«لن تحتاج إلى طي الصفحات، لن تحتاج إلى تقريب الصور، لن تحتاج إلى لف الوثيقة. كل ما ستحتاجه هو أن تقرأ.» هذا ما أفصح عنه المدير التنفيذي لشركة «أمازون جيف بيزوس»، عند إعلانه عن طرح النسخة الجديدة من جهاز كيندل 2. تبيح مواصفات الجهاز لمن يمتلكه أن يقوم بتخزين ما يقرب من 3500 كتاب، 225 ألف مادة. سعر الجهاز لن يتجاوز 500 دولار أميركي.
وللعلم، ليس جهاز كيندل هو الوحيد المطروح في الأسواق كقارئ إلكتروني، فهناك العديد من الأجهزة المشابهة التي تقترب أو تبتعد في مواصفاتها منه، من بين أهمها قارئ الكتب الإلكتروني سوني PRS - 700، والذي عرض مؤخرا في معرض المنتجات الإلكترونية الاستهلاكية في أوروبا، والذي ضاعف من أهميته في الأسواق تلك المكتبة الإلكترونية التي وفرها محرك «غوغل» لزواره، التي بلغت محتوياتها نصف مليون كتاب رقمي، تعرض حصريا على القارئ الإلكتروني الذي أنتجته سوني. ترافق كل ذلك مع ما طرحته شركة «فوجيتسو» اليابانية، التي ميزت منتجها بأنه «أول قارئ إلكتروني ملون للكتب للاستخدام على نطاق تجاري».
القصد من وراء هذه المقدمة المقتضبة عن القارئ الإلكتروني هو الإشارة إلى أن هناك اتجاه في الصناعة الإلكترونية لإنتاج من هذه الأجهزة، كما أن هناك أسواقا بدأت تتقبلها، وفوق هذا وذاك، هناك مؤسسات ثقافية من مستوى جامعة هارفرد، وإعلامية من مستوى صحيفة «نيويرك تايمز»، أبدت استعدادها لنقل محتوياتها عليها، وهناك قارئ شغوف بالقراءة على استعداد لاستخدامها.
عند الحديث عن القارئ الإلكتروني، ينبغي أولا التمييز بين منتجين يعرضان المحتويات بشكل إلكتروني، الأول هو تلك الهيئة المرنة (Soft Version) من النسخة المطبوعة (Hard Copy) من الوثيقة، والثانية هي النسخة الإلكترونية (eCopy) منها. فبينما تقتصر وظيفة الأولى على الاختلاف في نمط التخزين في وعاء المعلومات، من الورق إلى الأقراص (مرنة أم ليزرية أم صلبة)، مع بعض الوظائف المحدود الأخرى، تنطلق الثانية كي تحول الوثيقة، مستفيدة من تقتيات الشبكة العنكبوتية العالمية ومراسم الإنترنت، إلى نسيج مترابط يبيح لمن يستخدمه التصرف بشكل لامحدود في مكونات الوثيقة، بما يخدم الأغراض التي من أجلها اقتنى ذلك المستخدم النسخة الإلكترونية من الوثيقة ذاتها. يجري كل ذلك، وفق قوانين متعارف عليها تحول دون أي انتهاك لحقوق الملكية الفكرية، أو التلاعب بمحتويات الوثيقة الأصلية أو هيكليتها.
الأهم من كل ذلك أن بناء النسخة الإلكترونية، وليس المرنة، هو اليوم صناعة قائمة بذاتها، تعالج صنفين من الوثائق: الأول ذلك القديم المتوفر في هيئات مختلفة منها الورقي الصلب ومنها الإلكتروني المرن، الثاني هو تلك الوثائق الجديدة التي يتم تأليفها، مأخوذا في الاعتبار أنها ستتحول، بالإضافة إلى نسختها الورقية أو اللينة، إلى وثيقة إلكترونية بما تعنيه تلك الكلمة من شمولية وتقنيات ومواصفات تميزها عن النسخة المرنة.
ولكي نقرب مفهوم النسخة الإلكترونية إلى ذهنية القارئ، نشير هنا إلى أن المقصود بالنسخة اللينة، هي من نمط الملفات المحفوظة في هيئات (PDF)، أو (Word)، أو أيه هيئات أخرى قريبة منهما. لكن النسخة الإلكترونية هي التي تضع بين يدي المؤلفة إمكانيات لغير محدودة تبيح له المزج بين النصوص والمرئيات- السمعيات (Audi-Visuals)، بشكل إبداعي تساعد القارئ على فهم المادة من جهة، وتسهل عليه إعادة استخدامها في ملفات أخرى، في حال رغبته في ذلك من جهة ثانية.
وبخلاف ما قد يتبادر إلى أذهان البعض منا، حيث نتصور أن إعداد، أو بالأحرى تأليف مادة قائمة على تقنيات الاسترجاع بواسطة القارئ الآلي أكثر سهولة أو استهلاكا للوقت. الوضع مغاير لذلك تماما، إذ إن الجهد والوقت اللذين يستغرقهما بناء ملفات وثائق إلكترونية، أعقد بكثير، في هذه المرحلة على الأقل، من تلك المطلوب توفرها في إعداد الوثائق المرنة. لكن ما يبرر اللجوء إلى النسخ الإلكترونية، هو المواصفات العالية التي تتمتع بها تلك الوثيقة، التي تبيح لقارئها الكثير من الوظائف التي لا تتوفر في غيرها من الوثائق.
بقيت قضية في غاية الأهمية بالنسبة للغة العربية، وطالما أننا نتحدث عن القارئ الإلكتروني المتطور، أنه حتى الآن لم تبادر أية جهة عربية إلى تقييس صناعة قارئ إلكتروني عربي. التقييس هنا يشمل عناصر كثيرة من بين أهمها تلك المتعلقة بالأجهزة والمعدات، دون إغفال البرمجيات، والأهم من هذا وذاك تقييس بناء المحتوى وأنماط عرضه وطرق استرجاعه. ففي غياب تلك المقاييس الصناعية، سيجد المستخدم العربي نفسه أمام أرخبيل من منتجات «القارئ الإلكتروني» المستقلة عن بعضها البعض، وغير القادرة على مخاطبة بعضها البعض على حد سواء.
إن أهم خاصية ينبغي أن تتوفر في أي قارئ إلكتروني هي قدرته، بعد استكمال الوظائف الذاتية المحصورة فيه، على مخاطبة أي نظام إلكتروني آخر، تتوفر فيه المقاييس العالمية من مراسم وقوانين.
إن أمام صناعة المحتوى العربي فرصة تاريخية في التأسيس لمقاييس بناء محتوى إلكتروني تتوفر فيه المعايير الدولية، قبل أن تسبقها إلى ذلك شركات أجنبية أخرى. وللعرب تجربة مرة على هذا الصعيد. فشركة «مايكروسوفت» هي التي وضعت مقاييس لوحة المفاتيح العربية، بعد أن فشلت في القيام بذلك مؤسسات وشركات عربية، بما فيها هيئة المقاييس العربية التابعة لجامعة الدول العربية
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2438 - السبت 09 مايو 2009م الموافق 14 جمادى الأولى 1430هـ