العدد 3023 - الأربعاء 15 ديسمبر 2010م الموافق 09 محرم 1432هـ

نلتقي مع «دانتيلا» بروين حبيب

في أمسية استضافتها حملة «كلنا نقرأ»

بأنوثتها الواثقة تلك أطلت علينا، بحرينية حد الجذور وفراشة حد الطيران، لم تكن بروين حبيب في لقائها البحريني ذاك أقل من «ملهمة»، ليس لتجربتها الإعلامية الغزيرة التي وضعتها لسنوات على عرش الحوارات الثقافية التلفزيونية في العالم العربي، وليس لأنها قابلت وجربت وحاورت وتحدثت مع المئات من نجوم الفكر والأدب والفن المعاصرين، وليس أيضاً لأنها خاضت تجربة حياتية ومهنية صعبة صقلتها حتى النخاع، كانت بروين حبيب ملهمة لأنها على الرغم من ذلك كله احتفظت ببساطة وصدق وشفافية يمكنك أن تنفذ عبرها بكل سهولة إلى دواخلها، فلا تجد إلا جميلاً.


أصالة

بروين حبيب، الإعلامية البحرينية التي حلقت إلى سماء دبي منذ سنوات عشر حلت ضيفة على حملة «كلنا نقرأ» الشبابية في البحرين أخيراً لمناقشة كتابها الأخير «دانتيلا... أقل من الصحراء». في أمسية هذا اللقاء الذي استضافته دار البارح وحضره إلى جانب شباب وشابات « لنا نقرأ» مجموعة من أصدقاء وصديقات بروين الشخصيين، عادت بروين طفلة تجوب شوراع فريق المخارقة في المنامة حيث نشأت، مستذكرة ذلك الحزن الذي يلف الأجواء في أزقة المنامة في ليلة العاشر من محرم حزناً على الحسين (ع ). عادت طالبة تملأ أروقة جامعة البحرين عشقاً بنزار قباني وأشعاره، وعادت فتاة بحرينية في بيئة محافظة تتحدى التقاليد بإعلان استسلامها لمحبوبها الأول «اللغة العربية»، ذلك المحبوب الذي اختارته طوعاً على الرغم من أصولها الفارسية.

تقول بروين «ذكرني الشاعر الجزائري واسيني الأعرج بقصتي، فالأعرج ذو أصول بربرية غير عربية، لكنه اختار اللغة العربية معشوقة وأداة رئيسية للتواصل، لقد اخترت اللغة العربية بسبق إصرار وترصد حتى صارت أداتي التي أعرف بها الدنيا وأعبر بها عن نفسي، على الرغم من أنها لم تكن اللغة الأولى التي سمعتها».


صلح وإطلالة دموع

عندما تستمع إلى بروين حبيب اليوم وهي تتحدث عن نفسها، تستشعر بعمق بأن هناك صلحاً جميلاً عقدته مع ذاتها بكل مكوناتها. بروين حبيب اليوم متصالحة تماماً مع نفسها، جذورها، أصالتها، أنوثتها، تجربتها بكل أبعادها، وحتى الجراحات أو الآلام العاطفية أو الحياتية فقد نجحت بإكبار في تجاوزها بسلام جميل.

تقول رداً على أحد التعليقات الشبابية حول الحزن الذي يغلف مجموعتها «دانتيلا... أقل من الصحراء»: «الحزن مكون طبيعي من مكوناتنا، لست سوداوية وليس ما أكتبه داكناً، لكن كتابي كان محاولة صادقة للتعبير عن حياة وأفكاراً تحمل حلاوة ومرارة في آن معاً».

غير أن بروين لم تتمكن من إخفاء إطلالة دموع ظللت كلماتها في أكثر من لحظة في تلك الأمسية، عندما تحدثت عن أزقة المنامة المغلفة بالسواد، عندما تذكرت والدتها «زليخا» وهي تسخر من وقوفها المتكرر أمام المرآة طفلة تجرب قراءة بعض النصوص. عندما استذكرت وفاة والدها الذي لم تستطع توديعه لارتباطها بتسجيل حلقة من حلقات برنامجها الأسبوعي على قناة دبي الفضائية «نلتقي مع بروين حبيب». وعندما تتذكر بأنها غادرت البحرين بعقد لمدة سنة واحدة تحولت دون أن تدري إلى عشر سنوات.


الإمارات... البحرين

بروين التي يصر أصدقائها الذين حضروا اللقاء على وصفها بالشاعرة، وتصر تواضعاً أو إكباراً للشعر أن لا تطلق على نفسها هذا اللقب، تؤكد في إجابتها على أحد الأسئلة على أن البحرين بدايتها ومفرختها الحقيقية وتقول «من الإجحاف أن نصف البحرين بأنها بيئة طاردة للإبداع أو المبدعين، لن أنسى أنني بدأت هنا وأن خطوتي الأولى في البحرين كانت السبيل إلى الانتقال إلى قناة دبي الفضائية وتحقيق ما كنت أحلم به، يمكننا أن نقول بشكل عام إن الفرص هي القليلة ليس في البحرين فقط ولكن في غالبية دول الخليج العربي، ولذلك فإن وجود بيئة عربية أو شبه عالمية في دبي وفضائياتها يخلق مساحة وفرصاً نادرة تفتح آفاقاً واسعة للبعض من المنطقة».

تدرك بروين أن الإمارات العربية المتحدة ودبي تحديداً منحتها الكثير على مدى السنوات العشر الماضية مادياً ومعنوياً، لذلك تؤكد على حبها وتقديرها لهذه البلد ولا تستهجن انتمائها لها، تقول: «لا أضيق على الإطلاق إن صنفت على أنني إعلامية من الإمارات في بعض المؤتمرات الدولية، أشعر بأن الوقت الذي قضيته في هذه البلد والتقدير الذي أكنه لها علاوة على المكانة التي منحتني إياها يجعلني أنتمي إليها بشكل ما، كل هذا لا يتناقض بالضرورة مع ما أكنه للبحرين وهي أرضي التي تربيت عليها من محبة مرتبطة بالجذور والبدايات، فهنا أهلي وموطن طفولتي وهو أمر لا يمكنني أن أنساه».


لا شيء يبهر

في البحرين كانت بداياتها الإذاعية الأولى التي رفضت على إثرها الاستمرار في سلك التعليم كمدرسة للغة العربية، وفضلت التحليق في سماء الإعلام الوعرة الطرقات. لم يمنعها كل ذلك عن الاستمرار في دراساتها العليا حتى نالت درجة الدكتوراه في الأدب العربي. وجاءت تجربة برنامجها الثقافي على قناة دبي الفضائية لتبلور من خلاله كل ما عشقته، فصارت تلتقي وتتحاور مع رموز وأقلام سهرت الليالي لتقرأهم، لكنها بعد عشر سنوات من ذلك كله تبدو متوازنة للغاية في توصيفها لكثير منهم وانطباعاتها عن شخصياتهم. عن ذلك تقول: «في الحقيقة لم يعد يبهرني الآن شيء، فقد شاهدت كثيراً وتحدثت مع الكثيرين، وكثير مما يجري في كواليس برنامجي كشف لي رموز كثيرين بشخصياتهم الحقيقية من لحم ودم وليس على ورق. لذلك بدأ تصنيفي للأدباء والمفكرين يتخذ منحى مختلفاً تماماً عما كان عليه في مرحلة سابقة، تجاوزت مثلاً مرحلة نزار قباني وأحلام مستغانمي إلى اكتشاف شخصيات وأقلام أكثر عمقاً أدبياً وفكرياً، كما بهرت بشخصيات جميلة في الواقع أجمل مما هي على الورق».


دانتيلا

بروين حبيب الأنثى التي طالما أحجمت أنوثتها خلف أسوار بدلات رسمية لقراءة الأخبار وتقديم اللقاءات التلفزيونية، تمردت على قيودها وتصالحت مع تلك الأنثى في داخلها، فصارت في تحليقها جميلة ومتألقة. وعندما تقرأ كتابها «دانتيلا... أقل من الصحراء» ستقرأ رحلتها تلك بأسلوب شعري قصصي جميل الطلة رشيق الكلمات واثقاً وأصيلاً وملهماً كبروين حبيب.

العدد 3023 - الأربعاء 15 ديسمبر 2010م الموافق 09 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً