أصِلُ بذاكرتي إلى حيث هَجِيْرَة يوم الثلثاء، التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام 680م. في تلك الساعة من النهار استُشهد الحسين بن علي بن أبي طالب (ع). وما بين تلك الساعة الدَّامية ويومنا هذا طَوَى الزَّمن أزيد من 1330 سنة، و15960 شهراً، و77140 أسبوعاً، و485450 يوماً. وهي سُنُونٌ مديدة كفيلة بأن تُذِيْبَ ما يُنحَت على الجبال. لكن تلك السنين والشهور لم تستطع أن تُمحِي اسم الحسين.
لكن الأكيد أيضاً أن شيئاً قد انمحَى أمام خُلُود ذكرى الحسين (ع). إنها أخلاق «بعض» من يدّعون أنهم من تابِعِيه. نعم... رَفَعَ ذلك «البعض» من اسم الحسين لكنهم لم يرفعوا من احترامهم لذلك الاسم ولا من صاحبه بِهَتكِهم لحُرُمات الآخرين، ولحقوقهم وراحتهم في مساكِنِهِم وديارِهم. فباسم الحسين داس ذلك «البعض» على حقوق ليست له. لم يُوقفهم عن ذلك الفِعل الذي يَرُومُونَه لا الحسين ولا حُرمة ذكراه. فأيُّ تابعين أو مُقتَدِين هم به إذاً؟!
كثيرة هي الأشياء التي تجرأ ذلك «البعض» على انتهاكها باسم الحسين. لكن الذي بدا لي (ولغيري أيضاً) أن هذا العام العاشورائي كان أزيد من سابقه حتماً. يأتي ذلك «البعض» إلى مراسم العزاء فيركن سيارته أو حافلته في وجه زقاق أو شارع هو بِضِيقِ الحَلق ويمضي إلى كَسْبِ الثواب باللطم أو البكاء. لكنه ينسى أنه قد خلَّف وراءه أمَّةً من الناس وقد تعطّلت مصالحها بسبب وقوفه المُبارك. كُهولٌ ونساءٌ وأطفالٌ ومَارَّة، أصبحوا أسرى لديه دون فَكَاك.
لكُم أن تتخيَّلوا أن طريقاً ما، لا يَسَعُ إلاّ لعبور مَركَبَةٍ واحدة، تمرُّ منه وفي ساعة واحدة أكثر من خمسين سيارة، يَسُدُّهُ واحدٌ من ذلك «البعض» تحت شعار (على حُبِّ الحسين)، فتختنق الطرقات على مَدِّ البصر، ويكُرُّ البعض راجعاً أدراجه ليُفاجأ أن خَلفَهُ خَلفْ، وخَلفَ الخَلْفِ خَلْفٌ آخر، فينحبس الطريق كلّه حتى يأذن كاسِب الثواب بإذنه الميمون! وهو أمر لا يرضاه شرعٌ ولا قانون فضلاً عن ثقافة الحسين (ع) المرفوع اسمه من قِبَل هذا البعض المستهتر.
بعض آخر من هذا «البعض» أصبح يتفَنَّن في ابتكار موقفٍ له عندما يَهِمّ ذاهباً لإحياء مراسم العزاء، فيَبْرُكَ بسيارته في الوسط حتى يشطُر الشارع إلى نصفَين، فيحتار القادمون، أو مَنْ يذهبون رَوَاحاً في أمرهم، هل هُم على جادّة القانون أم لا. أما البعض من ذلك «البعض» فيختصر على نفسه المشقّة ليُقفل الشارع على مَنْ فيه فلا يدخل ولا يخرج منه أحد وكأنه قد أقام حاجزاً عسكرياً!
إحدَاهُنَّ أسرَّت لي أن سيارتها ظلَّت أسيرة لدى مجهول لمدة سبع ساعات بسبب حصار ذلك «البعض» لها، حتى اضطرت خلالها للعودة إلى منزلها ثم تستعيدها في يومٍ تالٍ. أحدُهُم قال إنه تفاجأ بأن المدخل الوحيد الذي يُفضي به إلى الضفّة الأخرى بجوار بيته والتي يتردّد عليه يومياً قد أُغْلِق من قِبل سيارة ممهورٌ على زجاجها الخلفي «يا حسين»! فهل هذا مقبول؟!
الغريب أن هؤلاء البشر، لطالما تَمنّوا أن يكونوا «أحَداً» من أولئك الماشِيْن مئات الكيلومترات إلى مدينة كربلاء المقدسة طمعاً في الثواب والأجر، لكنهم يتأفَّفُون أن يُسْنِدوا مركباتهم وسياراتهم في مكان يبعد بضعة أمتار عن مقصدهم! لقد بُحَّت أصوات المُنظِّمِين للعزاء وإدارات المآتم بوضعهم شارات ولافتات تُعلِم بحظر الوقوف هنا وهناك لكن ذلك «البعض» لم يكترث وكل ذلك يجري باسم الحسين وعلى حُبِّه والحسين منه براء؛ لأن حرمة الآخرين ومراعاة حقوقهم هي الأصل.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3023 - الأربعاء 15 ديسمبر 2010م الموافق 09 محرم 1432هـ
رائع :)
تعقيباً على التعليق 5
لماذا لا يجب نشره اليوم؟ واليوم هو عاشر..حسناً
نحن ، يجب أن نقتدي بالحسين وبأخلاق الحسين وليس من الأخلاق ما يفعله " البعض" كما ذكر الكاتب
يجب نشره و بكل تأكيد فهذه الامور جزء بسيط مما يحدث في مراسيم عاشوراء التي يجب أن تكون قدوة لنا ولكن لا احد يقتدي،فقط الجميع يبكي ويلطم
وبالمقابل ماذا ؟ "البعض" مُنحط الأخلاق !!! مع احترامي =)
اشكر الكاتب لـ لفته لهذه الامور الصغيرة التي هي كبيرة لو التزمنا بها
ملاحظه
انا اتفق معك فيما ذهبت اليه ، ولكن هل ترى ان هذا اليوم هو اليوم المناسب لمثل هذا المقال
اعتقد ان هذا اليوم يقتصر على الفاجعة الكبرى او ماذا تقول
وكان حري بك ان تضع المقال امس او غدا
تحياتي
جرحنا جميعا
وضعت يدك على الجرح
الحل هو !!!!!!!!!!
حل هالمشكلة يصير بأمرين يخلون المرور يجي ينظم هالمخالفات والثاني إن أي سيارة من خارج المنطقة ما تدخل وكفى الله المسلمين شر القتال
مراعاة الآخرين
شكرا جزيلا على هذه الملاحظة وكم عانينا نحن من هذه المشكلة فبعض الناس يقوف وراء سيارة وياتي آخر ويقف خلفه ايضا فنحتار كيف نخرج السيارة الثانية والاولى
يا جماعة الخير لازم تراعون مثل هالامور
:)
أحسنت