العدد 2438 - السبت 09 مايو 2009م الموافق 14 جمادى الأولى 1430هـ

مصر وإيران ومنع الانتشار النووي

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

منذ عقد الستينيات تعاون الدبلوماسية المصرية والإيرانية- بعيدا عن الخلافات السياسية- مع الدول الأخرى في إطار مفاوضات نزع السلاح والتوصل إلى معاهدة لمنع الانتشار النووي وهو ما حدث العام 1968. وتم توقيع الدولتين ضمن دول أخرى بعد ذلك على تلك الاتفاقية ولكن مصر رفضت التصديق عليها حتى أوائل الثمانينيات لعدم توقيع «إسرائيل» عليها.

وفي العام 1974 تعاون مصر وإيران في إعداد وتبنى مشروع في الأمم المتحدة لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلام النووي واستمر هنا المشروع يطرح كل عام على المنظمة الدولية ولكن إيران انسحبت من تبني المشروع منذ العام 1979 أعلنت ولاتزال مصر تلعن موقفها من قضية التسلح أو سباق التسلح النووي وقضايا عدم الانتشار في النقاط الرئيسة التالية:

الأولى: أن من حق كل دولة عضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تتمتع وتستفيد بما تتيحه هذه الاتفاقية من استخدام الذرة في الأغراض السلمية وطبقت مصر ذلك في مفاعل الأبحاث في أنشاص منذ عدة سنوات وهو مفاعل بحث علمي معروف وليس سريا.

الثانية: في الأزمة بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي أكدت مصر أكثر من مرة على لسان الرئيس حسني مبارك ووزير الخارجية أحمد أبوالغيط بوجه خاص على حق إيران الكامل في الاستفادة من انضمامها لاتفاقية منع الانتشار ومن التقدم العلمي في المجال النووي السلمي وكانت هذه التأكيدات واضحة ومتكررة حتى مع توتر علاقات مصر بإيران.

الثالثة: أن الهم والشاغل الرئيس لمصر هو أمنها والأمن العربي في المقام الأول الذي يقلقه وجود سلاح نووي إسرائيلي وأكثر من 200 رأس نووي لديها حسب أقل التقديرات، ولا يقلق مصر حصول دول أخرى بعيدة عن دائرتها الأمنية وقد رحبت مصر بالحصول على السلاح النووي العام 1964 وحصول الهند وباكستان عليه العام 1998، وأنا شخصيا كتبت إشادة وخاصة بالنسبة للباكستان في مقال في يونيو/ حزيران 1998 نشرته الأهرام إثر قيام باكستان بالتفجير النووي، وانتقدت الموقف العربي الذي تصور أن هذا السلاح لصالح العرب والموقف الهندي الذي كان يردد وللأسف اقتنع بعض العرب بأن القنبلة النووية الباكستانية هي قنبلة إسلامية، فالسلاح النووي لأي دولة سواء الصين أو الهند أو باكستان أو القوى الخمس النووية لم يقدم إلا دفاعا عن أمن الدولة ذاتها وقد رفضت روسيا السوفياتية إعطاء ضمانات للصين في أوج علاقاتهما في الخمسينيات واتفاقهما الإيديولوجي، أقول رفضت إعطاء حتى نلت لحماية الأمن الصيني إذا تعرض للخطر بأن تستخدم السلاح النووي، وكان ذلك أحد أسباب الانشقاق بين الدولتين بعد ذلك.

وبناء على ذلك نقول لتوضيح الحقائق التاريخية والسياسية وبعيدا عن أجواء سياسية يشوبها التوتر في منطقتنا، إن موقف مصر بالنسبة لإيران كان موقفا إيجابيا ولم يتعارض، مع ذلك ليس استنادا لأي عامل وإنما هو اعتماد على المبدأ القانوني السليم، وعلى تعاون بين الدبلوماسية المصرية والإيرانية عبر سنوات عديدة في المحافل الدولية.

ولكن ينبغي أن نوضح عدة أمور لمن لا يتابع تفاصيل الأحداث:

الأول: إن إيران دائما تؤكد على أن برنامجها سلمي ولا تسعي لبرنامج نووي عسكري بل صدرت تصريحات منسوبة لقيادات دينية إيرانية تحرم ذلك. ولكن المشكلة أن الدول الأخرى لا تثق في هذه التصريحات وهذا ليس شأنا مصريا بل هو شأن إيراني محض.

الثانية: إن موقف مصر من البرنامج النووي لـ»إسرائيل» ليس وليد اليوم أو نابعا من التوتر بين إيران والدول الغربية، بل هو موقف قديم منذ الخمسينيات ثم تزايد في الستينيات والسبعينيات وإن اقتراح مصر بإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية التي شاركت في إيران منذ 1974 كان يستهدف أساسا «إسرائيل» لأنها الوحيدة التي لديها سلاح نووي.

الثالث: إن التصريحات المنسوبة للوكالة الذرية أو تقريرها الذي أخذ يتردد كثيرا هذه الأيام، هو في تقديري -كباحث ومتابع- مسألة من مسائل الابتزاز السياسي لمصر. وللأسف فإن التصريحات المنسوبة للدبلوماسية المصرية تصريحات ضعيفة ولا تدل على مهنية وحنكة سياسية، ويبدو أن الموقف فاجأ الدبلوماسية المصرية فارتبكت في ردود فعلها وهذا واضح في أكثر من تصريح منسوب لمسئولين مصريين.

الرابع: إن مسألة اليورانيوم المخصب أو علل التخصيب مسألة فنية وعلميه فهو لا ينشأ من فراغ، والحقيقة لا يمكن إخفاؤها فليس لدى مصر معامل نووية لتخصيب اليورانيوم بدرجة عالية، فهذه المعامل تحتاج معدات وإمكانيات فنية ليست متاحة حاليا لدى مصر كما أنه لو أقيم مثل هذا المصنع أو المنشأة كان سيسهل اكتشافه من قبل المختصين والأقمار الصناعية، فمصر مجتمع مفتوح وغير أيديولوجي ولذلك يسهل التعرف على كثير من مثل هذه المنشآت فيها بسهولة.

هذا عن الموقف المصري الرسمي أو قراءتي لهذا الموقف من واقع متابعاتي ودراساتي رغم أنني لست متخصصا في هذا المجال.

أما كباحث وكمواطن عربي ومصري أقول إن السياسة المصرية كانت مخطئة ولو كانت أفضل في اتباع الخيارات الاستراتيجية كان ينبغي عليها أن تأخذ منهجا مختلفا بأن تطور برنامجا نوويا علميا متقدما لأن ذلك يرتبط بالتطور العلمي والتكنولوجي. وهذا ما سعت إليه مصر بمشروع إنشاء 8 مفاعلات نووية في بداية الثمانينيات، وهو ما دفعها للتصديق على اتفاق منع الانتشار، ولكن للأسف العلماء والسياسيون المصريون اختلفوا فيما يبنهم، فريق يرى ضرورة ذلك، وآخر يتخوف من مخاطر المفاعلات النووية سواء سلمية أو غيرها، وجاءت حادثة مفاعل تشر نوبل لكي تجعل كفة المعارضين لبرنامج نووي ترجح. وحتى عندما عادت مصر منذ نحو 4 سنوات ليصرح بعض المسئولين حول اتجاه مصر لأحياء برنامجها النووي وهذا موقف أؤيده شخصيا بكل قوة، فإنه يبدو أن مثل هذا القول السليم لا يحظى بالقبول العام سواء على مستوى السياسيين أو العلماء المصريين مما جعل هذا القول لإحياء البرنامج يسير مثل السلحفاة في عصر معروف بالسرعة الفائقة.

هذا المقال وجدته ضروريا لتوضيح بعض ما يقال حول وجود آثار يورانيوم عال التخصيب، وما أعتقده نوعا من الابتزاز لمصر تحت تأثير ضغوطها ضد البرنامج النووي الإسرائيلي وإصرارها على انضمام «إسرائيل» لمعاهدة منع الانتشار. أما إشارة مسئول لضرورة عدم الكيل بمكيالين بالنسبة لإيران و»إسرائيل» فهذه مسألة مبدأ وليست ضد إيران بل الصحيح في الفهم أنها لاستخدام الضغوط الموجهة لإيران لكي توجه الوجهة الصحيحة لها نحو دولة متطورة في السلاح النووي وتهدد المنطقة برمتها، بما فيها إيران أو العراق أو سوريا ومصر قبلهم جميعا بحكم الجوار الجغرافي وتعارض المصالح واختلافها، و»إسرائيل» تعرف هذه الموقف المصري. وينبغي أن نشير لملاحظة أخيرة أن عملية السلام التي انطلقت من مدريد بل وقبلها دفعت مصر أثناءها لإنشاء لجنة خاصة بالتسلح بما في ذلك التسلح النووي، هذا منذ الثمانينيات ثم التسعينييات في القرن الماضي وبالطبع هذه اللجنة تعثرت اجتماعاتها لرفض «إسرائيل» وتعنتها ومساندة الدول الغربية لها

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2438 - السبت 09 مايو 2009م الموافق 14 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً