أطلقت وزارة الثقافة والإعلام، خلال حفل الاستقبال الذي نظمته في متحف البحرين الوطني بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة «المبادرة البحرينية للإعلام المدني»، ولكن هناك من تساءل، ما هو الإعلام المدني الذي تقصده الوزارة؟
المصطلح جديد على الساحة الإعلامية، فلا يوجد إعلام مدني أو إعلام متخلف، ولا يوجد إعلام مدني أو إعلام ريفي، كما لا يوجد إعلام مدني أو إعلام عسكري، الإعلام، إعلام متطور بوسائله وتكنولوجيته.
ما وجدته أن «المبادرة البحرينية للإعلام المدني»، هي مبادرة مستنسخة من تجربة لبنانية تحمل الاسم نفسه وهي «المبادرة اللبنانية للإعلام المدني» وهذه المبادرة عبارة عن جمعية أهلية غير ربحية، تعتبر أن الثقافة الإعلامية مكوِّن فاعل من مكوّنات المجتمع المدني.
وتهدف هذه الجمعية إلى تعديل سلوك الإعلام اللبناني، ليكون ذا مسئولية وإحساس نقدي خلقي، وذلك عبر لعب دور رقابي في رصد الإعلام ودراسته وتقييمه بناء على بنود حقوق الإنسان والتشريعات الدولية والمواثيق الأخلاقية.
ما جاءت به الجمعية اللبنانية والمبادرة البحرينية ممثلة بوزارة الإعلام ليس إعلاما جديدا، أو نمطا من الإعلام يختلف عن ذلك الإعلام القديم جدا رغم اختلاف الأشكال، إلا أنها كانت تؤدي الوظيفة والمهنة نفسهما؛ أي نشر المعلومات والحقائق التي تهم الناس.
ففي زمن البابليين استخدموا كاتبا لتسجيل أهم الأحداث اليومية ليتعرف الناس إليها، وهكذا تطور الإعلام إلى أن أمكن الحديث عن الصحف بمعناها الحقيقي وكان ذلك في مطلع القرن السادس عشر، ومع ذلك بقي الإعلام هو الإعلام منذ آلاف السنين حتى الآن، على الرغم من انتشار الفضائيات والمواقع الإلكترونية.
عندما نتحدث عن ضبط وسائل الإعلام وعدم انحرافها، فهذا الموضوع ليس بجديد؛ فمختلف العصور السابقة واللاحقة شهدت وستشهد انفلاتا في بعض وسائل الإعلام نتيجة تأثرها بأيديولوجية معيّنة، فوُجد ما عُرف بالصحافة الصفراء على سبيل المثال، كما وُجدت النظرية الاشتراكية والنظرية الليبرالية في الإعلام.
ما تريد أن ترسخ له مبادرة الإعلام المدني بحد وصفها «الإعلام المسئول» فهذا أيضا ليس جديدا، فيوجد في نظريات الإعلام إعلام المسئولية الاجتماعية، وذلك بعد أن جرب العالم مساوئ النظرية الاشتراكية ومن ثم النظرية الليبرالية، وربما هناك من المشتغلين بالإعلام لا يعلمون بوجود هذه النظرية فمن الطبيعي أن يتجهوا إلى خلق مسميات جديدة كالإعلام المدني وغيرها اعتقادا منهم أنهم استحدثوا الجديد.
البعض يذهب إلى أن هذه المبادرة تأتي من أجل إيجاد أخلاقيات للمهنة، إلا أن أخلاقيات العمل الإعلامي وُجدت منذ عصر سقراط (399-469 ق.م) وعُرفت بـ «الفلتر الثلاثي لسقراط» (الصدق، الطيبة أو الخير، الفائدة)، وبالتالي ما تريد أن تطرح «المبادرة البحرينية للإعلام المدني» من أخلاقيات جديدة، فإنها وُجدت قبل 2500 عام يا وزارة الإعلام!
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 2437 - الجمعة 08 مايو 2009م الموافق 13 جمادى الأولى 1430هـ