العدد 3016 - الأربعاء 08 ديسمبر 2010م الموافق 02 محرم 1432هـ

على الدَّفتر

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في ضُحَى أحد الأيام المنصرفة تَوَّاً سَمِعتُ بائع السَّمك يقول لأحد المُشْتَرِيْن: حسابك هو خمسة وستون ديناراً. قالها وهو يَفْلِي حُزمةً من الورق المُتَرَاصْ، ومُحملقاً في أرقام متناثرة يميناً وشمالاً. سألته بفضول عارِفٍ به: هل لديك مِدْيَانٌ غيره؟ قال وهو يبتسم: هُمْ كُثُرٌ ما شاء الله، لكنه أبدى امتعاضه من نفسه وهو يرى حاله غير قادرٍ على فعل شيء معهم.

قبل أيام جاءني سَبَّاك إلى البيت. وعند حديثي معه عن أحوال السوق وأحوال المهنة ومشاقّها، أسَرَّ لي هو الآخر أن المَدَايِيْن الذين يُطالبهم قد وصلت مجموع مبالغهم إلى السبعة آلاف دينار! طبقاً لآخر جردة لقراطيسه. بطبيعة الحال فإن هذا الرقم بالنسبة له كمُمْتَهِنٍ «فرد» للسّباكة هو رقم فلكي وعظيم، يُمكن أن يعتاش عليه هو وأسرته رَدْحاً من الزّمن. لذا فقد قرّر أن لا يتعامل مع «العَيَارَى» من هؤلاء حسب وصفه. نعم قالها بمضض.

أقصى ما يُمكن أن يُقال هنا أن هؤلاء الأعزاء وأضْرَابِهِم ما هُم إلاّ ضحايا «العَيْش خارج الموازنات المتاحة» التي يأنس بفعلها العديد من الناس. فمفهوم الدَّيْن ومبرراته لا يزيد عن الخلل في المعادلة الطردية. قلّة الموارد المالية أمام كثرة الغايات. وكلفة دَيْنٍ أقل، أمام كلفة ربحٍ أكبر. وفي كلّ الأحوال ترتدّ تلك التعريفات إلى الفهم الأول، وهو «العيش خارج الموازنات المُتاحة». وربما يُصبح هؤلاء الأفراد الدائنون هم الأكثر تضرراً وانكشافاً من غيرهم.

فهُم ليسوا بمؤسسات بنكيّة أو مالية يتمّ تغطية قروضها للأفراد والشركات من قِبَل جهات تأمينية متخصصة وكبيرة كما هو معمول به في سوق الإقراض والائتمان. كما أنهم (الأفراد الدائنين) مكشوفون قانونياً، إذ لا يُوجد ما يُثبت أن لهم أموالاً آجلة التحصيل لدى آخرين، فلا إلزام من أحد على أحد هنا، بل قد يتحوّل الأمر إلى تَرَف عام من المطالبات التي لا تنتهي إلاّ إلى ديون معدومة لا أمل في استرجاعها، فتزيد الحسرة على الحسرة.

بالتأكيد أن الدَّيْن ليس مشكلة في حدّ ذاته، ولا هو سُبَّة وعار، فلطالما استدان الناس من بعضهم البعض على مَرّ التاريخ كوجه من أوجه التكافل الاجتماعي الذي يعكس تراحم الناس فيما بينهم، ولكن حين تتحوّل حياة المَدَايِيْن من العَيْش على الكفاف، إلى العَيْش على كماليات الحياة من سَفَرٍ للترويح وشراء ما يُمكن الاستغناء عنه، وأكل ما لا يُمِيْت حين يُترَك، وعدم إرجاع المال لمدد طويلة فإن دُيُونُهُم تتحوّل إلى أموال مسروقة، طالوها من غيرهم بعنوان الدَّيْن فوَجَبَ إرجاعها.

انقضاض هذا المجموع (المَدِيْن) على هذا الفرد (الدائن) هو أكثر أنواع الانتهاك جلاءً. ولطالما هُدِمَت مِهَنٌ وسقط قوامها فانهارت أسَرٌ بسبب هؤلاء وديونهم المعدومة. فإذا كانت مجموعة سيتي غروب العملاقة وبنك أوف أميركا قد دُعِمَا بقيمة 326 مليار دولار من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما لمواجهة خطر الانهيار الحاد بسبب الديون المعدومة، فما عسى هؤلاء الآحاد أن يفعلوا بديونهم المعدومة، وهم يُقضَمون يوماً بعد يوم بغير ضمان من أحد.

ما يجري مع هؤلاء ما هو إلاّ نوع من أنواع السَّرَقة الذي يُهدد المجتمع وأخلاقه وقيمه. ولا يظنّن أحد بأن السَّرُوق من القوم لا بد أن يأتي في ليلة ليلاء، مُتلفّعاً بوشاح التنكّر، فيمدّ يده على مال غيره فيسرقه ويولّي هارباً. لا... فكما القتل أنواع وأشكال (سَيْفٌ، رصاصٌ، تسميم .. إلخ) فإن السّرقة كذلك. وعلى البعض أن لا يستغلّ طِيبَة هؤلاء ليستغفلهم ويسرقهم بعنوان الدَّيْن.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3016 - الأربعاء 08 ديسمبر 2010م الموافق 02 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 12:38 ص

      السلف تلف

      كثير من أصحاب الأعمال فشلت تجارتهم بسبب السلف . وصدقت المحلات إذا وضعت لافتة مكتوب عليها السلف تلف

    • زائر 9 | 4:51 ص

      مقاسات

      مشكلة الناس إنها ما تمد لحفاها على قد رجولها

    • زائر 8 | 1:12 ص

      اكتبوا الديون

      يجب أن لا ينسى أحد أكبر آية في القرآن.. آية "الدَّيْن"..
      يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه..
      من المهم جدا أن يلتزم المسلمون بها..

    • زائر 7 | 12:50 ص

      الحديث الشريف

      قال الإمام عليه السلام (((الدين هم في الليل وذل في النهار))) لكن يبدو أن هذا الحديث لا يكترث به أحد هذه الأيام

    • زائر 6 | 12:04 ص

      انا من ضحايا الدين

      لدي كراج تصليح سيارات وعلى قدر الحال لتحصيل الرزق الحلال وبعد اليون والتسويف من المدانين اضطررت لغلقه بسبب على حساب الدفتر الذي يقدر 13 الف دينارا ، وكذلك ـ الخال ـ توفي والدفتر موجود لكتابة هذه الاسطر ولم توفى ديونه، وكذلك اعلق الدككين ولا من مجيب .
      وكما ذكرت اخون محمد :وعلى البعض أن لا يستغلّ طِيبَة هؤلاء ليستغفلهم ويسرقهم بعنوان الدَّيْن.

    • زائر 5 | 11:10 م

      سنابسي

      استاذ محمد، أولا يسعدنا انك استدرت للداخل .. تكتب عن الشؤون المحلية .. وأحرى بك ان تواصل ولكن لا ان تداوم على ذلك .. فنحن نحتاج تحليلاتك و توصيفاتك و توضيحاتك لما يجري في الخارج. ثانيا بعض اصحاب تلك المهن جشعون و مستغلون، السبّاك الذي احضرته البيت و وشرحت له العمل المطلوب قيّم العمل بـ 15 دينار و12 علشاني!، فاستغربت لأن الأمر لا يحتاج لأكثر من 10 دقائق، فقمت بإصلاح الخلل بنفسي، وحاسبت نفسي 3 دينار فقط!! عموما كما يُقال "مال البخيل يأكله العيّار" و لو رَحَموا ..لرُحِموا!

    • زائر 4 | 11:07 م

      القروض والسلف

      اتفق مع الكاتب 100 % فهدا الزمن اصبح التبدير على الشكليات المدخل الحقيقي للقروض والسلف

    • زائر 3 | 10:27 م

      شكرا

      يسلم هالقلم

    • زائر 2 | 10:22 م

      • بهلول •

      لو إنتشرت العدالة ما تفشت السرقة

    • زائر 1 | 9:42 م

      hey.. sweet morning

      look.. first of all.. those who are flexable in providing credit, they will be the biggest loser in the world..
      Now a adays people are seeking anything to get in instalment even if this is not their need .
      its in your hand to protect yourself from these readymade beggers who have money in their pocket but feel paini to get it out.

اقرأ ايضاً