العدد 3020 - الأحد 12 ديسمبر 2010م الموافق 06 محرم 1432هـ

نحو إدارة استراتيجية للعلاقات الألمانية الخليجية (1 - 2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

تعيش دول الخليج العربي مرحلة من أزهى عصورها التاريخية لتوافر ثلاثة مقومات أساسية حققت هذا الازدهار.

الأول: توافر الموارد الطبيعية وبخاصة النفط والغاز الطبيعي.

الثاني: توافر الرغبة في التغيير والتطوير للبنية الأساسية في منطقة الخليج.

الثالث: توافر التقدم التكنولوجي العالمي بما يجعل نتاج هذا التقدم رهن إشارة من يستطيع دفع الثمن للدول المتقدمة مالكة التكنولوجيا.

هذه العناصر الثلاثة أدت إلى تغير منطقة الخليج العربي من منطقة طاردة للاستثمارات والمواهب إلى منطقة جاذبة للاستثمارات والمواهب والأفراد. كما أدى التغير إلى تراجع حالة التخلف لمصلحة التقدم، وحالة الجمود لمصلحة الحركة والتغيير في مختلف القطاعات.

ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين وقعت ثلاثة تطورات مستجدة:

الأول: ما عرف بالحرب ضد الإرهاب نتيجة العمليات الإرهابية التي وجهت للولايات المتحدة في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وما أدت إليه من حرب عالمية ضد الإرهاب.

الثاني: إن الحرب ضد الإرهاب تحولت إلى تأثيرات مشوهة فأصبحت حرباً ضد الإسلام من حيث المضمون الفعلي لهذه الحرب، ومن ثم تشوهت صورة الإسلام الحقيقي القائم على السماحة والاعتدال والعقلانية والعلم. وحلت محلها صورة الإسلام الإرهابي القائم على الجهل والخرافات وعلى كراهية الأآر والتطرف والتعصب.

الثالث: إن الحرب ضد الإرهاب تحولت إلى حرب ضد الدول الإسلامية فتم غزو أفغانستان ثم غزو العراق واحتلالهما والتوجه لتقسيم السودان وتحول الصومال إلى حالة من الفوضى ثم الاضطرابات في اليمن ولبنان.

وينبغي أن نلاحظ أن تقسيم بعض الأوطان أو انفصال أقاليمها تم في أساسه في دول إسلامية من إندونيسيا بانفصال تيمور الشرقية، إلى الفوضى في الصومال إلى التهديد بالتقسيم الوشيك في السودان، وربما العراق وغيرها. ولكن لم يحدث ذلك في أية دولة غير إسلامية مهما كانت تعاني من مشاكل، ومهما كانت حالة ووضع الأقليات لديها، ولعل حالة مثل قبرص حيث التقسيم الفعلي، وعدم الاعتراف الدولي به، وحالة كشمير حيث التقسيم الفعلي أيضاً رغم كل القرارات الدولية وتحفظات دول عديدة كل هذا نظراً لقوة الدولة المركزية والمحورية أو ارتباط وضع دولة ما بتكتل دولي غير إسلامي كما في حالة الاتحاد الأوروبي.

وبالنسبة للمظاهر الثلاثة في الحرب على الإرهاب وتداعياتها فإنه ينبغي أن تكون لدينا شجاعة الاعتراف بأنه لا يمكن أن نوجه اللوم إلى أحد، فالفاعل الحقيقي مجهول، والفاعل الرسمي أو الشكلي عنوانه معلوم، وهو اسمه القاعدة التي تحولت إلى عملاق بعد أن انتهى عصر الحرب الباردة والانقسام بين الكتلتين ليحل محله الانقسام بين المؤمنين والكفار، أو بين أصحاب الحضارة والمدنية المعاصرة وبين العناصر الجاهلة الحاقدة الساعية لتدمير الحضارة.

وهكذا جاء المفكرون والباحثون والسياسيون من بعض دول الغرب، ومن بعض الدول الإسلامية في تواطؤ متفق عليه أو غير متفق عليه ضد الإسلام وضد المدنية والحضارة. وروج مفكرون وسياسيون ورجال دين من الطرفين لدعاوى التطرف. وهكذا راجت تجارة الدين والفكر المتطرف، كما راجت تجارة السلاح، وأصبح الضحايا من الطرفين، ولكن أغلبهم من الدول الإسلامية، واستطاعت أجهزة الإعلام الحديث ونشر الأنباء المثيرة في لمح البصر من أقصى العالم إلى أقصاه، وهكذا تم تعبئة الجميع، ضد الجميع ووقع الصدام وسوء الفهم.

ونسي الجميع الحقائق الأساسية في هذا الكون والتي في مقدمتها ما يلي:

1 - إن الله خلق هذا الكون لكي يتم تطويره وإعماره وتحويله إلى جنات من الزرع والإنتاج لإكرام الإنسان ومصلحته. «ولقد كرمنا بني أدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً». (سورة الإسراء الآية 70).

2 - إن الله خلق آدم ليكون خليفته في الأرض وعلمه الأسماء كلها أي الصنائع. «وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون» (سورة البقرة الآية 30).

3 - إن الله طالب الجميع بمراعاة خمسة أمور:

الأول: ضرورة التحري والتدقيق ضد الوشايات «إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا» (سورة الحجرات الآية 6).

الثاني: إن الهدف العملي أو الأداة العملية لإعمار الكون هي التعاون والتعارف. «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم» (سورة الحجرات آية 13).

الثالث: إن الاختلاف بين البشر في الألوان واللغات والثقافات والأعراق هو عملية شكلية لأن الجميع خلق من نفس واحدة. «ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين» (سورة الروم الآية 22).

الرابع: إن أسلوب التعامل بين البشر والشعوب هو الحوار «وجادلهم بالتي هي أحسن» (سورة النحل آية 125).

الخامس: انصراف الإنسان للعمل المجدي البناء بدلاً من الجلوس في مراقبة الآخرين وإنجازاتهم وفضل الله عليهم، والعيش في حقد وحسد ضدهم. وحقاً قال الشاعر الصوفي مخاطباً الحاقدين والحاسدين «أتدري على من أساءت الأدب، أساءت لله في حكمة، إذ لم ترض لي ما وهب» فالحاقد من بني آدم يموت غيظاً وغلاً مما يراه من نعمة الله على الآخرين، والحقد هو أول جريمة تعرض لها الإنسان، وقتل أحد أبناء آدم أخيه، كما ورد في القرآن الكريم «واتلُ عليهم نبأ ابني آدم بالحقّ إذ قرّبا قُربانًا فتُقُبّل من أحدهما ولم يُتقبّل من الآخر قال لأقتُلنّك قال إنّما يتقبّلُ اللّهُ من المُتّقين» سورة المائدة الآية 27، حتى فبعث الله غراباً ليريه كيف يوارى سوءة أخيه «فبعث اللّهُ غُرابًا يبحثُ في الأرض ليُريهُ كيف يُواري سوأة أخيه قال يا ويلتا أعجزتُ أن أكُون مثل هذا الغُراب فأُواري سوأة أخي فأصبح من النّادمين» (سورة المائدة الآية 30).

4 - إن الحضارات هي مسيرة تطورية وتراكمية وإن الشعوب ترتقي على حضارة من سبقوها، وتسلم مشعل الحضارة إلى الدول والشعوب التي تليها، وإن ركيزة التطور هي العلوم والمعرفة والتكنولوجيا.

5 - إن الابتكار والإبداع العلمي والتكنولوجي، هو الدعوة الأولى للبشر في هذا الكون من خلال الدعوة «للتفكر في الكون، في السماء والأرض، في الزروع في كيفية خلق البشر، وكيف خلق وتطور من نطفة ثم مراحل متتالية حتى صار إنساناً كاملاً أو في الأرض ومحتوياتها الطبيعية، وتركيبها الجيولوجي، والسماء وما فيها من كواكب ونجوم ومدارات لهذه الكواكب. وهناك العشرات من الآيات الدالة على ذلك ومنها «إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين» (سورة الجاثية الآية 3)، «وفى الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون» (سورة الذاريات الآية 20-21). «أفلا ينظُرُون إلى الإبل كيف خُلقت، وإلى السّماء كيف رُفعت، وإلى الجبال نُصبت وإلى الأرض كيف سُطحت» (سورة الغاشية الآية 17-20).

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3020 - الأحد 12 ديسمبر 2010م الموافق 06 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً