العدد 3030 - الأربعاء 22 ديسمبر 2010م الموافق 16 محرم 1432هـ

الشباب المسلم المعرَّض: تحدي مجابهة التحول إلى الأصولية

عباس بارزغار - أستاذ مساعد في الإسلام بدائرة الدراسات الدينية بجامعة ولاية جورجيا والمحرر المشارك لِ 

22 ديسمبر 2010

ما زال الكثيرون منا مشدوهين من الأخبار الغربية حول اعتقال محمد عثمان محمود، الشاب الأميركي الصومالي المولد والبالغ من العمر 19 سنة، الذي اعتُقِل يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني لمحاولته تفجير حفل إشعال أنوار شجرة عيد الميلاد في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون.

وإذا وضعنا جانباً الأسئلة المتعلّقة بطبيعة دور مشاركة مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي أي) في هذه القضية، يبدو أنه بالرغم من مئات الملايين من الدولارات التي أنفِقَت على برامج محاربة التطرّف في الولايات المتحدة وأوروبا والدول ذات الغالبية الإسلامية حول العالم، فإن الشباب الأميركي الذي يبدو أنه تأقلم بصورة جيدة، مستعد مرة أخرى للقيام بأعمال عنف رهيبة.

وإذا أريد لاستراتيجيات ردع العنف المتطرف أن تكون فاعلة يتوجب علينا إلقاء نظرة حادة على بعض نقاط القوة والضعف فيها.

في الوقت الذي خبت فيه أصوات أسامة ابن لادن وأيمن الظواهري فإن هذا التيار الجديد من الشباب المعرّض للخطر أصبحت تلهمه أفكار عقائديين من أمثال رجل الدين أنور العولقي. ورغم أعدادهم الضئيلة وانعدام وجود أتباع لهم في التيار الرئيس فإن متطرفين من أمثال العولقي يؤثّرون وبشكل غير متناسب على طروحات العلاقات بين المسلمين والغرب لأن أعمال العنف التي يقومون بها تحوز على معظم عناوين الصحف وتوفّر ذخيرة للاستغلاليين السياسيين المصمّمين على تعقيد العلاقات بين العالمين الغربي والمسلم بطريقة أسوأ.

ضمن جهود لمحاربة تأثير العقائديين المتطرفين، قام كادر بأكمله من القادة المسلمين حول العالم بحملات نشطة لإخراج «الإسلام» من «الإرهاب الإسلامي». وهم يهدفون إلى التوضيح أن أعمال عنف كهذه ليست فقط كريهة بغيضة وإنما تشكل انتهاكات واضحة للمبادئ والقوانين الإسلامية.

تجمّع عدد من علماء المسلمين، على سبيل المثال، في فترة مبكرة من هذه السنة في ماردين بتركيا لدحض فتوى أطلقها ابن تيمية، رجل الدين من القرن الرابع عشر، التي تنادي بالعنف ضد الحكام غير المسلمين. وقد استُخدِمَت هذه الفتوى بشكل متكرر كتبرير من جانب المتطرفين.

وبالمثل، وفي فترة مبكّرة من هذه السنة أصدر العالم محمد طاهر القادري فتوى من 600 صفحة تدين «الإرهاب الإسلامي». ويأمل علماء مثل القادري، معتمدين على مصادر ومنهجيات تقليدية كسر هيمنة واحتكار الأيديولوجيات العنفية التي سلّطها أتباعها على طروحات العلاقات بين العالمين الإسلامي والغربي.

لقد دعمت الحكومات والمجموعات المدنية والزعماء المسلمون حول العالم هذه الجهود بعدد من الأساليب. على سبيل المثال وفي المملكة المتحدة، سعت منظمة «الطريق الوسيط المتطرفة» (Radical Middle Way) ومؤسسة كويليام إلى تثقيف الجمهور حول الإسلام، وفي الوقت نفسه تشجيع هوية بريطانية مسلمة مميزة للشباب الصاعد، وهم يفعلون ذلك بمساعدة زعماء مسلمين بارزين مثل حمزة يوسف وعبد الحكيم مراد.

وفي الوقت الذي يتوجب فيه تشجيع هذه الجهود، إلا أن العديد منها لم تصل مستوى تكليفها بسبب توجهها غير السياسي إلى درجة بعيدة. إذا كان الهدف هو عكس اتجاه العمل على دفع الشباب المسلم ذو الميول العنفية المحتملة نحو الأصولية وردع التطرف الديني، فكيف يمكن لهذه التوجهات أن تصل إلى جمهورها المستهدف دون تقديم ضغوطات قادرة على الاستمرار في عالم اليوم شديد النزاع؟ كيف يمكن لبرمجة كهذه أن تؤثر على الغاضبين والمهمّشين وردع التطرف؟

من المنطقي بالنسبة لمعظم الناس أن أعمال العنف التي ترتكبها مجموعات كالقاعدة وأنصارها الناشئين في دولهم والذين يطمحون للقيام بأعمالها هي سياسية من جذورها ولكنها ملفوفة بعقيدة دينية. الشباب المسلم اليوم غاضب، على سبيل المثال من ضربات الطائرات بدون طيار سيئة التوجيه في الباكستان والتي تؤدي إلى قتل الأبرياء من النساء والأطفال، والظلم الذي يبدو أنه لن ينتهي للفلسطينيين. لقد كان كل من أفغانستان والصومال، وهي أماكن ساخنة من الإرهاب، دولاً فاشلة منذ جيلين من الزمان. لم يعرف الشباب في هاتين الدولتين سوى الاقتتال الاجتماعي والحرب والوعود الفاشلة من جانب المجتمع الدولي.

وهذه الأحوال الفجّة هي التي تولّد التطرف. رغم ذلك فإن برامج مجابهة الأصولية تبتعد بخجل أحياناً عن الحوارات السياسية الصعبة والمباشِرة، وتؤكد بشكل زائد، بدلاً من ذلك، على مواضيع مثل الإرث متعدد الثقافات في قرطبة بإسبانيا والتعاليم الروحية الداخلية لعلماء الصوفيين والإنجازات العلمية للعالم الإسلامي في العصور الوسطى.

يتوجّب على الزعماء المسلمين وحلفائهم في الحكومة والمجتمع المدني أن ينتقلوا إلى ما وراء مجرد رعاية مثال «المسلم المصالح» وتشجيع أعمال المواطَنة مثل أعمال الخير والخدمات المجتمعية. عليهم أن يدركوا أن قصص التعذيب بالماء والصور من سجن أبو غريب سوف يكون لها تأثير أعمق بكثير على تشكيل وجهات النظر السياسية للشباب المسلم مقارنة بكلمات الرئيس باراك أوباما المنمّقة عن السلام أو إعلانات عبر الديانات التي يلقيها رجال الدين المسلمين.

إذا كان يُتوقَّع من الزعماء المسلمين إرشاد الشباب ضمن قضية دينية ضد العنف والتطرف، يجب تشجيعهم كذلك قول الحقيقة ضد قضايا الظلم السياسي، وهي عوامل دفع حقيقية تذكي نار التطرف. من خلال تجاهل هذا النداء لا يُنظَر إلى زعماء المسلمين وحلفائهم من قبل جمهورهم المستهدَف كمجرد لعب في أيدي الحكومات الغربية فحسب، وإنما يضمن ذلك أن تُدفَع هذه الجماهير المهمّشة إلى عالم التطرّف المظلم من خلال شبكة مواقع الإنترنت وسواعد أشخاص مثل العولقي.

العدد 3030 - الأربعاء 22 ديسمبر 2010م الموافق 16 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً