قبل أن يدبر العام 2010 أقر الكونغرس الأميركي في نسخته الديمقراطية معاهدة تقليص الأسلحة الاستراتيجية (ستارت 2) بين واشنطن وموسكو، الأمر الذي رفع من نسبة التفاؤل بشأن الاستقرار الدولي في العام المقبل. فهل النهاية السعيدة في العام الجاري يمكن أن تؤشر إلى نمو الانفراج الدولي واحتمال انعكاسه الإيجابي على الأزمات الإقليمية وما تنتجه من منافسات بين الدول الكبرى في السنة المقبلة أم أن العالم سيواصل استنساخ أزماته إلى ما لا نهاية؟
أجوبة كثيرة سلبية وإيجابية يمكن قراءة تفصيلاتها في تضاعيف السياسة الدولية. فالنهايات السعيدة في مكان قد تكون غير ذلك في أمكنة أخرى، لأن العالم يشهد تحولات دراماتيكية تبدأ من الشرق وتنتهي في الغرب. فالعام المقبل مثلاً سيشهد قمة أميركية - صينية في واشنطن تعقد في 19 يناير/ كانون الثاني لتبحث المسائل الثنائية والتعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين أكبر قوتين في العالم. وهذه القمة التي ينتظر انعقادها يرجح أن تبحث احتمال تطور الخلاف التجاري بين الصين والولايات المتحدة بسبب تدخل واشنطن وضغطها على بيجين بشأن العملة وسياسة الإعانات التي تقدمها لتشجيع قطاع الصناعة على التقدم والتنافس.
الجانب النقدي - التجاري ليس المجال الوحيد للخلاف المسكوت عنه بين أميركا والصين. فهناك إلى جانب الاقتصاد تظهر السياسة الدولية وتجلياتها المتعارضة في المجال الإقليمي. الصين بعد أن نجحت في العام 2010 في إزاحة اليابان من المرتبة الثانية دولياً دخلت مع الولايات المتحدة في معركة النفوذ والتنافس على قيادة الأقاليم من أقصى الشرق (كوريا الشمالية) وتايوان إلى الجنوب الشرقي (فيتنام) إلى الجنوب الغربي (الهند وباكستان).
لذلك ستكون هناك عناوين مختلفة وقابلة للبحث بين الطرفين. فالأزمة الكورية خطيرة للغاية لأنها تتضمن في تضاريسها احتمال نشوب مواجهة غير تقليدية بين الشطرين. وهكذا أزمة متفجرة وممتدة لا يمكن التعامل معها من منظار اقتصادي لكون الطرف الشمالي من كوريا لا يقرأ معاركه إلا من زاوية «الوجود والعدم» بمعنى الانتصار الشامل أو الهزيمة الكلية.
كوريا إذاً ستكون نقطة توتر دولية بين واشنطن وبيجين لأن الطرف الأول يراهن على قوته من خلال الاحتفاظ بنفوذه المتوارث من حقبة «الحرب الباردة» بينما الطرف الثاني يراهن على موقعه الخاص في مجاله الحيوي وحقه الطبيعي في ضمان حدوده الأمنية واحتمال توسع حلقاتها في العقد المقبل. الصين مثلاً بدأت تدخل عالم البحار للمرة الأولى في تاريخها المعاصر إذ قررت تدشين أول حاملة طائرات في العام المقبل بالتوازي مع بدء تحسن العلاقات التجارية والاستثمارية مع جارها الصيني الصغير (تايوان).
التقارب بين بيجين وتايبيه لا يزال حتى الآن في طوره الاقتصادي إذ كشفت التقارير أن الصين تعتبر الشريك التجاري الأكبر لتايوان وأكبر سوق تصدير لها منذ العام 2007. وهذا المتغير الاقتصادي سيكون له مردوده السياسي في تخفيف حدة التوتر التقليدي بين الأخوين الصينيين خلال العقد المقبل ما سيترك أثره في لعبة التحالفات في أقصى الشرق.
إلى تايوان تتوجه الصين إلى تحديث علاقاتها مع جارها الفيتنامي الذي كما يبدو من القراءات الأولى بدأ يتخذ خطوات اقتصادية تفتح السوق على العالم في ظل إشراف وإدارة الحزب الواحد للدولة. واستلهام فيتنام النموذج الصيني في التعامل الدولي والتعايش بين اشتراكية الدولة ورأسمالية السوق يمكن أن يعزز دور بيجين ويدفع نفوذها الايديولوجي التقليدي من طور السياسة (التساكن الجواري) إلى طور الاقتصاد والتفاعل التجاري - الاستثماري.
إلى فيتنام تحتل باكستان موقعها الخاص في التعاون الثنائي بين بيجين وإسلام آباد. فالعلاقات بين الطرفين ليست جديدة وهي بدأت في إطار حاجة الصين لباكستان حين كانت في حال خلاف حدودي مع الهند. وتطورت الحاجة خلال التنافس الصيني - السوفياتي ولجوء موسكو إلى استخدام ورقة نيودلهي للضغط على غريمها المتمرد في بيجين. وحين ظهرت أزمة أفغانستان بعد الاجتياح السوفياتي تعاونت الصين مع باكستان ودعمتها بالمال والتقنيات حتى تكون قادرة على الصمود في مواجهة الغزو المعطوف على المخاطر الهندية المتمثلة في أزمتي كشمير والتيبت.
الآن تغيرت الأحوال وتعادلت الأطراف وقانون التحالف الذي تأسست قواعده في ستينيات القرن الماضي أخذ يتبدل بحدود نسبية. فالولايات المتحدة قررت الانفتاح على الهند الصاعدة لتكون ذلك البديل الاحتياطي في حال تدهورت العلاقات التجارية مع الصين. كذلك تريد واشنطن أن تسحب ورقة الهند من الاحتكار الروسي في مرحلة تستعد للانسحاب من أفغانستان تاركة فراغات أمنية لا يستبعد تمددها وانتشارها في المحيط الآسيوي.
توجه باراك أوباما إلى الهند لم يمر من دون حساب على مختلف الأصعدة الدولية والإقليمية. باكستان تخوفت من خسارة تحالفها التقليدي مع واشنطن. وموسكو قرأت زيارة أوباما في سياق محاولة تطويق أميركية للنفوذ الروسي الموروث من العهد السوفياتي. وبيجين أبدت قلقها من احتمال وجود خطة أميركية تريد استخدام قوة الهند البشرية والنامية اقتصادياً لكسر هيبة الصين في القارة.
بسبب هذه الإشارات المتخالفة أقدم رئيس الوزراء الصيني وين جياباو على زيارة إسلام آباد وتوقيع اتفاقات معها وصلت قيمتها إلى 25 مليار دولار، كذلك قام بزيارة مشابهة لنيودلهي وقع خلالها صفقات تجارية بقيمة 16 مليار دولار.
اختلاف قواعد اللعبة بين الصين وأميركا في إطار التعامل مع الأقاليم وانعكاسه المباشر على كوريا وتايوان في أقصى الشرق وفيتنام في جنوب الشرق والهند وباكستان في جنوب الغرب دفعت موسكو إلى التحرك باتجاه نيودلهي لإعادة تعويم علاقة تقليدية بين الطرفين وتطويرها إلى الأعلى حتى تكون روسيا مستعدة لمواجهة تداعيات ما بعد الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان والمخاوف من احتمال انتشار بؤر العنف في دول آسيا الوسطى المحاذية والفاصلة بينها وبين مناطق التوتر وقوس الأزمات الممتد على طريق الحرير (التجارة القديمة).
العام 2010 كان فعلاً سنة آسيا وعام الصين بامتياز. فهذه الدولة الكبرى أخذت تنتقل رويداً من السوق (التجارة) إلى السياسة، وبدأت تتحول إلى حاجة نقدية دولية لتعزيز استقرار أوروبا في منطقة اليورو، وقوة منافسة للولايات المتحدة في الدائرة الآسيوية.
فالصين التي بدأت من الثورة (الايديولوجيا) وانتقلت إلى الاقتصاد (آليات السوق) نجحت في إعادة توظيف القوة النقدية - التجارية لترتيب علاقات سياسية نامية مع المحيط الجغرافي والمجال الحيوي سواء على مستوى تنظيم مصالح قديمة أو مستوى فتح قنوات ومعابر مع خصوم أمس.
الصين الآن قوة كبرى تنافس الولايات المتحدة في الاقتصاد لا السياسة ولكنها في الآن تلعب دور الطرف الأقوى في المعادلة الآسيوية بدءاً من كوريا وتايوان وانتهاء بالهند وباكستان تحت سقف التفاهم القلق مع أميركا وفي إطار مظلة المصالحة مع روسيا. ولهذه الاعتبارات يمكن القول إن العام 2010 انتهى بمشاهد سعيدة حين أقر الكونغرس ستارت 2 مع موسكو (تقليص الرؤوس النووية) وبدأ يستعد لاستقبال الرئيس الصيني في واشنطن.
العام الماضي كان للصين بامتياز ويرجح أن يكون العام 2011 أيضاً لمصلحة القوة الصفراء التي تعتمد التنين رمزاً للتقاليد المتوارثة منذ عصور. والتنين بحسب الأسطورة الصينية قوة ناعمة وليست مخيفة وهو قوة حامية للإنسان من المخاطر التي تحدق به. فالتنين وحش غريب من نوعه ولا وجود له على الأرض، ولكنه وفق الأسطورة يمثل في المخيلة التاريخية دور «الوحش الجميل» الذي يسهر على راحة البشر. فهل تكون الصين على مثال الاسطورة في عصرٍ أخذ يتخطى الخرافات؟ من يدري.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 3032 - الجمعة 24 ديسمبر 2010م الموافق 18 محرم 1432هـ
الجانب الرياضي أيضاً!!
حيث احتلت الصين المرتبة الأولى "للمرة الأولى" في الأوليمبيات الرياضية الأخيرة, و المقامة في الصين 2008, و لهذا الجانب عميق الأثر أيضاً.