العدد 3017 - الخميس 09 ديسمبر 2010م الموافق 03 محرم 1432هـ

الدعوة لإحياء القيم الإنسانية

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها»(سورة الشمس7-8)... هذه الآية الكريمة تحتوي الكثير من الأسرار الإلهية للنفس البشرية ومكنونها.

بداية لو نظرنا إلى ورقة شفافة جداً سنرى جزءاً من عالم النفس البشرية... لأنها عبارة عن عالم شفاف ملكوتي سماوي يوجد في داخل الإنسان وفيه قوى خيّرة وقوى أمارة بالسوء.

الأولى: هي التي نعبر عنها بالقوة الشهوية يعني التي تحب شهواتها وملذاتها وهذه القوة إذا ما سيطرت على الإنسان تجعله عبداً لها فقط وبالذات شهوة المال وشهوة التسلط والتكبر وحب العظمة والجبروت ولا تعد تميز حُسن العدل من قبح الظلم.

الثانية: الغضبية، وهي عبارة عن نفس غاضبة ومتعصبة متغطرسة تسيطر على الإنسان عند غضبه.

الثالثة: وهي أخطر أنواع النفس البشرية، نعيش معها معظم أيامنا وهي التي قتلت الحسين (ع) وأفقدتنا نور النبوة على يد بعض طلاب الجاه والسلطة، تلك هي النفس الأمارة بالسوء.

وعمل هذه النفس هو السيطرة على الإنسان بجمع القوتين السابقتين للنفس الغضبية والشهوية وبهما تقوم بالوسوسة لأي إنسان من نقاط ضعفه فتجعله يتجبر ولا ينظر إلا للأنا... النفس الداخلية بما تحمل من عواطف وأحاسيس، وفي هذه النفس لا يبقي لذكر الله والخوف من عقابه أي مكان... وهي التي تبعدكم عن ذكر ربكم أعاذنا الله وإياكم منها.

الرابعة: العقلية، وهذا النوع هو أعلى مراتب النفس أو ما يسمونه بالنفس العاقلة والتي نسيطر بها على جميع القوى الأخرى، فهي النفس الواعية المتعلمة وتحمل ثقافة كاملة بمعني الوجود والوحدانية لله وليس للأصنام البشرية على الأرض، هي النفس التي توصل صاحبها إلى مرضاة الله عز وجل لأنها نفس زاكية طاهرة نقية.

الخامسة: اللوامة، هي التي إذا ارتكبت خطأ ترجع باللوم عليك حتى تستدرك خطأك على ما فعلت لذلك سميت باللوامة.

إذاً فقد خلق الله تعالي النفس البشرية و ألهمها نوعين من الحالات: فجور أو تقوى كي يمحص المؤمن من الفاسق والصالح من الطالح ويبقي الاختيار بيدنا.

فماذا اختار الذين واجهوا الحسين يوم كربلاء من أنواع تلك الأنفس؟

لسوء حظهم حقيقة كانوا من أصحاب الأنفس الأولى الشهوية والثالثة الأمارة بالسوء، الشهوة والتسلط والتكبر وتعظيم الذات وإن كانت فاسقة ولكنهم يرونها هي الصحيحة لأنهم أصبحوا عبيد لشهوة المال والسلطة بلا وعي ولا ضمير ولا خوف من الله، وإن صاموا وصلوا فهذه لديهم أصبحت مثل العادة اليومية أو لنقل تمارين صباحية مسائية روتينية. لقد فارقوا نفس التقوى وأخذوا جانب نفس الفجور الذي ابتُلي به البشر، ولهذا وقعوا في القول الثاني (قد خاب من دسّاها). هي تلك النفس الأمارة بالسوء التي قتلت الحسين وشفت غليلها من العترة النبوية الطاهرة بأمر من صاحب غراب (جيرون)، فخسرت دينها قبل دنياها، وغادرت واحة ربها وشجرة التقوى فحبط عملها.

أما في معسكر الحسين عليه السلام فهناك نفس أخرى هي نفس العقل وتقوى الرب النفس التي لا ترضى بالخطأ وإن حدث ظهرت النفس اللوامة التي تسترجع ما فعلته وترجع عن الخطيئة وتتبع الصواب في مرضاة الله.

فأين أنتم من هذين المعسكرين، معسكر النفس الشهوانية والمسيطرة والمتكبرة والأمارة بالسوء في خيام أهل البغي والظلم الدنيوي على ضفاف الفرات، ومعسكر النفس العقلية الراجحة المحبة للوفاء بالصدق ورعاية الحرمات ونبذ الغدر والخيانة والكفر الأعمى وكره الظلم بشتى أنواعه في خيام الحسين (ع)، النفس العقلية الصافية التي تقدر وتعي قيمة الحرية الحقيقية وهي أعلى مراتب النفس البشرية التي قدمها الحسين (ع) على أرض كربلاء والتي أظنكم تنشدونها جميعاً؟

أحبتي القراء... أرجعوا لأنفسكم وانظروها ثم قوها نار جهنم وعذاب الدنيا والآخرة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين.

العدد 3017 - الخميس 09 ديسمبر 2010م الموافق 03 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً