَلَة» للكتلة الواحدة و»مُفصَّلة» بين منتسبيها. وفي هذه الحالة فإن التيارات النافذة والمُشكِّلة الرئيسية للكتلة الواحدة هي الأقدر (في مثل هذه الحالات) على تسمية خياراتها (وهو ما حصل فعلاً) مع احتساب خيارات المالكي المُؤطّرة بخيار التثليث الوزاري للكتل في تسمية واحد من أحد ثلاثة مُرشحين ووجود فيتو من قِبَلِه على الباقِيَيْن.

لاحظوا الأسماء جيداً. فحين يُعيَّن هادي العامري وزيراً للنقل فهذا معناه أن ما نقوله ليس ضرباً من الخيال. وعندما يُعيَّن رافع العيساوي وزيراً للمالية وهو جرّاح عظام فإن الأمر مشابه للتعيين الأول أيضاً. وينسحب الأمر على سعدون الدليمي (وزير الدفاع الأسبق) كوزير للثقافة، وعلي الأديب كوزير للتعليم العالي والبحث العلمي، ومحمد توفيق علاوي كوزير للاتصالات، ونصار الربيعي كوزير للعمل والشئون الاجتماعية ولواء سميسم وحسين الشهرستاني وبقيّة الجوقة المنتقاة من الوزراء المُختارون من الكتل والمراجع الدينية.

بالتأكيد فإن هذا الأمر يُؤثّر بشكل مباشر على الكفاءة الإدارية وقدرة الوزير على تقديم أفضل أداء. صحيح أن منصب الوزارة هو منصب سياسي قبل كل شيء، لكن ذلك لا يعني أن ذلك المنصب هو سياسي صرف، بل يتخلله إطار تنفيذي يحتاج إلى خبرات حقيقية تُحاكي طبيعة عمل الوزارة المعنية، خصوصاً إذا كانت تلك الوزارة ذات صلة خَدَميّة وميدانية.

لك أن تتخيّل منصب نائب رئيس الوزراء لشئون الطاقة كان مخصصاً للصدريين. لكن الأكراد كانوا معترضين على توزير حسين الشهرستاني لوزارة النفط فأعطي الأخير المنصب الأول، وعُوِّضَ الصدريون بوزارة التخطيط، باعتبارها وزارة سيادية وتوازي المنصب الذي حُرِموا منه في البداية. هذا يعني أن ذلك يحصل وعَيْن السياسيين على الترضيات وليس الكفاءات.

رئيس الوزراء نوري المالكي قال عن وزارته المُشكَّلة أنها «لا ترقى إلى مستوى الطموح». مضيفاً «أنا لستُ مقتنعاً بكل ما جرى وأنتج التشكيلة الحالية، لكنها ضريبة التعددية، حكومة الشراكة الوطنية من أصعب الحكومات من حيث التشكيل في العالم، بسبب تعدد الانتماءات القومية والدينية والمذهبية، لاسيما أن الكل يطالب بتمثيله في الحكومة». وقد تنهار هذه الحكومة بعد ستة أشهر أو يُعَاد تشكيلها على أقل تقدير كما صرّح بذلك جمال البطيخ عضو ائتلاف العراقية التي يتزعمها إياد علاوي.

ختام الأمر هو أن الكتل ونفوذ التيارات فيها هي مَنْ تتحمّل هذا الوِزر وليس المالكي إذا ما استبعدنا نظرية «الذنب الموروث».

الملاحظة الثانية: وهي أن التوزير الذي مُنِحَ لأفراد الكتل بَيَّن هشاشة تلك الكتل والعلاقة القائمة بين مُكوِّناتها وأفرادها وليس هشاشة الحكومة فقط. وقد ظهر ذلك جلياً في أولويات تلك المُكوِّنات. ففي كتلة العراقية بزعامة علاوي ظهر حجم الخلاف القائم بين أفرادها لحدّ التخوين والشَّك في النوايا. ويُمكن مراجعة ذلك في مواقف حسن العلوي وجمال البطيخ بل وفي كتلة العشرة نواب التي استقلّت برأيها عن عُموم الكتلة منذ بواكير التسويات التي أعقبت التوافق على المالكي وبداية اختيار أسماء التشكيلة.

وهو أمر في حقيقته يُظهِر أن التوافقات ونقيضها داخل تلك الكتل ما هي إلى اختزالات مؤقتة تَسكُن إلى همّ المجموع بشكل آني ومُؤقت، لكن ما إن تنضح الحالة السياسية وتبدأ التسويات تتبدل الأولويات لتقفز ما بين حالات سياسية وقومية وطائفية. لقد كانت العراقية (وهو مثال الحال) قويّة الشكيمة في قِبال تسمي المالكي رئيساً للوزراء، بل إنها استطاعت أن تُدَوِّل الموضوع وتجعلها همَّاً إقليمياً، إلاّ أنها فشلت الآن في جعل تلك القوة ضمن مشاركتها في الحكومة المُقبلة، رغم أن مداولات الحاضر سياسية وإعلامية.

ما يهم من كلّ ذلك هو تتحوّل عين السياسيين من الترضيات إلى العراقيين أنفسهم الذين يتوقون إلى حياة آمنة وكهرباء لا تنقطع ومعاشات تقاعدية وتضميد جراح الملايين الخمسة من الأيام ومعهم أمهاتهم الذين تجاوزت أعدادهم المليونَيْن أرملة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3032 - الجمعة 24 ديسمبر 2010م الموافق 18 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:11 ص

      المركب

      الحين الكل في المركب والي بسوي شيء في هالسفينة راح يطبع الجميع

اقرأ ايضاً