العدد 3021 - الإثنين 13 ديسمبر 2010م الموافق 07 محرم 1432هـ

نحو إدارة استراتيجية للعلاقات الألمانية الخليجية (2 - 2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

في هذا الإطار كله ينبغي أن ننظر للعلاقات الخليجية الألمانية، فقد استطاعت ألمانيا أن تقوم من كبوتها وهزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وأن تحقق نهضة اقتصادية كانت بمثابة المعجزة الألمانية قبل غيرها من المعجزات البشرية اللاحقة في عدة دول آسيوية، كما استطاعت أن تحقق وحدتها بتضحيات شعبها وأن تهزم الانفصال الذي فرض عليها من خلال حلفاء الحرب العالمية الثانية، وأقامت حائط برلين الذي دمرته إرادة الشعب الألماني بعد ذلك العام 1989، وأصبح مجرد مزار سياحي. هذا التغير في الحالة الألمانية جاء محصلة خمسة عوامل في مقدمتها:

الأول: إرادة الشعب الألماني في إعادة صوغ حياته على أسس جديدة وهي بناء القوة الاقتصادية والقوة التكنولوجية والقوة الصناعية، فأصبحت التكنولوجيا الألمانية مضرب المثل، وجودة الصناعة الألمانية يتحدث عنها الجميع، وتطور الابتكارات والاختراعات هي أداة ذلك كله.

الثاني: تقديم التضحيات لبناء الدولة بشطريها، وقد تحمل شعب ألمانيا الغربية السابقة تضحيات جسام، ودفع المليارات من المارك الألماني أو اليورو لمصلحة شعب ألمانيا الشرقية سابقاً.

الثالث: إعلاء مبدأ المساواة بين الشعب الألماني، ولهذا جاءت الانتخابات الديمقراطية بالمستشارة انغيلا ميركل من ألمانيا الشرقية (السابقة) لتصبح مستشارة لألمانيا الموحدة.

الرابع: مبادرة ألمانيا مع فرنسا في الدفع بالوحدة الأوروبية قدماً نحو الأمام من جماعة الصلب والفحم، إلى المجموعة الأوروبية، إلى الاتحاد الأوروبي، وإنشاء المفوضية الأوروبية لتعبر عن نقلة نوعية في التوجه الوحدوي، وإيجاد تأشيرة أوروبية موحدة هي تأشيرة شنجن التي ضمت عدة دول أوروبية، وإيجاد عملة موحدة هي اليورو لكي تنضم لها دول أوروبية بإرادتها.

وهكذا ابتكرت ألمانيا وفرنسا كرائدتين من رواد الوحدة الأوروبية ما أصبح يطلق عليه سياسة السرعات المختلفة أو الأطر المختلفة للوحدة الأوروبية.

الخامس: تأكيد مبدأ التضامن الأوروبي بالمسارعة بإغاثة الدول التي تواجه حالة كارثية، كما حدث مع خطة إنقاذ اليونان لحدوث عجز مالي ضخم هدد كيان الدولة، ومن ثم كيان الاتحاد الأوروبي، وابداء نفس الاستعداد لمساعدة ايرلندا وهو الأمر الذي في طريقه للحدوث، كذلك مساعدة البرتغال وربما إسبانيا وغيرها إذا لزم الأمر. ولاشك أن هذا الموقف الأوروبي بقيادة ألمانيا هو تطبيق عملي لمفهوم التضامن الذي دعا إليه الإسلام، وإن كانت الدول الإسلامية لا تقوم بتفعيله بطريقة ذات صدقية بل في حده الأدنى وعند الضرورة القصوى.

ولقد دخل الاتحاد الأوروبي في علاقات وثيقة مع مجلس التعاون الخليجي من خلال أطر ثلاثة هي:

الأول: التفاوض من أجل التوصل لاتفاقية تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، ورغم استمرار المفاوضات لأكثر من عشر سنوات فإن بعض العقبات مازالت قائمة.

الثاني: تطوير علاقات ثنائية بين كل دولة خليجية وكل دولة أوروبية.

الثالث: التشاور والتنسيق في القضايا الدولية السياسية والاقتصادية بل والقضايا الأمنية.

هذه الأطر الثلاثة سعت لتحقيق هدف مشترك وهو بناء علاقات وثيقة لتحقيق المصالح المشتركة في ضوء المتغيرات والمستجدات في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين.

وفي ضوء التجربة الأوروبية المرنة والتجربة الخليجية المرنة أيضاً، فإن ما لا يدرك كله لا يترك جله، فالدول الأوروبية السبع والعشرين لا تسير في حركتها الوحدوية بوتيرة واحدة، فهناك الاتحاد الأوروبي، وهناك دول الشنجن، وهناك دول العملة الموحدة. وفي تجربة مجلس التعاون الخليجي هناك دول المجلس ككل، وهناك أربع دول تتعاون مع الناتو في إطار مبادرة اسطنبول، وهناك أربع دول اتفقت على العملة الخليجية الموحدة، ودول لاتزال تفكر أو ترى التأجيل في الانضمام، ومن هنا فإن العمل المشترك هو حصيلة تفاعل مشترك لبعض الأطراف، ومن لا ينضم الآن يمكن أن ينضم لاحقاً، ولعلني أشير إلى أن تجربة الآسيان تسير في نمط تعاوني مشابه، وعلى حد تعبير أحد دبلوماسييها أن ثمة اتفاقاً عملياً بين تلك الدول على السير في نمط تعاوني بأي عدد منهم تحت مقولة «الآسيان الست ناقص دولة ما أو اكثر» وهي مقولة لها رنين خاص باللغة الإنجليزية «Six Minus X»، وبنفس النمط الفكري والعملي التطبيقي يمكن تقوية العلاقات بين الاتحاد الأوروبي كمجموعة ودولة خليجية معينة أو بين مجلس التعاون الخليجي ودولة أوروبية معينة، وفقاً لما يتفق عليه أي من الأطراف فيما بينهم.

هذا النمط من المرونة كفيل بإزالة العقبات والمعوقات ذلك لأن حركة التاريخ وبناء العلاقات بل والتطور الدولي لا يسير بوتيرة واحدة في كافة مناطق العالم، ومن ثم فإن سياسة السرعات المتفاوتة تعد الطريق الأسهل والأفضل في بناء علاقات الدول وتطويرها ويلحق الآخرون بالسابقين في اللحظة التي يرونها مناسبة.

من هنا يمكننا النظر للدور الألماني مع دول الخليج العربية، ويمكننا من نفس المنطلق ولنفس الاعتبارات النظر للاجتماع الذي عقد في مدينة شتوتجارت الألمانية خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2010 وشارك فيه رجال أعمال من عدد من الدول الخليجية بحثاً عن القواسم المشتركة، والتي هي كثيرة، وبحثاً عن التوافق في الخطوات وهي ممكنة، ولكن مبدأ الإجماع الخليجي أو الإجماع الأوروبي لن يسهل الحركة، وقد يؤدي لجمودها، ومن ثم فإن مبدأ الأغلبية ربما يكون هو المبدأ الأفضل للدفع بالعلاقات الأوروبية الخليجية قدماً نحو الأمام، ولتكن العلاقات الألمانية الخليجية هي ركيزة هذه العملية التطورية، أو هي بمثابة القوة الرافعة لهذه العلاقات الأوروبية الخليجية، وهذا ما نراه من وجهة نظر البحث العلمي للفكر الاستراتيجي في بناء علاقات الأمم والشعوب والدول فيما بينها، وعودة على بدء، وهي أن الله خلقنا مختلفين لكي نتعارف ونتعاون، وأن الإجماع الكامل غاية يصعب إدراكها، وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم بقوله «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم، وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين» سورة هود الآية 118- 119.

وعودة على بدء مجدداً نقول إن ركائز العلاقات الألمانية الخليجية ربما تبدأ من إزالة سوء الفهم واللبس تجاه الإسلام والمسلمين أي الجانب الثقافي، وهذا لا يعني الاتفاق التام، وإنما يعني التركيز على القواسم والقيم المشتركة، وتنحية الخلافات جانباً، ثم الانتقال للتعاون الاقتصادي والتجاري ثم التعاون العلمي والتكنولوجي، وهذه مجالات حققت فيها ألمانيا ريادة واضحة ومعروفة، والدول الخليجية في حاجة ماسة للاستفادة من هذا التقدم العلمي لتعزيز بنيتها الأساسية وبناء قدرات مواردها البشرية، وتوطين التكنولوجيا، ونقل المهارات والخبرات لمصلحة الطرفين. فالسياسة هي فن إدارة المصالح المشتركة من خلال البحث عن القواسم المشتركة.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3021 - الإثنين 13 ديسمبر 2010م الموافق 07 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً