تناقلت وكالات الأنباء ما رشح من معلومات وردت في تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة حصلت عليه عن تحقيق تجريه الوكالة بشأن «اكتشاف آثار يورانيوم عالي التخصيب بموقع مفاعل نووي للأبحاث في مصر»، من دون أن يحدد التقرير، كما تقول رويترز «ما إذا كانت تلك الآثار ليورانيوم من الدرجة التي تستخدم في صنع أسلحة، أم ليورانيوم من الدرجة التي تستخدم كوقود لبعض المفاعلات النووية».
وبدلا من ردّ مصري رادع، شبيه بذلك الذي اتخدته طهران أزاء نفس الاتهام من الوكالة ذاتها، وجدنا القاهرة، ترد على استحياء بالقول «إنها تعتقد بأن آثار اليورانيوم عالي التخصيب ربما جاءت إلى البلاد من خلال حاويات نقل نظائر مشعة ملوثة».
كلنا نعرف قصة الأسد مع الثيران الثلاثة، الأسود والأبيض والأحمر، عندما خرج للغابة جائعا، ووقع نظره على ثيران ثلاثة لم يكن يقوى على إفتراس إي منها طالما كانوا متحدين، فلجأ إلى حيلة - بعض الروايات تنسبها للثعلب - أوهم بها الثورين الأسود والأحمر أن لون الثور الأبيض يكشفهم أمام الصياد، وبالتالي فمن أفضل وسيلة للتخفي هي التخلص من ذلك الثور. وتم ذلك، ونعم الأسد بوجبة دسمه، لم يكن ليحصل عليها لولا موافقة الثورين الآخرين، وتنتهي القصة بإلتهام الأسد الثورين الآخرين بعد ان استفرد بكل منهما على حدة.
الخلاصة من القصة أن نهاية الأسد الأسود، بدأت عندما سمح للأسد بالتهام أخية الثور الأبيض. وصارت قصة يضرب بها المثل للدلالة على دور الوحدة في مواجهة الأعداء.
ما تقوم به الوكالة الدولية، بضغوط واضحة من دول غربية تقف الولايات المتحدة في مقدمتها، شبيه بما قام به ذلك الأسد. فواشنطن، وهي ملكة الغابة الدولية، وهي أيضا المثخنة اليوم بجراح أزمتها المالية، وغير القادرة على أشباع جشعها من ثروات دول العالم الثالث بأساليب استعمارية عفى عليها الزمن، تحاول أن تستفرد بهذه الدول الواحدة تلو الأخرى.
بدأت بأفغانستان، وتحولت منه نحو العراق. هذا يفسر انقضاض الوكالة الدولية، من دون سابق إنذار وأي وجه حق، على مصر، متهمة إياها بتخصيب اليورانيوم «الى الدرجة التي يمكن معها استخدامه في صنع اسلحة نووية»، متجاوزة بذلك ما هو مسموح به دوليا وفق قوانين الوكالة وأنظمتها.
تصل الوكالة اليوم، إلى «الثور الأسود»، بعد أن حاولت أن تنقض على الثور الأبيض، والذي هو إيران، والثور الأحمر والذي هو كوريا الشمالية.
فشلها في وقف المشروعين النوويين في الدولتين، لا يعني أنها لن تنجح في الاستفراد بمصر، وليس بالضرورة من أجل وقف المشروع النووي المصري، بقدر ما هو ممارسة ضغوط على مصر تبدأ بالملف النووي وتنتهي عند محطة أخرى ذات علاقة بترتيب الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط الجديد.
ما يحز في النفس هو الرد المصري الخجول على اتهامات الوكالة الدولية، والذي انطلق إبان احتدام معركة الملف النووي الإيراني، والذي ظهر في التصريح الذي أدلى به ناطق رسمي مصري، في 19 أبريل/ نيسان 2009 في أعقاب لقاء وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط مع وفد من مجلس النواب الاميركي برئاسة النائب آدم سميث، مطالبا «بضرورة التوقف عن سياسة غض النظر وازدواجية المعايير التى يمارسها الغرب إزاء الملف النووي الإسرائيلي، محذرا من أن تجاهل موضوع عدم انضمام (إسرائيل) لمعاهدة منع الانتشار النووي من شأنه تقويض المعاهدة».
هذا يكشف بوضوح عدم معارضة مصر للموقف الغربي المتشدد من إيران. ذات الموقف المصري الخجول تكرر مرة أخرى على لسان السفير حسام زكي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، عندما ألمح إلى أن «القدرات النووية الإسرائيلية تمثل التهديد الأول والأكبر للأمن في المنطقة»، مشيرا إلى أن السياسات الغربية القائمة على الضغط على إيران للتخلي عن برنامجها النووي لن يكتب لها النجاح بسبب تجاهلها للقدرات النووية الإسرائيلية».
لو أن القاهرة وقفت حينها بشكل واضح جلي، لا يشوبه أي غبار، إلى جانب طهران، ليس من أجل طهران، وليس من أجل تشجيع الدول على امتلاك سلاح نووي، بقدر ما هو تجريد الغرب من تنصيب نفسه حكما عالميا ينعم بصكوك امتلاك السلاح النووي، لمن يعتقد بأنه يستحقها من دول العالم، ويحجبها عن تلك التي يعتقد أنها تسير خارجة عن صفوفه.
ما الذي يبيح لدولة مثل أميركا، أثبتت سياستها الخارجية على مدى السنوات العشرين الأخيرة، أنها لا تتورع عن ارتكاب الفواحش وتبريرها، طالما صبت تلك السياسات غير الإنسانية في مصالح واشنطن في امتلاك سلاح نووي، ويحرم على كوريا الشمالية امتلاكه؟
لقد دأب الغرب، وأجهزته الإعلامية على ترديد مقولة «حق الدول العظمى في تطوير ترساناتها النووية، نظرا لسلوك تلك الدول المتوازن لدى استخدامها السلاح النووي»، وخشيتها من «سوء استعماله عندما يكون بحوزة دول صغرى من مستوى كوريا أو إيران».
هذا المنطق على اعوجاجه، وبالتالي ضرورة عدم القبول به، لكننا نرى أيضا أن لم يطبق على دولة تعتبر من بين أكثر دول العالم الصغيرة التي شنت حروبا على جيرانها، دولا ومنظمات، مستخدمة أسلحة حرمتها القوانين الدولية، ومع كل ذلك، لم يشهد العالم في أي يوم من الأيام موقفا أميركيا، أو حتى غربيا يحرم على «إسرائيل» امتلاكها سلاحا نوويا، رغم أنها، وحتى يومنا هذا لم توقع على اتفاقيات حظر التسلح النووي، المعمول بها دوليا، وتحت مظلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
رفع الهراوة الدولية الغليظة في وجه مصر هو أول الغيث، الذي لم تتوقعه مصر عندما سعت الولايات المتحدة، عبر الوكالة الدولية إلى عزل الثيران الثلاثة عن بعضهم البعض، وعملت على الاستفراد بكل واحد منهم على حدة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2436 - الخميس 07 مايو 2009م الموافق 12 جمادى الأولى 1430هـ