يرتبط في أذهان الكثير من اسم «المملكة العربية السعودية»، بمسألتين أساسيتين، الأولى جذرها اقتصادي، وهي «النفط»، حيث احتلت السعودية، وبجدارة، مكانة أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، والثانية مصدرها ديني، حيث تحتضن المملكة بين أراضيها مكة المكرمة، التي يتوجه نحوها مسلمو العالم كافة للصلاة أولاً، ولأداء مناسك الحج، أحد أركان الإسلام الخمسة ثانيا. قلة نادرة جدا تلك التي تستطيع ان ترى في السعودية مكانا سياحيا معاصرا مؤهلا لأن يكون له موقعه المميز على خارطة السياحة العالمية، من خلال الاستفادة من كل المقومات السياحية، بما فيها تلك الدينية.

دراسة مسحية جديدة، قامت بها إحدى المؤسسات السعودية المعنية بالسياحة في المملكة السعودية، كشف عنها خلال مؤتمر الإعلان عن إطلاق فعاليات معرض جدة للسياحة والسفر الذى سيقام فى مدينة جدة، خلال الأيام القليلة القادمة، تحت شعار «بوابة العبور للسياحة»، أعلنت أن عدد السياح «الذين يزورون المدن والمناطق السعودية المختلفة سنوياً يصل إلى نحو 20 مليون سائح من الداخل والخارج، مشيرة إلى أن نصيب المنطقة الغربية من هذا العدد يبلغ 59 % من السياحة الداخلية، ونحو 55 % من السياح القادمين من خارج المملكة».

وفي حقيقة الأمر، فإن ما تتمتع به السعودية من مقومات سياحية، بالمعيار العالمي الحديث للسياحة، ليس امرا مخفيا، وفي وسعه مضاعفة تلك الأرقام، فقبل فترة قامت الهيئة العليا للسياحة، التي تشكلت في العام 2001، وأوكلت لها مهمات كثيرة من بينها ترويج السعودية كدولة سياحية، بالكشف عن «ما يزيد على 6000 موقع تراثي وثقافي في المملكة منها نحو 500 موقع ذكرت في الشعر العربي القديم، ونحو 400 موقع آخر ورد ذكرها في سيرة النبي (ص)».

وقد أوكل للهيئة مهام كثيرة من بين أهمها «الاسهام في إيجاد بيئة ايجابية لتنمية مستدامة لنشاط منظمي الرحلات السياحية في المملكة والتعريف بها من خلال الندوات وورش العمل وزيادة وعي المجتمع، إلى جانب المشاركة في وضع السياسات والخطط لتحفيز المستثمرين على الانضمام لهذا النشاط، بالإضافة إلى العمل على رفع جودة الخدمات المقدمة من منظمي الرحلات السياحية، وتحديد المشكلات التي تعترض تحقيق مصلحة منظمي الرحلات السياحية، وإيجاد الحلول المناسبة لها ومناقشتها مع الجهات المعنية».

وربما يغيب عن بال الكثير منا، انه وكما تكشف الأرقام الرسمية أن الشواطئ السعودية الصافية النقية، والمؤهلة لأن تكون مكانا يؤمه السواح من دول العالم كافة، «تمتد على ساحل البحر الأحمر بطول 1800 كم من الغرب وعلى مسافة 700 كم على ساحل الخليج العربي من الشرق، وتعد مياه المملكة الدافئة وساعات النهار الطويلة نقاط جذب مهمة للسياح وخاصة الوافدين من المناطق الباردة».

وإلى جانب الأماكن السياحية التقليدية، هناك الأنشطة السياحية الرياضية، إذ تكشف الجهات الرسمية السعودية عن «وجود أكثر من 200 نشاط رياضي، تشمل الرياضات التقليدية (سباق الهجن وصيد الصقور وسباق الخيول بالإضافة إلى خمسة أنواع أخرى)، رياضة المغامرات، التي تعتمد على البيئة سواء أكانت بحرية، صحراوية أو جبلية حيث يوجد أكثر من 100 نوع».

وفي نطاق الحديث عن المقومات السياحية الكثيرة التي بحوزة السعودية، يمكننا الإشارة هنا إلى ذلك النجاح الكبير الذي أحرزه معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور»، والذي استضافه متحف اللوفر بباريس بعد افتتاحه للجمهور لفترة تزيد عن الشهرين والنصف، ويضم المعرض، كما تقول أوراقه الرسمية «320 قطعة أثرية تعرض للمرة الأولى خارج المملكة، وقطع من التي عثر عليها في التنقيبات الأثرية الحديثة وتغطي قطع المعرض الفترة التي تمتد من العصر الحجري القديم (مليون سنة قبل الميلاد)، وتمر هذه الفترة الطويلة بالعصور الحجرية ثم بفترة العُبَيْد (الألف الخامس قبل الميلاد) ثم بفترة دلمون ثم فترة الممالك العربية المبكرة، ثم الممالك العربية الوسيطة والمتأخرة ففترة العهد النبوي ثم فترة الدولة الأموية والعباسية والعصر الإسلامي الوسيط والمتأخر، وأخيراً فترة توحيد المملكة العربية السعودية». وإذا أضفنا إلى كل ذلك السياحة الدينية، والمقصود بها تلك التي تقوم على مواسم الحج، سنكتشف أن السعودية، بخلاف ما يعتقد الكثير منا من أكثر الدولة العربية مؤهلة لأن تكون دولة سياحية، إلى جانب كونها دولة نفطية.

تحديث المقومات السياحية للسعودية، بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى رؤية عصرية قادرة على الوصول إلى تلك الصيغة المرنة القادرة على المواءمة بين توفير ما يحتاجه السائح المعاصر، دون التفريط بالقيم الدينية الأساسية، وربما يجد المسئولون السعوديون في نماذج عالمية أخرى ما يستطيع ان يعينهم على تحقيق تلك المعادلة التي قد تبدو صعبة في مظهرها الخارجي. فهناك الفاتيكان كدولة تعتمد كثيرا على السياحة الدينية، وهناك النجف وكربلاء، قبل أن تبتليا بما هما عليه الآن، ولا يمكن ان نغفل «القدس الشريف»، قبل أن تقع في قبضة المؤسسات «الموسادية».

كل تلك الأماكن الدينية نجحت، وربما بتفاوت، في أن تحول ما هو مقدس، إلى عنصر سياحي معاصر مهم، يدر على الدولة دخلا لا يستهان به، وله مكانته في الدخل القومي، ويمارس دوره في تطوير تلك الدول، ويدخلها في نسيج الحركة السياحية المعاصرة