تماماً كما نتابع المسلسلات المصرية في شهر رمضان المبارك عبر المحطات الفضائية، أصبحنا نتابع مسلسل الأزمات المصرية، فمن جديد، وفي أقل من عام واحد فقط، اندلعت أزمة نقص أنابيب البوتاغاز في مصر، وبدأت تختفي من أسواق بعض المحافظات، وارتفعت أسعارها، في السوق السوداء، لتصل إلى 20 جنيهاً. وحاول بعض المسئولين إلقاء اللائمة على «خوف المواطنين من تطبيق نظام توزيع الأسطوانات بالكوبونات بداية العام 2011 علي الرغم من تأكيد مجلس الوزراء على تأجيل تنفيذ النظام الجديد لمزيد من الدراسات المتأنية».
ليست هذه الأزمة الوحيدة التي انفجرت مؤخراً في مصر، فقد سبقتها تجمعات الاحتجاجات في منطقة أبو سليمان وعزبة البحر بالعوايد بمحافظة الإسكندرية، التي عبر فيها الأهالي عن معاناتهم بشدة «نتيجة غرق الدور الأرضي لمعظم المنازل، وإتلاف الأجهزة الكهربائية الخاصة بهم والتي لم يتمكنوا من انتشالها من فيضان المياه التي غمرت المكان، وقام الأهالي بقطع الطريق الجديد بعد أن اتصلوا كثيراً بأجهزة المحافظة لانتشالهم دون جدوى في ظل انشغالها بكارثة مصنع الملابس المنهار بالحضرة».
وقبل هذه وتلك، كان قيام بعض تجار الحديد والإسمنت في مصر برفع «الأسعار بنسبة كبيرة تجاوزت الـ 100 جنيه للطن الواحد، نتيجة لإضراب أصحاب المقطورات عن العمل لليوم الثاني على التوالي احتجاجاً على عدم استجابة الحكومة لمطالبهم، مما أثر على حركة التجارة وخصوصاً تجارة الإسمنت».
ومعها جميعاً كانت أيضاً أزمة الخضروات نتيجة موجة الصقيع التي اجتاحت بعض المناطق الزراعية وأدت إلى تراجع كبير في «معدلات إنتاج محاصيل الخضروات والفاكهة بنسبة 50 في المئة، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها بدرجة كبيرة، بعد أن وصل سعر قفص الطماطم زنة الـ 18 كيلو، إلى 35 جنيهاً سعر الجملة، ليباع كيلو الطماطم للمستهلك، بأسعار تتراوح بين 3 إلى 3,5 جنيهات للكيلو، وارتفعت أسعار الكوسة لتصل إلى 3,5 جنيهات للكيلو، في حين سجل الخيار أعلى مستوى له من فترة كبيرة ليصل إلى 4 جنيهات للكيلو».
مسلسل الأزمات المتتالية هذه، يعبر في جوهره، عن أزمة يعاني منها ذلك الاقتصاد، وهو أمر أشارت إليه الكثير من الدراسات الدولية، واعترفت به أخرى محلية. لاتخفي أسباب الأزمة وأعراضها، محاولات الدولة الاستنجاد ببعض الأرقام الشكلية، مثل التباهي باقتراب معدلات النمو السنوية من 7 في المئة، قدر النظر عن مدى صحة هذا الادعاء، او التباهي بازدياد تدفق رأس المال الاستثماري الخارجي، التي تقدره المصادر الرسمية بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً.
فنظرة متأنية وموضوعية للاقتصاد المصري تكشف عن أزمات مزمنة وبنيوية سلطت الضوء عليها دراسات مثل تلك التي قام بها «مركز الأرض»، وكشف فيها عن العلاقة بين الأزمة الاقتصادية العالمية، وأزمة الاقتصاد المصري.
ويعتبر التقرير أن ما ألم بالاقتصاد المصري من أزمات إنما هو نتيجة منطقية لتبني «النظام المصري لسياسة الخصخصة واقتصاد السوق الحر على حسب توصية صندوق النقد والبنك الدوليين، وما نتج عن تلك السياسيات من تدمير للقطاع العام المصري، وتأثيرات ذلك على القطاع العريض من الشعب المصري من تزايد معدلات الإفقار وتردي الأوضاع المعيشية وانخفاض الدخل بالإضافة الى القوانين المجحفة التي تطبقها الحكومة المصرية لتمرير مشاريعها من اجل الخصخصة».
ولعل من بين أفضل من شخص الأزمة الحالية المحدقة بالاقتصاد المصري اليوم، عضو حزب الجبهة (مصر) سلوى سليمان، التي أكدت، في إحدى الندوات العامة التي عقدتها الأحزاب المعارضة لمناقشة الأزمة إلى أن « الاقتصاد المصري يواجه حالياً وضعاً حرجاً حكومة وشعباً وأنّ قضيته تفرض نفسها علينا فليس من المفترض أن نطرح من هو المتهم ومن هو المجني عليه، فكلنا مسئولون عنه، ويجب أن يتحرك كلنا نحو هذا الواجب، (مضيفة) بأننا لا نملك اليوم مخارج لهذه القضية وكل ما نملكه هو آليات للخروج من هذه الأزمة». وأشارت سلوى إلى قضية مهمة، ربما تفسر الكثير من أسباب مسلسل الأزمات التي أشرنا لها أعلاه، وهو الارتفاع في معدلات التضخم الذي «بلغ في إجمالي الجمهورية 11.5 في المئة في يناير 2008، وارتفع في 15.8 في مارس نفس العام وصاحبه 38 في المئة ارتفاع في السلع الغذائية».
ويرى المحلل المالي أحمد إسماعيل، ان مصر، من الناحية الاقتصادية، «تعاني من خلل كبير في سياسات المالية العامة وتتحمل فاتورة دعم كبيرة تثقل موازنتها، وتضعها دائماً في الكفة السالبة، تتعدد الأسباب والنظريات ولكن النتيجة معروفة، هو تهديد آخر (الاقتراض من الخارج والداخل)، فديون مصر الخارجية بلغت نحو 23 في المئة من إجمالي الناتج القومي المحلي، بينما تخطت ديون مصر الداخلية نسبة 100 في المئة من الناتج القومي المحلي، وقد اتجهت الحكومة في العام 2009 بقوة لتمويل عجز الموازنة من البنوك المحلية وهو ماضغط على السيولة المتوافرة للقطاع الخاص».
مظاهر الأزمة هذه لا ينبغي أن تقودنا إلى نتيجة مفادها عدم جدوى محاولات انتشال هذا الاقتصاد مما هو فيه، فهناك الكثير من العناصر الإيجابية في ذلك الاقتصاد التي، لو أحسنت إدارتها على نحو صحيح، ربما تقود إلى وضع الاقتصاد المصري في المكانة التي تستحقها مصر، فقد جاء في تقرير البنك الدولي الصادر في يوليو/ تموز 2009، أن «الاقتصاد المصري جاء في المركز 42 من إجمالي 192 دولة على مستوى العالم من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي المحقق في العام 2009 والذي بلغ 1888.3 مليار دولار محققاً المركز الثالث على مستوى العالم العربي بعد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة».
ويذهب في الاتجاه ذاته، بشأن مظاهر الصحة في الاقتصاد المصري التقرير الصادر عن مؤسسة «أكسفورد بزنس غروب»، الذي يرى إمكانية نجاح الدولة في «جذب المستثمرين الأجانب من خلال تطوير مناطق صناعية جديدة».
كما رأينا، وكما تكشف الدراسات، تقف مصر اليوم أمام مفترق طرق، فمن جهة تمتلك مصر كل مقومات النمو والتطور الاقتصادي التي تشدها نحو الأمام، لكن وبالقدر ذاته، يعاني الاقتصاد المصري من أمراض بنيوية تنفجر بين الحين والآخر في شكل أزمات ليست أزمة الغاز سوى واحدة منها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3021 - الإثنين 13 ديسمبر 2010م الموافق 07 محرم 1432هـ
قد يكون لتلك الأزمات بالغ الأثر ... و لكن؟!!!
من أهمّ ركائز الإقتصاد المصري هي "المعونات الخارجية"!!
و ما دامت الحكومة المصرية قد آلت على نفسها أن تبقى قيد "الترهيب" و "الترغيب" الأميركي, فهي لن تفلح إذاً أبدا.
مع خالص المودة أستاذي الكريم
اقتصاد خايب اصلا
نعم الاقتصاد المصري خايب بكل ماتعني الكلمة من معنى اولا المصريين لا يملكون الارادة ولا الكفاءات البشرية المتخصصة لأنتشال اقتصادهم وقوانينهم المتضاربة في بعضها البعض هي اساس المشكلة المزمنة عندهم بسبب الفساد الاداري الموجود في مصر . قال تعالى ( ان الله لا غير ما بقوما حتى يغيروا ما بي انفسهم ) هذه الاية الكريمة خير دليل لو ارادوا التغير وسلك سكة اقتصاد الصحيح لا بالكلام ولا الشعارات !!! ابعدوا عن الفساد تنجحون ثما لا ترون اي مصريين خارج بلدهم