إنّ الحسين (ع) ينادينا على امتداد كلّ هذه القرون، إذا أردتم أن تأخذوا القدوة منّي ومن حركتي، فعليكم أن تُجرحوا حيث جُرحت، وأن تسيل منكم الدّماء حيث سالت دمائي في مواقع الانتصار للإسلام وللرّسالة، أمّا أولئك الّذين يضربون رؤوسهم، ويجرحون أجسادهم بدمٍ باردٍ، فلا يمكن أن يمثّلوا الحسين وكربلاء، لأنَّ الحسين كان صوت الإصلاح وحركة الوعي في مواجهة كلّ مظاهر التخلّف الخارجة عن خطّ الإسلام الأصيل ومفاهيمه وقيمه...
كذلك، فإنّ الّذين يريدون لعاشوراء أن تكون مناسبةً احتفاليّةً لفئةٍ من المسلمين في مواجهة فئةٍ أخرى، هم أبعد النّاس عن الحسين وعن أهل البيت (ع)، الّذين كانوا القدوة في التّسليم ما سلمت أمور المسلمين، وكانوا النّموذج في حماية وحدة الأمّة، وروّاد الوحدة الإسلاميّة.
إنّنا نقول للجميع: إنّ عاشوراء هي دعوة مفتوحة للوحدة في كلّ الواقع الإسلاميّ، ودعوة مفتوحة للدّفاع عن المستضعفين ومواجهة الظّالمين في كلّ امتدادٍ للزّمن، فتعالوا إلى عاشوراء الّتي تصنع القوّة من حيث تصنع الوحدة، وتصنع العزّة من حيث تصنع الإرادة الحيّة في كلّ المواقع... تعالوا إلى عاشوراء إسلاميّة، عاشوراء الشّيعة والسنّة، في مواجهة الاستكبار العالميّ الّذي جعل الأرض الإسلاميّة تئنّ تحت وطأة الهيمنة والاحتلال، وفي مواجهة كيان العدوّ الّذي أوشك أن يهدّد كلّ فلسطين، وأن يقوّض أساسات المسجد الأقصى، وأن يجعل فلسطين التّاريخيّة مرتعاً للاستيطان الزّاحف من كلّ حدبٍ وصوب.
أيّها الأحبّة، نحن مدعوّون في عاشوراء إلى صناعة القوّة على جميع المستويات، ولكنّها ليست قوّة الشّيعة في مواجهة السنّة، أو قوّة السنّة في مواجهة الشّيعة، بل قوّة المسلمين مع كلّ المستضعفين والمظلومين في هذا العالم، في مواجهة الظّالمين والمستكبرين، وقوّة الأمّة في مواجهة أعدائها...
إنّ علينا في هذه المراحل الصّعبة والمعقّدة والخطيرة، والّتي يُراد لها أن تكون مراحل صناعة الفتنة المتنقّلة، أن نستهدي كربلاء، ونستحضر كلّ ذلك التّاريخ النّاصع لأهل بيت النبوّة (ع)، لنعمل على صناعة الوحدة، بالكلمة الطيّبة، والموقف الواعي، والدّعوة بالّتي هي أحسن، لأنّ الذي يروّج للفتنة أو يمهّد لها، لا يمكن أن يلتقي بالحسين (ع) من قريب أو بعيد، لأنّ الحسين هو رمز الوحدة الإسلاميّة، ويتّفق على محبّته ورساليّته كلّ المسلمين، ولا يمكن لمن يعمل للفتنة المذهبيّة، أو لمن يستجيب لخطط الأعداء في صناعة الحروب المتنقّلة، أن يكون نصيراً للحسين ومحبّاً له، أو أن يحسب نفسه في جماعته ومن أنصاره.
إنّ علينا أن ننفتح على الحسين في الدّائرة الإسلاميّة الواسعة، والدّائرة الإنسانيّة الواسعة، وعندها نطلّ من مدرسة عاشوراء على الفضاء الإسلاميّ كلّه، والفضاء الإنسانيّ كلّه، لأنّ الإسلام ينفتح على الإنسان كلّه، وخصوصاً الإنسان المظلوم والمضطهد والمقهور، ولأنّ الله «سميعٌ دعوة المضطهدين، وهو للظّالمين بالمرصاد»، كما يقول عليّ (ع)... ولذلك، فنحن في الوقت الّذي ننفتح على الشّعب الفلسطينيّ الّذي يعيش كربلاء في كلّ هذا الحصار المضروب عليه في غزّة، وفي الحصار الأمنيّ والسياسيّ الّذي تُحاصر فيه الضفّة، نريد للأمّة أن تتحمّل مسئوليّاتها تجاهه، حتّى لا تتكرّر المأساة في الشّعب الصّامد والصّابر، وتمتدّ إلى المواقع الأخرى في الأمّة.
كما نريد للعالم الإسلاميّ والعربيّ أن ينفتح بعضه على بعض، وأن تخرج دوله من سياسة التّخويف التي يُصوّر فيها لكلّ بلدٍ عربيّ أو إسلاميّ، بأنّ البلد العربيّ والإسلاميّ الآخر يمثّل خطراً عليه، كما نريد للدّول العربيّة والإسلاميّة أن تكون الأقرب إلى نبض شعوبها، لأنّ قوّتها هي من قوّة هذه الشّعوب، ولذلك، لابدّ للمسئولين في هذه الدّول من الانفتاح على شعوبهم، والتّواصل معهم، ومصارحتهم في كلّ شيء.
وعندما ننفتح على قضايا الأمّة الّتي أرادنا الحسين (ع) أن نكون معها، فعلينا أن نعيش كلّ حركة المقاومة ضدّ الاحتلال في أفغانستان، وأن نكون إلى جانب كلّ أولئك الّذين يعملون على طرد الاحتلال من البلدان العربيّة والإسلاميّة، لا الذين يعملون على تدمير الواقع الإسلاميّ باستهداف مواكب المؤمنين ومساجدهم وساحاتهم بالتّفجيرات الوحشيّة الظّالمة تحت عناوين مذهبيّة وسياسيّة واهية.
وأخيراً، إنّنا نتطلّع إلى لبنان الّذي بدأ الحديث فيه عن الفتنة يتصاعد ضمن وتيرة معروفة، وفي سياق خططٍ مدروسة، لنقول للّبنانيّين: لقد جرّبتم الفتن والحروب، فماذا كانت النّتيجة، ولقد زرعتم الرّيح، فهل حصدتم إلا العاصفة، وإذا كانت ريح الفتنة تأتي من الخارج، وتنفث سمومها في الدّاخل، فعلينا جميعاً أن نسدّ النّوافذ السياسيّة والثّغرات المذهبيّة الّتي تنفذ من خلالها المحاور الدّولية والإقليميّة لتعبث باستقرار البلد، وتزرع بذور الشكّ والخوف في علاقات اللّبنانيّين بعضهم ببعض.
إنّنا، ونحن نعيش تحت وطأة كلّ هذه الجراح، والّتي أدمت الأمّة كلّها في كربلاء، نتطلّع إلى من يضمّد جراحات الحاضر بالكلمة الواعية، والموقف المسئول، فقد قتلتنا الكلمات العشوائيّة والمواقف الارتجاليّة.
تعالوا إلى الحسين، إلى كلمة الوحدة ووحدة الكلمة، لننهض لحساب الوطن كلّه، ولنكون مع الحريّة... الحريّة في مواجهة العدوّ الّذي يتربّص بنا الدّوائر، ويعدّ العدّة للانقضاض على واقعنا أمنيّاً وسياسيّاً، وحتّى عسكرياً... تعالوا لنحمي المقاومة في مواجهة الحملة العالميّة الّتي تحاول تشويه صورتها تحت لافتة العناوين القضائيّة الدّوليّة الّتي اكتوى العرب والمسلمون بنيرانها، وتعلّموا جيّداً من كلّ تجاربهم معها... تعالوا إلى الحوار والتّفاهم، قبل أن يربح المشكّكون والمتآمرون والانتهازيّون...
إقرأ أيضا لـ "علي محمد حسين فضل الله"العدد 3023 - الأربعاء 15 ديسمبر 2010م الموافق 09 محرم 1432هـ