العدد 3011 - الجمعة 03 ديسمبر 2010م الموافق 27 ذي الحجة 1431هـ

قطر والكأس والتفكير خارج الصندوق

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

يعيش المرء لحظات من الزهو والافتخار لانتصار ما تحقق وتزداد حالة الفرح والنشوة إذا كان هذا الانتصار تحقق من خلال العمل من خلال مبادئ الإدارة الاستراتيجية والتي في مقدمتها المبدأ الإداري الأول التفكير خارج المألوف والذي اصطلح على تسميته التفكير خارج الصندوق، والمبدأ الإداري الثاني القائم على مقولة فكر كبيرا تصبح كبيرا والذي يعبر عنه أحيانا بمقولة السماء هي السقف للأماني والأحلام والتمنيات والمبدأ الإداري الثالث القائم على المقولة العربية التقليدية لكل مجتهد نصيب.

والمبدأ الرابع هو اتاحة الفرصة للجيل الجديد من الشباب لأخذ نصيبه من القيادة الإدارية في العديد من المواقع باعتباره الطاقة الخلاقة والجريئة والمبدعة والقادرة على قيادة التغيير والتعبير عن الطموحات. والمبدأ الخامس التخلص من الروتين وقد عشت التجربة شخصيا عندما دعيت للمشاركة في برنامج لقناة الجزيرة منذ بضع سنين وبحثت عن سفارة قطر للحصول على تأشيرة دخول فقيل لي لا توجد تأشيرة لك، إذ إن قطر تمنح التأشيرة في المطار لشخصيات وفئات من الخبراء والمتعلمين من فئات عديدة بلا قيود أو عوائق روتينية، ولم أصدق وذهبت لشركة الطيران القطرية فقالوا لي نفس الشيء ولم اصدق، وذهبت للمطار وأنا اشعر بالقلق، ونزلت المطار ووجدت أن ما قيل لي يعبر عن الحقيقة ولا شيء غيرها، فسعدت بذلك وسررت ووجدت مضيفي في انتظاري بسيارة فاخرة وأخذني إلى مبنى قناة الجزيرة وبعد انتهاء البرنامج الذي شاركت فيه أخذني للفندق وهكذا المبدأ الخامس للإدارة الاستراتيجية التي تعيش نبض التطور والتقدم وتحرص على اجتذاب الكفاءات والخبرات والعلماء والباحثين للمشاركة في عملية البناء والتطور بلا قيود روتينية. ولذلك عندما حصلت قطر على الفوز المستحق بتنظيم كأس العالم لم يساورني أي شك في قدرة قطر على تنظيم ناجح لهذه المناسبة العالمية التي ستضع قطر مجددا على الخريطة العالمية بل ستضع الشرق الأوسط على خريطة في مكانة متميزة ذات سمعة طيبة بعد أن عانت المنطقة وبالذات العالم العربي من السمعة السيئة ووصفنا بالإرهاب والتخلف والتفكير في الموت بدلا من البناء من اجل الحياة.

هذه المبادئ الخمسة هي التي تحكم الفكر المعاصر للقيادة القطرية، وهي التي أدت بقطر لإنشاء قناة الجزيرة، والتي أدت بقطر للقيام بوساطات في لبنان وفي السودان وفي اليمن وفي فلسطين، وهي التي أدت بقطر لبناء إنشاءات عملاقة أثارت التساؤل من قبل البعض كيف ستستخدم قطر كل هذه الإنشاءات والعمارات العملاقة والمباني الكبيرة الفاخرة، وهي التي أدت بقطر إلى دعوة العديد من مراكز الأبحاث الدولية والجامعات العريقة لفتح مراكز أو فروع لها في الدوحة، وهي التي أدت بقطر لعقد عشرات المؤتمرات الدولية التي تتناول العديد من القضايا مثل حقوق الإنسان والديمقراطية والاقتصاد والسياسة والاجتماع والتسامح الديني والحرية الدينية وغير ذلك من القضايا التي تزخر بها الأجندة الدولية في القرن الحادي والعشرين.

ولقد شاركت بنفسي في عدد من تلك الاجتماعات منها ما يتعلق بحقوق الإنسان ومنها ما يتعلق بالفكر العربي المعاصر في إطار التجمع الفكري المسمى منتدى الفكر العربي، كما دعيت للتحدث والمشاركة في عدة برامج لقناة الجزيرة ولمست عن قرب تحول قطر من مرحلة اقتصادية واجتماعية وثقافية الى مرحلة أكثر تقدما وتطورا وانفتاحا، وشاهدت المواطن القطري والمرأة القطرية وهي تعيش مرحلة أخرى جديدة هي مزيج من الانطلاق نحو المستقبل ومن التواصل مع الماضي والتراث.

لقد أصبحت قطر قبلة للنخبة العالمية الجديدة في السياسة والاقتصاد والفكر والاجتماع، إنها نخبة من المهندسين والمعماريين ومن المفكرين والباحثين ومن رجال المال والاقتصاد والصناعة والتجارة، قد أصبح اسم قطر على كل لسان في المنظمات الدولية من خلال دورة الدوحة للتجارة ومن خلال استضافة الشخصيات العالمية ومن خلال قناة الجزيرة التي أصبحت تبث برامجها باللغتين العربية والانجليزية.

وأخيرا جاء ما يمكن أن نطلق عليه الجائزة الكبرى عندما أعلنت اللجنة التنفيذية للفيفا مساء يوم 2 ديسمبر/ كانون الأول 2010 فوز الملف القطري واختيار قطر لتنظيم نهائيات كأس العالم للعام 2022 في إطار منافسة قوية مع دولة عظمى أو مع الدولة العظمى الوحيدة وهي الولايات المتحدة الأميركية سيدة البحار والمحيطات والبر والبحر والجو.

وهذا الفوز كيف يمكن ان ينظر اليه العالم وما هي التحديات التي تنتظره؟

وفي البداية لابد من ملاحظة شخصية ولحظات مدهشة عشتها عندما كنت سفيرا لمصر في الصين، وحصلت الصين على الاختيار المستحق لتنظيم الاولمبياد العام 2008 وما هي إلا لحظات أو ربما ثوان حتى امتلأت شوارع بكين وغيرها من المدن الصينية بالأفراح والابتهاج ولم استطع تمالك نفسي دون النزول إلى الشارع والمشاركة مع شعب الصين فرحته الكبرى بعد أن كان كثيرون يتشككون في فوز الصين بالاولمبياد ويثيرون اللغط حول ملفها الخاص بحقوق الإنسان وبالبيئة وغيرها من الأمور ونجحت الصين في تنظيم اولمبياد عالمي العام 2008 وجعلت المكانة التي حققتها دول نظمت المناسبات الاولمبية السابقة عليها تتراجع، والدول التي ستنظم المناسبات الاولمبية التالية لها في حالة من القلق الشديد، هل ستنجح بمثل مستوى نجاح الصين أو تعجز عن تحقيق ذلك.

اللحظة الثانية عندما كنت أشاهد الفضائيات وجاء عنوان عاجل يقول فوز قطر بتنظيم الكأس للعام 2022. وكما أنني شعرت بالفرح بالنسبة للصين فإنني شعرت بفرح اكبر بالنسبة لقطر الدولة العربية الخليجية الإسلامية الشقيقة التي راقبت تطوراتها عبر السنوات الأخيرة ووجدت الإحصاءات الدولية تقول إن قطر حققت نموا في الإنتاج المحلي الإجمالي وصل لأكثر من 25 % ولم اصدق عيني وقرأت الرقم أكثر من مرة وراجعته في وثائق دولية متعددة؛ لأنني كنت اعرف أن الصين هي أكثر الدول في معدل نمو الناتج المحلي وأدركت أن الرقم حقيقي وصحيح، وليس من اختراع بعض المسئولين أو رجال الإحصاء والإدارة لأنه جاء من منظمات دولية. وأضفت لنفسي أن هذه هي المعجزة الشرق أوسطية وهي لا تقل في دلالاتها ومضمونها عن معجزة الصين والشرق الاقصى وان اختلف الموقع والحجم والأهمية الاستراتيجية ولكن القاسم المشترك بين الحالتين هو الإدارة السليمة ومبادئها التي أشرت إليها في بداية هذا المقال.

واخيرا فإنني اعبر عن تهنئتي لقطر شعبا وحكومة وأميرا على هذا الفوز المظفر والذي جاء في وقته وأكد حسن إدارة قطر لمواردها الاقتصادية والبشرية وحرصها على القيام بدورها لمصلحة شعبها ومنطقتها الخليجية وأمتها العربية والإسلامية بل والعالم بأسره وتمنياتي لها بتنظيم كأس العالم بطريقة ناجحة ومتميزة وإنني لواثق من ذلك استنادا للمعطيات القائمة الواقعية ولنجاحها في الحصول على قرار الفيفا وان غدا لناظره لقريب.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3011 - الجمعة 03 ديسمبر 2010م الموافق 27 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:36 ص

      شكراً للكاتب محمد جلال نعمان

      قطر مذهلة بمعنى الكلمة!!!
      12 سنة في الإنتظار!!

    • زائر 2 | 12:28 ص

      نحن أيضا نهنيء قطر

      مقالة دقيقة و معبرة عن العمل الدؤوب من قبل رجالات الدولة في الشقيقة قطر و قدرتهم على إدارة سليمة و جديدة لمواردها الضخمة ..

    • زائر 1 | 10:51 م

      • بهلول •

      صح ... صح الله لسانك

اقرأ ايضاً