هل لأنه شيخ وأبوه حاكم الدولة وأمه امرأة ذكية وشجاعة؟
ربما!
لكن المؤكد أنه «شيخ» ذكي استثمر في الفرص التي حوله كي يؤهل نفسه ليقود قصة نجاح لبلاده وشباب منطقته. هكذا تكون النتيجة حينما يتغلب أمثال الشيخ محمد بن حمد بن خليفة آل ثاني على إغراءات «اللهو» و«ضياع الوقت» التي يمكن لمن في مكانه أن يغفو في دهاليزها طويلاً وحينما يستيقظ تكون الطير قد طارت بأرزاقها! وإذا كان تأهيل شبابنا - العلمي والثقافي والأخلاقي والقيادي- ضرورة تنموية، فإن تأهيل المهيئين -أصلاًً- لأدوار قيادية في بلدانهم يصبح أكثر إلحاحاً وأهمية.
ولأنني كنت قد لمست عن قرب اهتمام أمير قطر وحرمه بتأهيل أنجالهما وتعليمهما في أرقى الجامعات العالمية، فلم أكن لأستغرب على محمد بن حمد بن خليفة تألقه وثقته في نفسه وفي وطنه وهو يتولى ملف دولة قطر في مفاوضات استضافة كأس العالم للعام 2022.
كثيراً ما نلام، نحن معشر الكتاب المؤمنين بالكتابة الناقدة الممارسين لها، بأننا لا نرى سوى نصف الكأس الفارغة. وكثيراً ما نتهم بأننا نبحث فقط عن نقاط التقصير لدى مؤسساتنا التنفيذية كي ننتقد فقط من أجل النقد. وأنا شخصياً مللت من مقولة «جلد الذات» التي يتهم بها أصحاب الرأي الناقد. لكن الحقيقة المؤلمة أن الأخبار المفرحة في عالمنا العربي قليلة إن لم تكن نادرة. ولهذا نثني اليوم على إنجاز عربي خليجي حققته قطر.
وأهمية الإنجاز عندي ليست فقط في نجاح قطر باستضافة كأس العالم بعد 12 سنة من الآن، ولكن - وهنا الأهم - في الطريقة التي حققت بها قطر هذا المنجز. كان ثمة هدف، ولتحقيق الهدف كانت هناك خطط ولاعبون وذكاء في إدارة الملف. والأهم من كل ما سبق أن الفريق الذي قاد هذا المشروع صدق النية في سعيه ففاز بما تمنى. وهذا «المنجز» القطري ضروري أن نبعده عن «حسابات» السياسة ومماحكاتها لأن فائدته، الحضارية والإعلامية، ستعم المنطقة كلها. وما محمد بن حمد اليوم إلا رمز من رموز الإلهام لشباب منطقتنا بغض النظر عن علاقات النسب والحسب التي ربما تهيئ له ما لا يتاح لغيره. غير أن محمد بن حمد - بثقافته وجديته وتواضعه - هو اليوم من نماذج «القيادات الشابة العربية» التي نتمنى تكاثرها في محيطنا العربي.
إذاً، قطر حققت ما طمحت إلى تحقيقه وما عملت على إنجازه. كيف سيؤثر هذا المنجز على نظرتنا -عرباً وخليجيين- لبعضنا البعض؟ هل نطمح أن يكون هذا المنجز مثالاً يُحتذى به عربياً، على أصعدة التنمية والنظرة للمستقبل، أم نبدأ - كما هي عادتنا- في البحث عما ينتقص من هذا المنجز القطري؟ وهل نتعلم من هذه التجربة أن المنجز الحقيقي لا يرتهن بحجم الدولة جغرافياً قدر ارتهانه بالإرادة الجادة والعمل الدؤوب وتحدي كل الظروف؟
نعم... هي الإرادة العليا للعمل الجاد والتي تبدأ عادة من رأس الهرم ومن في محيطه. ولهذا فما إن علمت بفوز قطر باستضافة كأس العالم للعام 2022 حتى تذكرت حديثاً سريعاً جمعني بأمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بعد جلسة شاركت فيها أثناء انعقاد منتدى «فوربس» للقيادات التنفيذية في الدوحة العام 2007. كان الأمير شديد الوضوح حول مسار بلاده نحو المستقبل وفي أهمية «التغيير» في منطقتنا. وبتحفظ «السياسي» الذكي حينما يتحدث مع الإعلامي، كان الأمير يعبر بهدوء عن إحباطه من حال منطقتنا وبطء حركتها. كان فعلاً قد قرر أن يدخل قطر إلى عالم المستقبل وكان جاداً في طموحه ذلك إذ بدأ بنفسه... بتعليم أنجاله وبجعلهم «القدوة» لما يريد لشباب بلاده.
أذكر أن الأمير حينما علم أنني درست في «جورجتاون»، أخبرني مباشرة أن نجله، محمد، يدرس في جورجتاون وفي الوقت ذاته - وحتى اللحظة - كانت الشيخة المياسة بنت حمد تعمل في العلن في مشاريع تعنى بالتراث والثقافة والتعليم داخل قطر وخارجها لتصبح هي نفسها واحدة من أمثلة «الإلهام» لبنات جيلها في قطر وخارجها.
القيادي المثقف يعي التغيرات التي تحدث في محيطه وخارجه. ومنطقتنا التي تتجاوز فيها نسبة الشباب أكثر من 60 في المئة من سكانها تتعطش لقيادات شابة، على أغلب المستويات، وقادرة على فهم التحولات المخيفة في الداخل وفي الخارج.
من هنا يأتي الاحتفاء بهذا المنجز القطري المهم لمنطقتنا كلها. ويأتي أيضاً هذا الاحتفاء بمثال حي لشباب منطقتنا خاصة ممن استثمر في المتاح من فرص التعليم والتأهيل والنجاح والتميز.
فهل تمنحنا تجربة محمد بن حمد درساً مهماً جديداً في أهمية تأهيل القيادات العربية الشابة لإدارة «الملفات» الساخنة في أوطانها...؟
إقرأ أيضا لـ "سليمان الهتلان"العدد 3015 - الثلثاء 07 ديسمبر 2010م الموافق 01 محرم 1432هـ
يا استاذ سليمان
اذا ماعليك كلافة تستضيف ابراهيم شريف فى قناة الحرة فى الاسابيع القادمة