تحتفل البحرين، دون أي استثناء لفئة اجتماعية مميزة، أو طائفة مذهبية معينة، أو ملة دينية، بالعيد الوطني والجلوس. وتصادف هذا العام أن تتزامن هذه الاحتفالات وذكرى استشهاد الحسين، وكأنما شاء القدر أن يذكرنا، دون أي استثناء أيضاً، أننا في البحرين محظوظون بمثل هذا التجانس الطائفي، الذي يؤكد أن الإسلام، كدين، يملك من سعة الصدر، واتساع الأفق، ما يؤهله لأن يكون قادرا على احتضان المذاهب الخمسة دونما تمييز بينها، تماما كما هو قادر على أن يتعايش مع الأديان الأخرى.
أهم من ذلك، ودون الحاجة، أوالرغبة في الدخول في متاهات المقارنة بين الأديان أو المفاضلة بين المذاهب، فربما من الأكثر فائدة اليوم، الوقوف عند ملفات الحاضر، وإمعان النظر فيها، بدلا من الغرق في اختلافات الماضي، والسباحة في بحورها. وبالقدر ذاته، بدلا من الاستمتاع باحتفالات العيد الوطني، والاكتفاء بالتهليل لها، ربما من الأجدى ان نستثمر مثل هذه المناسبة للوقوف أمام المرآة، ومحاسبة الذات، لتقويم ما أنجزناه من أجل إغناء واقع اليوم، والتحضير لغد المستقبل. ومتى ما قمنا بذلك، فمن الطبيعي أن تقودنا أقدامنا نحو ملفات أساسية ساخنة من بين اهمها:
1. التربية والتعليم، فأية دولة تريد أن يكون لها موقعها المميز على خارطة الأمم المتقدمة والمتحضرة، لا يمكنها ان تتجاهل ملف التعليم. ومن يتصفح ملف التعليم في البحرين اليوم، لابد وأن تجتاحه موجة عاتية من الكآبة، إن لم يكن الحسرة. والكلام هنا ليس موجها لوزارة التعليم وحدها، فالحديث يشمل موقف الدولة من السياسة التعليمية. ونكتفي بمعالجة المنهج التعليمي، دون الغوص في محتويات كل مادة على حدة. فمازالت سياسة التربية والتعليم مستمرة في الأخذ بالمناهج المعمول بها في عصور ما قبل ثورة الاتصالات والمعلومات. ليس المهم هنا إدخال هذه المادة هنا، أو إضافة هذا المقرر هناك. فجميع هذه الإجراءات لن تعدو كونها عمليات تجميلية لا تمس جوهر السياسة التعليمية. فالأهم من كل ذلك كله اليوم، هي الحكم الموضوعي، غير المتحيز ولا العاطفي، على مخرجات التعليم في البحرين، وهل هي قادرة على تلبية متطلبات السوق. والمقصود بالسوق ليست السوق المحلية فحسب، وإنما السوق الإقليمية، إن لم يكن العالمية أيضا. ففي مرحلة العولمة، حيث يتداخل المحلي مع الكوني، ينبغي على الدولة ان تؤهل مواطنيها كي يكونوا قادرين على المنافسة بمقاييس عالمية. فإن هم لم يذهبوا إلى السوق العالمية، فإنها قادمة إليهم. وليس هناك أكثر من التعليم تأثرا بالعولمة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التعليم يشمل أيضا، بالإضافة إلى التعليم الأكاديمي، التأهيل المهني، فقد أصبح هذا الأخير أكثر حضورا في الاقتصادات المعاصرة من التعليم الأكاديمي، نظرا لالتصاقه الواضح، والمباشر، بثورة الاتصالات والمعلومات، وسوقها هي الأكثر حضورا في تكوين تلك الاقتصادات. من حق المواطن أن يتساءل اليوم، هل مخرجات التعليم في مملكة البحرين اليوم، يتماشى وتلك الثورة التي عرفتها نظم التربية والتعليم في الاقتصادات الناشئة الباحثة عن موطئ قدم في السوق العالمية، أم أنها لاتزال مجرد حشو لكم هائل من المعلومات في أذهان أبنائنا الطلبة؟
2. الخدمات الصحية، وهي الأخرى لم تعد مقتصرة على توفير مبنى حديث هنا، أو التباهي باقتناء معدات جديدة هناك. فالرعاية الصحية، هي قبل كل ذلك نظام متكامل يضمن الحد الأدنى مما يحتاجه المواطن في هذا المجال. ففي الاقتصادات المعاصرة، تحولت الخدمات الصحية، بما فيها تلك التي تقدمها الدولة، عنصرا مهما من عناصر الاقتصاد الوطني، نظرا لارتباطها الوثيق بسياسات التنمية، وعلاقاتها المباشرة بالأنشطة الاقتصادية الأخرى، من تأمين، وضرائب، وتعليم أيضا. ولقد شهدنا اقتصادات ناشئة مثل السينغافوري، والماليزي، يحول نظام الرعاية الصحية والتعليم إلى السياقين الذين يعتمد عليهما الاقتصاد الوطني من اجل السير بخطوات ثابتة غير متعثرة سواء جراء تخلف النظام التعليمي، او سوء أداء نظام الخدمات الصحية.
3. المواطنة، وربما ينظر البعض بشيء من التجريد الرومانسي لهذه المسألة، حيث يعتبرها بعيدة كل البعد عن خطط التنمية، وبرامج التطوير، لكن الأمر على العكس من ذلك تماما، ففي الاقتصادات الناشئة مثل البرازيل والصين والهند، تحظى سياسات المواطنة، بالكثير من اهتمامات الدولة التي تسخر نسبة عالية من خططها التنموية، ومواردها البشرية والتشريعية، من أجل ترسيخ مفهوم التنمية في أذهان المواطنين، وتعزز ذلك بممارسات ملموسة على أرض الواقع، تحول من خلالها المواطنين إلى رافعة وطنية تمارس دورها في الزج بالجميع في تنفيذ سياسات الدولة والدفاع عن خططها التنموية، دونما اي تمييز لجذورهم العرقية، أو انتماءاتهم المذهبية.
4. المصداقية، ففي غياب المصداقية عن مؤسسات الدولة وهيئاتها، وأفرادها، يفقد المواطن ثقته فيها، ومن ثم حماسه المطلوب للانخراط في تلك الخطط لضمان نجاحها. ولكي تحظى المصداقية بتلك الثقة، ينبغي أن تحرص الدولة على مأسستها من خلال التشريعات التي تحتاجها، والقوانين التي تحميها وتصونها. المصداقية هنا هي صمام الأمان الذي يذود عن حياض الدولة، ضد الفساد، ويحميها من النزوات الذاتية، ويحرسها من الاختراقات المبنية على مواقع اجتماعية او مراكز نفوذ مالية. ولهذا شهدنا المجتمعات الحديثة، في سياق دفاعها عن أنظمتها الراسخة، تولي الكثير من الاهتمام، وتسخر الكثير من الطاقات، من اجل «مأسسة» المصداقية، وتحويلها من مجرد شعارات جوفاء إلى أنظمة معمول بها، ويمكن تلمسها على أرض الواقع.
تلك هي بعض من قائمة طويلة من الملفات الساخنة التي يأمل المواطن أن يقف المسئولون أمامها، وهم يحتفلون بعيدنا الوطني وعيد الجلوس، فليس أسهل على أي منا إرسال باقة تهنئة، أو دفع كلفة إعلان في صحيفة. لكنها جميعا تفقد أهميتها ما لم تنبع من قلب صادق ونفس راضية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3025 - الجمعة 17 ديسمبر 2010م الموافق 11 محرم 1432هـ
الواقع
يقال الكثير والعمل قليل .... البلد يعاني من مشكلات كثيرة من تمييز وبطالة وازمة سكن وواقع معيشي ضعيف واخطر الملفات التجنيس والذي بحاجة ماسة للمعالجة من اعلى المتويات وبكل مصداقية والنظر في من تم تجنسهم وسحبها من لم يستحقونها وبكل أمانه... واذا اردت ان تعرف الرجال اختبرهم في الامانة والمصداقيه.
( انا عرضنا الامانة على السماوات والارضين والجبال فأبين ان يحملنها وحملها الانسان انه.......) المشلكة في البحرين هي المصداقيهوالتى اشار لها الكاتب الكريم في البند الرابع.....حفط الله البحرين واهلها
سيدي جلالة الملك ،،، نحن أبناء الوطن حراس المال العام
صون المال العام، واتباع الأساليب والإجراءات والمعايير المناسبة لمكافحة الفساد بكل أشكاله... لأن بعض الكوادر تريد أن تخدم الوطن بكل إخلاص
نناشد جلالة الملك بفتح خط ساخن وبريد إلكتروني لتلقي الشكاوى
أهمية الخط الوطني الساخن لتلقي الشكاوى والملاحظات المتعلقة بحالات الفساد لمتابعتها والتأكد من حدوثها واتخاذ الإجراءات المناسبة بصددها، حيث أن الجهود الذاتية لا تكفي، إذ لابد من تكامل الجهود للتعاون في تحقيق نتائج إيجابية لمكافحة الفساد. أن مملكة البحرين بفضل قيادة جلالة الملك أرست قواعد الديمقراطية من خلال مشاركة المجتمع المدني في تحمل مسئولية التطوير والتنمية،
وماذا عن بقية الملفات المهمة يا أستاذنا المحترم .!
مقالة جيدة إلى حد ما ، لكن الكاتب المحترم تحاشى أن يشير إلى ملفات أهم وأخطر كملف التجنيس و التمييز المذهبي و البطالة العامة و الجامعية بالذات مع ملف الإسكان وسوء الواقع المعيشي للمواطن ، إنني أعتقد أن معالجة ملف التربية وحده لا يحل المشكلة إذا بقي التمييز بهذا الشكل في وزارة التربية وهكذا دواليك .