العدد 3018 - الجمعة 10 ديسمبر 2010م الموافق 04 محرم 1432هـ

رجاءٌ من القلب إلى عرب الوسط بالعراق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سيُخطئ «جزء» من العرب السُّنّة في العراق إنْ هُم بَشَّروا بخطأ «الجزء» الشيعي سابقاً. فيدرالية الوسط هذه المرَّة. مِن قبل نادى آحاد من الشيعة وفي طليعتهم المجلس الأعلى (آل الحكيم) بفيدرالية للجنوب وعَضُّوا عليها بالنواجذ. قلنا حينها بأن هذه الدعوة هي وِزرٌ عظيم يجب تفاديه، لأنها ستفضي إلى إقليم يَسهُل التلاعب فيه وعليه وبداخله حتى.

ونادى أغلبية من الكُرْد باستقلال الشمال حيث مَهَاجِعُ النفط وفوهاته، ومُحاذِيات الجغرافيا مع الشرق (إيران) والغرب (تركيا). وقلنا حينها ذات الأمر. فلا دواعي الخوف من حكومة المركز القوية هي حاضِرة كما كان إبّان عهد البعث وحُكم صدام حسين، ولا ظروف الخواصر القومية للأكراد في الجوار (إيران، تركيا وسورية) بقادرة على استيعاب هكذا أمر إن حصل.

اليوم سيُقال للعرب السُّنة في الوسط ذات الأمر إن هُم كرّروا نفس الدعوة. بل إن قولاً غليظاً سيسمعوه أكثر مما سمعه غيرهم لا لخوف على فدرلة الدولة العراقية فقط، وإنما خوفاً على نفوس ملايين العراقيين من سُكَّان الوسط يسكنون الأنبار، وصلاح الدين، وديالى، والذين سيضيع مستقبلهم الصلب وسط ميزان قوى مجهول، وأرضٍ جرداء قاحلة مُحاصَرة تَغمرها رمال صفراء، في الوقت الذي سيتنعّم فيه إقليم الجنوب بخيرات النفط والمعادن وبعنقٍ مائي نحو الخليج، وإقليم الشمال بخيرات الذهب الأسود وتوابعه وبالجغرافيا المزدوجة إن هُم فكروا بالانفصال.

قبل أيام لَوَّح بعض من قيادات العرب السنة في العراق بصحّة خيار الفيدرالية لهم في حال لم تتحقق المشاركة الفعلية في الحكومة. الشيخ أحمد ذياب الجبوري إمام مسجد عبدالرحمن بمحافظة ديالى قال «طالبنا بالمشاركة في الانتخابات، لكننا اليوم ندعو إلى إقامة منطقة خاصة بنا نحن أبناء الوسط لأننا لم نحصل على شيء من الحكومة سوى الاعتقالات والمداهمات، يقولون لنا أينما ذهبنا أنتم إرهابيون ونريد أن نكفي العراقيين خيرنا وشرنا بإقامة إقليم خاص بنا» (راجع تقرير وكالة الأنباء الفرنسية بتاريخ 5 ديسمبر/ كانون الأول الجاري).

الشيخ علي الكروي، وهو من أعيان ديالى أيضاً قال «نؤيد الأقاليم إذا كانت تحقق مصالح الشعب، فمحافظات الوسط لم تحصل إلاّ على العنف وقلّة الخدمات فلماذا يتقدم الأكراد ويأخذون ثروات العراق؟ فهل الديمقراطية تعني أن تتنازل الكتلة الفائزة عن حقها الانتخابي؟ هل أصبح الأكراد والشيعة أفضل من السنة؟ بإمكاننا تشكيل إقليم خاص بنا وإدارة أمورنا بأنفسنا ولسنا بحاجة إلى أحد». وهو أيضاً رأي طلال حسين المطر زعيم عشائر البو أسود.

هنا نتساءل: هل يَعِي هؤلاء السّادة الأعزاء على قلوبنا ما يقولونه؟! فإن كانوا لا يُدركون فلا مجال لهم سوى أن يُدركوا حقيقة ما يقولون أولاً. وإن كانوا مُدركين فمعنى ذلك أنهم أصحاب مشروع «انتحار جماعي». فعندما نادَى الحكيم بفيدرالية جنوبية تستوعب تسع محافظات كانت عينه على أن يقود كتلة بشرية قوامها عشرون مليون إنسان، وأرض زاخرة بالثروات الطبيعية من نفط وغاز ويورانيوم وثروة زراعية من حبوب وفواكه وآثار ضاربة في التاريخ السومري والأكدي حيث أريدو وأور بمحافظة ذي قار والوركاء بمحافظة المثنى، وبجوار إيراني (ممتد) هو في الأصل حليف عقائدي وسياسي واقتصادي وثقافي وثيق الصلة به.

وعندما نادَى الأكراد بإقليم الشمال (محافظات دهوك، أربيل والسليمانية) فهم مُتمرّنون على هكذا حال منذ العام 1970 ولديهم ثروة نفطية هائلة فاعلة وناجزة، وتماس مع أهم اقتصاد إقليمي وهو تركيا، ونقطة عبور تجارية ما بين إيران وأوروبا (ممر إبراهيم الخليل بـ دهوك). وهم قبل ذلك مستأنسون بتناغم قومي، وتحقيق لحلم تاريخي يمتد إلى «كردستان الكبرى» وتسويق لهذه الأرض أمام أعين القوى العظمى بأسرها دون حصر.

لكن عندما يُنادي اليوم بعض الإخوة من العرب السُّنّة بالفدرلة فماذا يُمكن أن يستندوا إليه من استراتيجياً تقنع العالَم بمرامهم، فلا عروبتهم تختلف عن عروبة بقيّة العراقيين، ولا ثقافتهم ولا تاريخهم ولا مصالحهم ولا أهدافهم الوطنية لكي يُصرّوا على هذا الخيار. بل إن عروبتهم وأصالتهم لن تسمح لهم بأن يروا عراقهم وهو مُفكّك وضعيف (بسبب الفدرلة) يلعب به جواره القريب والبعيد.

ثم يا تُرى ماذا سيفعلون «بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ». إقليم لن يزيد عن أرض محصورة بين سلسلة جبال حمرين غرباً ومُحاذياً لكركوك وبين سامراء وصحراء الأنبار، تفصلها عن خيرات الشمال، نزاعات إثنية على أجزاء من ديالى (والتي هي جزء أصيل من الإقليم المُنادَى بتشكيله في الوسط) أصبح الأكراد يُهيمنون عليها فعلياً بتواجد قوات البيشمركة عليها.

ما هي الأنبار (باعتبارها نواة الإقليم المُفتَرَض)؟ محافظة تقع في غرب العراق، وهي الأكبر من بينها (138000 كم ونُفُوس تتجاوز المليون ونصف المليون نسمة) لكن سوادها الأعظم مُلْتَهَمٌ من الصحراء. فهي امتداد لهضبة شبه الجزيرة العربية، وذات سطح متموّج وبَطناً سهل لِهَبَّات التعرية، رغم تماس الفرات القاطع للهضبة الغربية. أما مناخها فيُحاكي أرضها. جو شبه صحراوي لا تزوره الأمطار إلاّ لِماماً، لذا فهي تعتمد كثيراً في إرواء زراعتها على الجانب السيحي والآبار والعيون.

حتى إذا قال البعض إنهم يأملون في ثروة حقل عكاز النفطي الضخم جنوب مدينة القائم في المنطقة الغربية للمحافظة، فعليهم أن يَعُوا أمراً مهماً يتعلق بحاضر هذه الآبار ومدى ضمان إنتاجيتها، وكذلك حسم قضايا التنقيب التي لازالت الحكومة المركزية في بغداد تتأرجح في مسألة إقراره على جهة مُحدّدة وكذلك حول مآل هذا الحقل بالنسبة لخزينة الدولة الاتحادية وحصة المحافظة الغربية منها، في الوقت الذي تنضح آبار الجنوب والشمال بثروة هائلة وحيوية ظاهرة، يتحكّم بها أناس هم في الأصل يقودون حكومة المركز...

قبل ذلك كلّه، لا يتصوّر أحد أن تكون عدم المشاركة في الحكم بالكيفية المأمولة (عبر القائمة العراقية) مدعاة لتقسيم البلد وفدرلته. فهو من جهة إضعاف للعراق «حتماً» وخوف على أقليات ببطون رخوة (شيعة، أزيديين، صابئة ومسيحيين) تهجع في قلب المحافظات الغربية، حالها كحال الأقليات في الجنوب (من السّنّة)، والقوميات الأخرى غير الكردية في الشمال. وقد تتغيّر ظروف العراق، لصالح أجزاء كبيرة من المُهمّشين. بل إن الأكيد أن كلفة الصّبر حتى مجيء هذا التغيّر هي أقل بكثير من كلفة خيار الفيدرالية.

أتمنى أن يعي الإخوة العرب من مناطق الوسط هذه المحاذير. وأن يُدركوا أن ذات الأسباب التي قِيْلت لمُفَدرلي الجنوب والشمال لكي يبور مسعاهم ستُقال لهم، وهي في النهاية أسباب أكثر من وجيهة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3018 - الجمعة 10 ديسمبر 2010م الموافق 04 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 1:53 م

      المشكلة وين؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      يا جماعة كل البلاوي صابت العراق من يوم تعاونت هالاحزاب ويا الامريكي وما في شيء غير هذا وشكرا للكاتب على صراحته وموضوعيته

    • زائر 6 | 1:50 م

      تسلم

      ما عندي غير شكر لك ولمقالاتك الرائعة استاذ محمد

    • زائر 5 | 9:15 ص

      تقسيم العراق

      السيد عبد العزيز الحكيم هو شخصية عامة وللناس الحق في محاسبته عما يقوله دون أن يشتمه أحد . في المحصلة فإن تقسيم العراق سواء نادى به الحكيم أم من هو أعلى منه مرفوض مرفوض

    • زائر 4 | 9:09 ص

      واظم صوتي

      ايضا انا يا اخ محمد ورايك راي صائب وسديد وهذا ما كنت اتخوف منه ، العراق موحد اقوى من المطالب الفدرالية الضيقة العراق مهد الحضارات واذا مرت سنين عجاف لاتقاس بعمر الزمن فهذا لايعني ان الفدرالية هي الحل ام بخصوص السيد الحكيم فنعم الرجل ونعم السيد ولكن ليس كل ما يقوله هو الصواب فنحن بشر نفكر حسب عقولنا المتواضعة وهذا لايعني ان كلام الاخ الكاتب تخوين للسيد او للاخوة الاكراد ، دعواتنا وامنياتنا لعراق قوي مستقل وما هذا الذي يجري في العراق الا سحابت صيف ستزول وسيندحر كل اعوان القاعدة والامريكان

    • زائر 3 | 7:45 ص

      شكرا لمنطقك الوطني الراقي

      الاخ محمد ، تحياتي أهديها اليك لما نلمسه من وطنية راقية ومنطق سليم في كتاباتك حول العراق العزيز بكل اهله الكرام . ان حرصك على وحدة العراق هي تعبير عن رؤيتك الوطنية واعلاء لمصلحة العراقيين جميعا وحرصك هذا مقدر لدى كل العقلاء المحبين للعراق من ابناء البحرين وانا منهم . اشكرك كثيرا على العقلانية والمنطق السليم الذي يحكم كتاباتك دوما. سلمت يداك ودام قلمك الوطني. انا اضم صوتي لصوتك المنادي بان ينأى ابناء الوسط عن الفدرلة لانها انتحار وطني فعلا . اخوك في الوطن - اخوك في البحرين

    • زائر 2 | 5:10 ص

      رحماك يا رب

      رحمك الله يا سيد عبد العزيز ...لطالما كنت هدفا
      لسهام ألسنتهم و طعنتاهم و زايدوا على وطنيتك وولاءك فقط لدفاعك عن أبناء الوسط و الجنوب المستضعفين والآن هم يطالبون بما رأوه منكرا
      لله دركم يا آل الحكيم

    • زائر 1 | 3:06 ص

      الله المستعان يا سنة العراق

      وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً

اقرأ ايضاً