العدد 3030 - الأربعاء 22 ديسمبر 2010م الموافق 16 محرم 1432هـ

الإتجار بالبشر... الرق المعاصر

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«يواجه المجتمع الدولي عدداً من التحديات وعلى رأسها جريمة الاتجار بالأشخاص، إذ أشارت الإحصاءات الصادرة عن المنظمة الدولية للهجرة إلى أنه تتم المتاجرة بنحو 800 ألف شخص سنوياً عبر الحدود في مختلف أنحاء العالم، معظمهم من النساء والأطفال والمسنين، كما أن عائدات هذه التجارة غير المشروعة تتجاوز 37 مليار دولار سنوياً، وهي أكثر أنواع الجريمة المنظمة نمواً، وتأتي في المرتبة الثانية بعد تجارة المخدرات».

هذا ما أكد عليه رئيس «هيئة حقوق الإنسان» بندر بن محمد العيبان على هامش ندوة «نشر ثقافة حقوق الإنسان وحمايتها في المملكة: نظام مكافحة الاتجار بالأشخاص»، التي نظمها معهد الدراسات الدبلوماسية في الخارجية السعودية بالتعاون مع «هيئة حقوق الإنسان السعودية»، التي عقدت في الرياض في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2010.

وكان من أهم ما تمخضت عنه تلك الندوة، هو النقد اللاذع الذي وجهه وكيل وزارة الخارجية السعودية للعلاقات متعددة الأطراف تركي بن محمد بن سعود الكبير، وفي حضور مندوبة السفارة الأميركية في السعودية، للولايات المتحدة، عندما أشار إلى «دعم واشنطن لإسرائيل مما يبقي معاناة الشعب الفلسطيني»، وعلى تقرير أميركي انتقد جهود السعودية في مكافحة الاتجار بالأشخاص، الذي صدر مؤخرا في واشنطن.

وفيما يرى البعض أن الإتجار بالبشر ظاهرة حديثة، يرجعها البعض الآخر مثل الخبيرة الإقليمية في مكافحة الاتجار بالبشر نهال فهمي، الى القرن السادس عشر، «حيث كانت تسمى آنذاك تجارة الرقيق، والتي كانت تجارة مشروعة هيمنت عليها إسبانيا، التي كانت تورد العبيد من إفريقيا إلى أميركا، ثم تولتها الامبراطورية الإنجليزية». أما محاربة هذه الظاهرة، فقد بدأت، وكما تؤرخ لها نهال فهمي «في القرن الثامن عشر عندما بدأت تظهر أصوات لنبذ العبودية، وكان أول نتيجة لذلك هو منع معاملة أسرى الحروب كعبيد، أو استعباد المدنيين في الدول المحتلة، ثم تدرج الأمر إلى أن أصبحت العبودية جريمة ضد الإنسانية، ثم تطور الأمر في القرن التاسع عشر عندما ظهرت أصوات تطالب بتوقيع اتفاقيات دولية للحد من تجارة الرقيق الأبيض (استغلال النساء في الدعارة القسرية)، حيث ظهرت أول اتفاقية دولية في هذا الإطار العام 1902».

هذا على مستوى التأريخ التشريعي لهذه الظاهرة البشعة، أما على مستوى المفهوم، فهو الآخر خاضع للعديد من التعريفات، لعل أكثرها شيوعا ذلك الذي يحدده بروتوكول الأمم المتحدة الخاص بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأفراد وخاصة النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية للعام 2000، «حيث يقصد بتعبير الاتجار في الأفراد الوارد في المادة الثالثة من البروتوكول انه تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استعمال السلطة أو إساءة استغلال حالة استضعاف أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص ما، لغرض الاستغلال. وتشمل أشكاله الاستغلال في الدعارة للغير، والاستغلال الجنسي، والسخرة، والخدمة قسراً، والاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق أو الاستعباد أو نزع الأعضاء».

أما على مستوى الأرقام، وطبقا لتقرير لوزارة الخارجية الأميركية الصادر في العام 2009، فيبدو أن «هناك ما يربو على 12 مليوناً من البالغين والأطفال يرغمون على العمل القسري والعمل بالسر، والبغاء القسري في جميع أنحاء العالم، وتشكل النساء والفتيات 56 % من هؤلاء الضحايا، كما تبلغ قيمة التجارة السنوية للمتاجرين بالأشخاص 32 مليار دولار.

ويكشف موقع «أمان» عن تنامي هذه التجارة واتساع نطاقها، إذ يذكر أن «عدد الضحايا الذين يتم التعرف عليهم في جميع أنحاء العالم يصل إلى 49105 ضحايا، بزيادة قدرها 59 % عما كان عليه الحال في تقرير العام 2008، كما تتراوح نسبة انتشار ممارسة هذه التجارة بين 1.8 لكل ألف شخص و3 لكل 1000، وتمت محاكمة 4166 من المتاجرين بالبشر بنجاح في العام 2009».

ومن جانب آخر، تكشف أرقام منظمة العمل الدولية أن «الاتجار بالبشر هي أكبر تجارة غير شرعية في العالم، وتقدر أرباح استغلال النساء والأطفال جنسياً بنحو 28 مليار دولار سنوياً، وأرباح العمالة الإجبارية بنحو 32 ملياراً سنوياً، إضافة إلى أن 3 ملايين إنسان في العالم سنوياً يتعرضون للاتجار بهم، بينهم مليون ومئتا ألف طفل، وينقل ما يتراوح بين 45 و50 ألفاً من الضحايا إلى الولايات المتحدة الأميركية سنوياً».

وتربط بعض التقارير بين الأزمة الاقتصادية العالمية، وأنشطة الإتجار بالبشر، حيث يرى البعض ان تلك الأزمة «أسهمت في زيادة أعداد ضحايا عمليات الاتجار بالبشر، والتي أصبحت حسب تأكيدهم تجارة رائجة تقوم بها عصابات دولية وتعتمد على مهربين محترفين، وعادة ما يكون الضحايا من أبناء الدول الفقيرة، أو يتم إجبارهم على العمل لساعات طويلة بأجور زهيدة أو بدون أجر على الإطلاق، فإنّ مشكلة الإتجار بالبشر مازالت اليوم واسعة الانتشار أكثر من أي وقت مضى».

الأمر الذي لا يمكن الاختلاف عليه هو أن هذه الجريمة هي اليوم نمط من أنماط الرق الحديث، وشكل من أشكال العبودية المتطورة، التي يفترض أن تؤرق ضمير المجتمع العالمي، الذي بات مطالبا بوضع القوانين والأنظمة، ناهيك عن الإجراءات التي من شأنها الحد من هذه الظاهرة من أجل الوصول إلى استئصال جذورها التي غرست نفسها عميقا في كل دول العالم دون أي استثناء.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3030 - الأربعاء 22 ديسمبر 2010م الموافق 16 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:43 ص

      الخادمات في المنازل

      أيضا أصبحت من الاتجار في البشر خصوصا في الخليج حبذا لو يولي الكاتب بعضا من الاهتمام في هذا الجانب
      فالخادمة تواجه مصادرة غير شرعية لحريتها
      وتنتهك مشاعرها وكأنها رقيق لمن كفلها
      الرحمة ياناس فغدا ستسألون عما جنت أيديكم من ظلم لهذه التي لا تجد عليكم معينا غير الله ونعم المعين
      عاملوها كما تعاملون بعضكم بعضا اجعلوها تأكل مما أنعم الله عليكم ولا تحاسبوها على كل شاردة وواردة
      ارحما من في الأرض يرحمكم من في السماء

    • زائر 1 | 1:06 ص

      شكرا للعبيدلي

      شكرا للاخ العبيدلي على الاضاءة الموفقة على هذا الموضوع الحيوي حقا .

اقرأ ايضاً