الهجوم المضاد الذي باشرته الإدارة الأميركية لاحتواء مضاعفات حملة التعرية التي شنها موقع «ويكيليكس» بدأت نسبياً تعطي ثمارها بسبب تقاطع مصالح القوى المتضررة من الوثائق بالاعتذارات والتوضيحات التي صدرت من واشنطن. فالتقاطع الدولي مع الدبلوماسية الأميركية تركز على نقاط محددة اجتمعت على التقليل من أهمية الأوراق السرية. فالأوراق بحسب التوصيف المتداول ليست مهمة لأنها كشفت وثائق «سرية» وليست «سرية للغاية» أي أن الموقع نجح في اختراق مستويات متدنية وفشل في الوصول إلى المراتب العليا التي تتركز فيها المعلومات الاستخبارية الخطيرة.
التخفيف من قيمة الأوراق يشكل حتى الآن الإطار العام الذي تتقاطع في وسطه مصالح الدول وما صدر عنها من انزعاج وقلق وتراجع الثقة بالصدقية الأميركية. إلا أن الأمر لا يمكن أخذه بهذه البساطة والتعامل مع العاصفة الدبلوماسية وكأنها لم تحصل نهائياً. العاصفة وقعت وألحقت الأضرار بالممتلكات، وهي تحتاج إلى وقت لحصر خسائرها وتقدير القيمة المضافة لترميمها وإعادة إعمارها.
صحيح أن الأوراق لا يمكن التعامل معها بوصفها أدلة دامغة باعتبار أن الوثائق المتسربة هي مزيج من التقارير والمعلومات والتحليلات والإجابات عن استفسارات سريعة تحصل في اللقاءات والاجتماعات والخلوات التي تحرص الوفود الأميركية على تكرارها خلال الزيارات والجولات، إلا أنها في النهاية تشكل مادة خام يمكن أعادة تحويلها وتصنيعها ثم فرزها إلى مصادر قوية وضعيفة وتصنيفها إلى أخبار الآحاد والتواتر وتكوين تصورات عن التوجهات العامة للدول والقوى والهيئات والأفراد.
الوثائق في مجموعها تشكل كتلة من الخامات الطبيعية التي تختلط فيها الأتربة بالأحجار والمعادن. وهي بمثابة ركامات تم تحصيلها بالهمس أو السمع من ينابيع متفاوتة في اطلاعها ومعلوماتها. وهذا التشتت لا يلغي القيمة النوعية للأوراق إذا تم فرزها وترتيبها وفق منهج يغربل الصحيح ويخرجه من الخطأ ويضعه في إطار هرمي يكشف مدى اقترابه من مطابقة الواقع ومجرى الحوادث.
هناك كثير من المعلومات جاءت في الوثائق في سياقات متفاوتة دمجت بين الرأي والتحليل والتعليق والتوقعات والأمنيات والاستفسارات والتوضيحات، ولكنها في المطاف الأخير تعكس وجهة نظر ليست بالضرورة حاسمة أو رسمية بقدر ما هي أقرب إلى نوع من تقدير موقف بشأن هذا الملف وتلك القضية. وهنا بالضبط تكمن أهمية الوثائق. فهي ليست أدلة دامغة ولكنها تقدم مادة حيوية يمكن الاعتماد عليها لإصدار بيان اتهامي ظني يحتاج إلى مراجعة قانونية قبل خروجه في صيغة واضحة ونهائية.
على هذا الأساس يمكن القول إن موقع «ويكيليكس» وجه ضربة موجعة للدبلوماسية الأميركية حتى لو نجحت الإدارة في احتواء تداعيات العاصفة ومضاعفات حملة التعرية التي كشفت الوجه الآخر الخفي لسياسات الولايات المتحدة. فاللكمة كانت قوية وهي أرسلت إشارات تأديب لكل المرجعيات الأميركية التي تتصرف عادة من دون انتباه للمعايير ومن دون اكتراث لمصالح القوى وما تمثله من حساسيات موضعية في أمكنة عملها. ويرجح أن تبدأ حملة التعرية تعطي مردودها لكونها شكلت خطوة في سياق تلقين الدبلوماسية ذلك الدرس العنيف وتطويع أسلوبها في التخاطب مع الآخر.
الوثائق ألقت الضوء على نهج الاستخفاف الذي كانت تعتمده الدبلوماسية الأميركية في التعامل مع المصادر والأصدقاء والخصوم. وهذا النوع من التكبر الذي لا يمكن وصفه إلا بالتعالي على العالم أصيب بضربة موجعة ويتطلب فترة لا بأس بها حتى يتكيف مع واقع يفترض أنه أخذ يتشكل ضد الطريقة الأميركية في أخذ المعلومات ونقلها وتسريبها والبناء عليها.
التقليل من القيمة التوثيقية للأوراق المسربة ليس مهماً لأن النتائج المترتبة عن نشر تقارير الدبلوماسية الأميركية وفضحها تجاوزت إمكانات الاحتواء واستيعاب الإضرار الناجمة عن عاصفة التعرية. فالآن ستصبح أكثر تواضعاً وأقل حشرية وأقرب إلى التحفظ في كتابة التقارير وبث المعلومات والتسابق على الوشاية والتسرع في إصدار المواقف والأحكام واختلاق الأكاذيب واختراع الأزمات من دون رادع يقنن قنوات التسريب وشبكات المخابرات وشركات الأمن المكلفة بالمهمات الخشنة والقذرة.
هذا الاحتمال لا يمكن استبعاده حتى لو بقي في إطار الفرضية. فما حصل ليس بسيطاً على تواضعه لأنه هز الثقة وزعزع تلك الثوابت التي اعتادت الدبلوماسية الأميركية على اتخاذها وسائط جمع المعلومات من كل حدب وصوب وبثها إلى قنوات تدّعي المعرفة والوصاية على الشعوب والدول. وهذا النوع من العمل في عالم افتراضي يحصد كميات هائلة من المعلومات تحتاج دائماً إلى رصد ومتابعة لفرز الغث من السمين حتى تكون موادها وخلاصاتها قابلة للتصديق والهضم. والدبلوماسية الجاسوسية (الاستفسار والاستفهام) التي تأخذ بها السفارات الأميركية في العالم بوصفها شبكات ترفد أجهزة المخابرات بالمعلومات الأولية والتقديرات المبدئية يرجح ألا تستمر في عملها وفق الأنماط التقليدية والشائعة، لأن الصفعة التي وجهها موقع «ويكيليكس» كانت عنيفة إلى درجة يصعب عليها استئناف تقصي الأخبار بالوتيرة السابقة ومن دون تعديل في أسلوب المنهج وطرح السؤال على المتلقي.
هناك فوضى دبلوماسية تحتاج من واشنطن إعادة هيكلة حتى تستقر على قواعد جديدة في التعامل والتعاطي والتحصل على المعلومات أو وجهات النظر من أطراف مختلفة ومتخالفة على المسألة الواحدة. وتنظيم الفوضى يحتاج إلى قنوات أكثر ذكاء وتتمتع بخبرات لا تتجاوز حدود اللعبة وما تفترضه من قواعد الاحترام المتبادل الذي يبدو أن الدبلوماسية الأميركية تتجاهله في تقاريرها ما جعلها تقع في مصيدة «ويكيليكس».
عدم الاحترام والاستخفاف بالآخر والتلاعب بالمصالح والتذاكي على مختلف الأطراف وتجاوز قواعد اللعبة والاستعداد للبيع والشراء كسباً للمعلومات كلها أوراق نجح موقع «ويكيليكس» في حرقها ما ساهم في كشف الدبلوماسية الأميركية وفضحها أمام القريب منها والبعيد عنها. وهذا النوع من التعرية السياسية يحتاج إلى وقت للترميم والتعديل وإعادة تسخين مصادر التلقين والتموين، حتى لو نجحت الحملة المضادة في احتواء الأضرار نسبياً مستفيدة من تقاطع المصالح بين واشنطن والدول المعنية.
السؤال الأخير ليس هنا وإنما التساؤل عن مدى استفادة الدبلوماسية من اللكمة وهل هي مستعدة للتغيير في الأسلوب والمنهج؟ المؤشرات تذهب للتأكيد على التمسك بما هو متعارف عليه في عالم الدبلوماسية الجاسوسية وذلك لسبب بسيط وهو أنها لا تمتلك البديل في الحصول على المعلومات والمعطيات التحليلية ووجهات النظر إلا بالعودة إلى الطريقة السابقة مقرونة بإجراءات تقنية تحدث وسائل الجمع والتقطير ولا تغير معرفة تأسست على تقاليد اللصوصية.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 3009 - الأربعاء 01 ديسمبر 2010م الموافق 25 ذي الحجة 1431هـ
هناك من يترزق خلف الشبكة العنقودية .. أصبح الإبتزاز من ذوي الإعاقات الفكرية
يمتاز يعبون غائرة حمراء من وذو رائحة نتنه وأخذ يترزق من الشبكه العنقودية وأخذ يتابع الأعمدة ويطبع المقالات ويرش عليها بعض من البهارات ويتودد لبعض المسئولين ويقول إن هذا المقال يخص فلان وعلان وبهذه الطريقة تم تكريمه برتب ودرجه وهذه النوعية لا تزال ترتع ولو أنها عديمة الإنتاجية ولكن أصحاب الإعاقات الفكرية أصبح لهم مصدر رزق ولكن نسأل الله أن يبتليهم بم عجز عنه الطب وأن يطلبوا الموت فلا يجدوه ,,, تلك الشاكلة أخذت تربط القصص الخيالية بم يتلائم مع شهوانيته الغير محدودة