يختلفُ البشرُ في لغاتِهِم وألسنتهم. ثم إنهم يختلفون في أفهامهم أيضاً. هذه سُنَّة في حياتهم. وربما هي في الأصل سليقة البشر منذ أن خُلِقوا على هذه البسيطة، فهي إحدى الطبائع التي سَكَنَت نصوصاً أرضيّة وسماوية بالسواء. ولكن ما ليس بِسُنّة ولا بسليقة هو أن تختلف مراتب حقوقهم (البشر) وجِراحهم ومنزلتهم حتى رغم تساويهم في الفعل ذاته (حسب الصلاحيات الممنوحة للرئيس الأميركي فإنه يستطيع تغيير صفة الجُرم!).
ما أعنيه هو أن يكون الفقير له تعريف في جمهورية النَّيْجَر، وذاته له تعريف آخر في الولايات المتحدة الأميركية والشمال الأوروبي الثري. فقيرُ النَّيْجَر يُعرَّف على أنه «مَنْ لَمْ يستطع توفير الحد المطلوب من السُعرات الحرارية التي تجعله قادراً على البقاء على قَيد الحياة» لأنه في فقر مُدقع ومُزْرٍ. أما الفقير الأميركي والأوروبي فيُعرّف على أنه فقير الرفاهية الذي لا ينال في يومه ما يناله أبناء الذوات والميسورين في ملاهي الليل، أو في أكل الوجبات السريعة!
مَثَلٌ آخر أسْتَقيه من وصف الضحايا وما يُرَى فيه من فُحْش التمييز الذي تشيب له الولدَان. في العراق وفلسطين وأفغانستان لا يُنعَت الفرد على أنه ضحية إلا إذا لَقِي حَتفَه مُفَصَّداً بمبضع الظلم. أما في السويد والنرويج وهولندا بل وفي العالَم الأول بأسره فيكفي أن يُوصف الواحد على أنه ضحية بمجرّد تعرّضه لتجريح من أحدٍ ما في الشارع أو حين يتعرّض لسرقة كلبه المُدلّل فَتَبْيَضّ عيناه عليه من الحزن. وما بين الضّحيَّتين سعة بحجم السماء.
لك أن تتخيّل أن كل ضحيّة من ضحايا حادثة لوكربي الذي اتُهِمَ فيها الليبيون تقاضى ذَوُوه مبلغ عشرة ملايين دولار. في حين لم يتقاض ذوو الرجل الأفغاني ماراش آغا الذي قتله المُجنّد الأميركي جيرمي مورلوك (بعد أن حَرَقَ جثّته بقنبلة) ولا دولاراً واحداً. كذلك الحال بالنسبة إلى فتاة المحمودية عبير الجنابي (15 عاماً) والتي اغتصبها وقتلها ثم أحرقها المُجنّد الأميركي ستيفن دالي غرين ومعه زهاء خمسة عشر جندياً أميركياً. هذه هي المفارقات التي يجب أن تَحلّها العدالة، وهي في حقيقتها أمور باتت تقلق العالَم بسبب تحوّلها إلى نهج ونسق.
قبل أشهر أعلنت جامعة أكسفورد البريطانية أنها خصّصت مِنحة دراسيّة بقيمة 6600 دولار لدراسة الفلسفة، بكلّية كوينز التابعة لأكسفورد، باسم مواطنة من الشرق الأوسط قُتِلَت أثناء مظاهرة، لكننا نتساءل لماذا لم تُسمَّ المِنحة باسم المواطن العراقي بهاء موسى الذي قتلته القوات البريطانية في البصرة بعد أن عذبته لمدة 36 ساعة؟!، أو باسم الطالبة اليابانية التي اختُطِفت واغتُصِبت من قِبَل الملازم في الجيش الأميركي تيرون هادنوت في جزيرة أوكيناوا؟ أو أن تحترم التاريخ على أقل تقدير، فتغسل أدران العنف البريطاني القاسي عبر إعادة الاعتبار لشهداء تولبودل في ويزلي، والذين لم يطمحوا في أكثر من تأسيس اتحاد للعُمّال المُزارعين، حتى يتساوى الشعار مع الشعور في بلد يعتبر موضوع الحريات واحترام حقوق الإنسان أمراً أساسياً في مفهوم الدولة والمجتمع.
ليس لدى الغرب مشكلة حين يُعيِّر الآخرين بقمع حرية التعبير ويُغَلِّظ عليهم العصا، لكنه لا يتورّع في أن يعزل نائب رئيس مديرية سانت جنوب غرب فرنسا برونو غيغ لانتقاده إسرائيل. نعم... لديه مشكلة حين يُقبَض على جاسوس إسرائيلي في بلد عربي (خصوصاً إذا كان من غير المسلمين) لكن لا مشكلة لديه حين يحاكِم الجاسوس الصيني في الولايات المتحدة تشي ماك بتهمة العمالة لبلد خصم. وليس لديه مشكلة أيضاً في أن يستخدم جورج بوش (الابن) حق النقض ضد مشروع الكونغرس الخاص بقانون للإنفاق العسكري في العراق مرتين في أقل من سنتين لكنه يجد عكس ذلك في قرارات تشريعية قد تتخذها البرلمانات أو الرئاسات في دول أخرى حتى ولو كانت تلك الدول حليفة. إنها حقاً مفارقة تحتاج إلى نظر.
خطأ العدالة الدولية والقوى الغربية أنها تميل إلى وازِن القوّة أكثر من غيرها. وأن اشتباك المصالح والقيم لديها قد وصل إلى حدّ التماهي. هذه هي القضية الأم. ليَعلَم الغرب أننا كشعوب عربية ومسلمة ليس لدينا مشكلة متلازمة مع عنوانه الأعم كـ «غرب». كلا. نحن لا ننظر إلى الأمور بهذه الكيفية رغم أن الفِعْل الأميركي طيلة العقود الثلاثة المنصرفة (في منطقة الخليج) وحدها قد دفع بذلك، واقتنع به كثيرون. لكن الأكيد والمؤكّد هو أننا لا نريد أكثر من أن نجد أنفسنا متساوين معه في الحقوق واحترام الخيارات. ولا نريد أكثر من أن تكون منطقتنا خالية من الحروب ومن تصفية حسابات هي في الأصل أكبر منا. هذه هي القضية التي تشغل الجميع.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3004 - الجمعة 26 نوفمبر 2010م الموافق 20 ذي الحجة 1431هـ
!!!
و أسنان المشط لم تعد كما تظنون متساوية !
علامة تعجب
تدعو الولايات المتحدة الى تطبيق القرار 1701 في لبنان وترفض تطبيق القرار 242 في فلسطين وكلاهما قراران صادران من هيئة الأمم المتحدة!!!!!!!!!