العدد 3002 - الأربعاء 24 نوفمبر 2010م الموافق 18 ذي الحجة 1431هـ

زيارة مبارك للبحرين: أخوة دائمة وصداقة متجددة

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

تمثل زيارة رئيس جمهورية مصر العربية الرئيس محمد حسني مبارك لمملكة البحرين علامة مهمة في العمل الدبلوماسي والتفاعل السياسي بين ملك مملكة البحرين جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة والرئيس محمد حسني مبارك، ذلك لأن مصر والبحرين ارتبطتا بعلاقات وثيقة، وكانت مصر ليس فقط من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال البحرين، وأقامت علاقات دبلوماسية كاملة معها منذ العام 1971، بل إنه يمكن القول إن هذه العلاقات اتسمت بثلاث سمات رئيسية عبر مسيرتها:

الأولى: إنها علاقات رفيعة المستوى، حيث الزيارات المتبادلة على أرفع المستويات من حين لآخر، وفي لحظات تتعرض لها أي من الدولتين لمخاطر أمنية أو سياسية تكون قيادة الدولة الأخرى سباقة في تأكيد عملي للتضامن معها من خلال الزيارات وغيرها من مظاهر الاتصالات والأعمال.

الثانية: إنها علاقات يمكن وصفها بأنها «خالية من المشاكل والأزمات» فليست هناك أية خلافات سياسية أو غيرها بين البلدين.

الثالثة: إنها علاقات ليس فقط عميقة على المستويات الرسمية بل وأيضاً عميقة على المستوى الشعبي المتعدد المستويات من تبادل ثقافي وإعلامي وسياحي وتعليمي وخبرات قضائية ودبلوماسية وأكاديمية وأمنية وغيرها. ويتعمق المستوى إلى العمل الشعبي غير الرسمي من خلال جمعية الصداقة المصرية البحرينية برئاسة الوزير والقانوني المشهور مفيد شهاب.

من هنا نقول إن هذه العلاقات لها تميز خاص من بين علاقات الدول، بل إنها نشأت قبل استقلال البحرين، حيث بدأت البعثات التعليمية المصرية للبحرين منذ أواخر العقد الثاني من القرن العشرين.

بعبارة أخرى إن هذه العلاقات اعتمدت أهم أداة من أدوات القوة الناعمة في علاقات الدول فيما بينها، وهي الأداة التعليمية والثقافية والإعلامية. ويروي كبار السن من شعب البحرين ومثقفيها قصصاً تستحق التسجيل حول دور المعلمين المصريين ودور الصحف والمجلات المصرية في منتصف القرن العشرين في إثراء الفكر والوعي السياسي والثقافي في البحرين، وان هذه الصحف كانت أحياناً تهرب عن طريق الهند إلى البحرين في ظروف مرحلة ما قبل الاستقلال وبروز المد القومي العربي. ولكن مجلات غير سياسية مثل الرسالة للأديب المشهور أحمد حسن الزيات، وكتابات فكرية مثل كتابات طه حسين وسلامة موسى والعقاد، بل وأيضاً علماء متفتحين كانوا هم رواد النهضة المصرية والعربية الحديثة أمثال رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وطنطاوي جوهري وغيرهم أثروا الفكر الأدبي والسياسي والثقافي في البحرين.

ولقد كان من حسن الطالع أن جائزة وزارة الإعلام والثقافة للعمل الصحافي التي رعتها الوزيرة المثقفة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة حصل عليها صحافي مصري متفوقاً على العديد من الصحافيين المصريين والعرب ومن البحرين الذين تقدموا لنيل تلك الجائزة. كما أن إحدى الجوائز المهمة، وهي جائزة يوسف علي كانو التي حصل عليها منذ بضع سنين المفكر الإسلامي محمد عمارة، وفي العام نفسه قرر مجلس إدارة الجائزة منح الباحث السياسي المصري محمد نعمان جلال شهادة تقدير لمؤلفاته المتعددة، وهذا التقدير تفوق قيمته الأدبية الكثير من الجوائز المادية.

نقول ذلك للتدليل على عمق الصداقة البحرينية المصرية وتجذر الأخوة بين البلدين وتفاعل ثقافتهما وفكرهما، وهو الأمر الذي رعته باقتدار وحكمة قيادة الدولتين.

ولقد عقدت جمعية الصداقة المصرية البحرينية اجتماعها السنوي منذ بضعة أيام في القاهرة برئاسة مفيد شهاب وشارك فيها نخبة من المفكرين والباحثين والقانونيين المصريين، ومن بينهم أمين عام الجمعية مجدي متولي، ونتطلع في الوقت نفسه لقيام المثقفين والسياسيين البحرينيين بإنشاء جمعية صداقة بحرينية مصرية لتواكب أنشطة نظيرتها على الساحة المصرية. وإنني أجد في كتابات كثير من الصحافيين والكتاب هوى مصرياً واستمراراً للتعبير عن البعد القومي العربي ورائده الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.

الصداقة تزيد الرخاء ازدهاراً، وتخفف من شدة المحنة من خلال تقسيمها وتقاسمها، كما ذكر بحق المفكر والفيلسوف الروماني شيشرون، وكما اقتبس ذلك باقتدار وحكمة رائد الدبلوماسية البحرينية وعميدها نائب رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ محمد بن مبارك في كلمة له منذ أيام أمام جمعية الصداقة الأميركية البحرينية.

إن الاتصالات المتجددة بين البحرين ومصر تتعمق مع مرور الأيام، وهي لا تواجه كما ذكرت أية مشاكل، ولعلني أشير إلى مشروع فكري رائد للمفكر البحريني العربي البارز محمد جابر الأنصاري وإلى أحد إصداراته المهمة بعنوان «تحولات الفكر والسياسة في المشرق العربي: مصر ومحيطها العربي» والذي صدر منذ سنوات قلائل وحظي باهتمام كبير في معرض القاهرة الدولي للكتاب وتم تكريم مؤلفه محمد جابر الأنصاري بأرفع الأوسمة الأدبية في المعرض.

إن الصداقة والأخوة المصرية البحرينية متجذرة ومتجددة وهي بمثابة نموذج لعلاقات الأخوة والصداقة العربية الإسلامية، وهي تعتمد العقلانية والحكمة والاعتدال في قضايا السياسة والدين، وفي الانفتاح الاقتصادي، والحرية الاقتصادية، وفي الثقافة والأدب، ولقد تحاورت مع بعض مثقفي مصر ومنهم صلاح فضل ويحيى الجمل وغيرهم، ووجدت لديهم حباً عميقاً للبحرين، وتقديراً لكتابها ومثقفيها وأدبائها، ولعل الثقافة هي الركيزة العميقة للسياسة، والبذرة المتجددة الإنبات والإثراء، لتجربة خصبة هي علاقات البحرين ومصر.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3002 - الأربعاء 24 نوفمبر 2010م الموافق 18 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً