العدد 3017 - الخميس 09 ديسمبر 2010م الموافق 03 محرم 1432هـ

التخصص... طريق لوحدة الأمة الإسلامية

محمد أبو مليح محمد comments [at] alwasatnews.com

اختلف الناس في موقفهم من عملية التخصص، فمنهم من يرى أن ذلك شر مستطير يجب على المسلم أن يبتعد عنه كلما استطاع إلى ذلك سبيلا، ويرددون بين الفينة والأخرى قول الشاعر:

أتانا أن سهلا ذمَّ جهلا

عُلُوما ليسَ يدريهنَّ سهلُ

علوما لو دراها ما قلاها

ولكنَّ الرضا بالجهلِ سهلُ

وهم بذلك يعتبرون أن من يأخذ بالتخصص إنما ذلك لكسل أصابه، وبسبب رضا يجده في نفسه تجاه الجهل.

وفي الوقت نفسه هناك من يؤكدون أهمية التخصص، ويرون فيه الخير كله، ويقفون خلف قول الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170هـ) (786م): «إذا أردت أن تكون عالما فاقصد لفن من العلم، وإذا أردت أن تكون أديبا فخذ من كل شيء أحسنه». وقول أبوعبيد القاسم بن سلام (ت 224هـ) (838م): «ما ناظرني رجل قط وكان مفننا في العلوم إلا غلبته، ولا ناظرني رجل ذو فن واحد إلا غلبني في علمه ذلك».


فضائل التخصص

وممن يؤيدون عملية التخصص الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم، بل يرى أن من فضائل التخصص أنه يساعد على وحدة الأمة الإسلامية.

فقد أكد في خطبته للجمعة (14 من ذي القعدة 1426هـ) (18 ديسمبر/ كانون الثاني 2005) في الحرم المكي على أن من واجب الأمة الإسلامية أن تستغل أمر التخصص في أن تتكاتف جهود أبنائها، في سبيل بناء وحدة جامعة «فقد يطلب من الطبيب ما لا يطلب من النجار وقد يطلب من العالم ما لا يطلب من الوراق، وقد يطلب من الحاكم ما لا يطلب من السوقة، المهم أن يصب الجميع في منظومة واحدة تتكامل بعضها ببعض، ويكون الأفراد في هذه المنظومة كالأعضاء التي تختلف في وظائفها وأشكالها، والكل يؤدي عمله لبقاء البنية الجامعة».


التخصص مع التكامل

ويشبه الشيخ ذلك بأعضاء الجسد الواحد التي تتكامل في عملها ووظائفها حتى تنتج لنا جسدا متكاملا، فلا يطلب من اليد أن تبصر ولا من العين أن تبصر وهكذا، مع أنها جميعا تعيش في ظروف واحدة وجسد واحد.

وعلى هذا يجب أن يكون المجتمع المسلم، فلا يكون للطبيب أن يكون مفتيا ولا للمفتي أن يكون طبيبا، ولا للصحافي أن يكون فقيها، وإلا ستختل المعايير وتسقط منظومة الحياة. ولابد للمجتمع المسلم كذلك أن تتوافر فيه كل التخصصات وكل المجالات؛ لأنه لن يرقى بالأمة ولن يدفعها للتقدم غير بنيها، وعلينا ألا ننتظر ذلك من الأجنبي.

ومع ذلك، يؤكد الشيخ على أنه لابد لسير هذه المنظومة بشكل صحيح من أن يعمل الجميع في تناسق وتواؤم، وأن يعكس كل عضو في هذه المنظومة مقصد الكل، ولا أن يقصد غاية تخالف غاية الكل.

وبذلك يكون التنوع في التخصصات من باب جلب المنافع يصب كل منها إلى الآخر كالجداول التي تصب في البحار ثم هي في نفس الوقت تأخذ منها. ويجب على كل مسلم ألا يحتقر نفسه، وأن يعلم أن له وظيفة عليه أن يجتهد في تأديتها، ولا يفرط، فربما يكون انهيار المبنى العظيم من سقوط لبنات صغيرة في أسفله.


الأبناء والنهوض بالأمة

ومع ذلك فهناك أمور نحتاج إليها حتى لا يكون التخصص وباء على أمتنا ورزيلة تنخر في عظامها، ومن هذه الأمور التي يجب على كل أبناء الأمة الإسلامية أن يلتزموا بها العفة والسخاء والرحمة والتواضع والقناعة والدماثة وعلو الهمة والتعقل والتروي والحلم والإيثار والشجاعة في الحق مع الوفاء والصدق والأمانة وسلامة الصدر، وهي أمور لو عمت فصائل المجتمع فلن يبقى بعدها للفرقة في صفوف الأمة الإسلامية من سبيل.

وينوه على دور علماء الدين ورؤسائه وحفظته والعاملين به في بث تلك المفاهيم والحث على تلك القيم وزرعها وسط المجتمع المسلم، ودعوة الناس إلى ذلك وتهيئة السبل الموصلة إلى ذلك، حتى نستطيع أن نرتقَ ما أصاب الأمة الإسلامية من فتق، ونصلح ما مال من حالها، وما وصلت إليه من مآل.

العدد 3017 - الخميس 09 ديسمبر 2010م الموافق 03 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً