العدد 3002 - الأربعاء 24 نوفمبر 2010م الموافق 18 ذي الحجة 1431هـ

الوجود البحريني في العراق

على رغم رسوخ ظاهرة الهجرة العلمية في عمق التجربة التاريخية لبلد صغير ومهم بموقعه وإرثه الثقافي والإنساني كالبحرين إلا أن المقاربات البحثية لهذا الموضوع تكاد تكون غائبة تماماً عن اهتمامات الباحثين والدراسات التاريخية.

من الصعوبة أن نقطع بتاريخ محدد للهجرة البحرينية للعراق، وخصوصاً أن العراق يضم المراقد الدينية لعدد كبير من أئمة المذاهب الإسلامية، كما أن الهجرة كانت لها منطلقات سياسية واجتماعية بعيدة عن البواعث الدينية البحتة، فقد هاجر من أهالي البحرين في أوائل القرن الثالث الهجري واستوطنوا في العراق لأغراض الزراعة، ومن هؤلاء «آل بوطبيخ» من السادة العلويين، حيث هاجر إلى العراق من الأحساء الأخوان سيد مهدي وسيد هادي ووفدوا العام(1214هـ - 1799م)على شيخ الخزاعل وأقاموا عنده وتكونت من سلالتهم عشيرة كبيرة كما يذكر المؤرخ الإيراني رسول جعفريان.

وتشير بعض الدراسات إلى أن هجرة واسعة حدثت في خوزستان إلى العراق حاملةً معها بذرة «التشيع»، كما حدثت هجرات عربية كثيرة في هذه المنطقة فقد هاجر بعض أهالي البحرين والأحساء إلى خوزستان ويعرفون اليوم باسم «البحارنة» و»الحساوية».

وفي القرن الثالث عشر الهجري نشط العديد من علماء البحرين في العراق رغم ترددهم على إيران، ونظرة عابرة على سيرة العلماء كما أوردهم آغا بزرك الطهراني في (الكرام البررة) تؤيد وجود نسبة كبيرة من علماء البحرين ممن يحملون ألقاباً مناطقية بحرينية من قبيل: «الخطي» و»التوبلي» و»الماحوزي» و»العصفوري» و»الشوبكي» و»البلادي» و»الغريفي» ناهيك عن لقب «البحراني» الذي كان من الألقاب المميزة لعلماء القرن الثالث عشر.

ويشير «جعفريان» إلى أنه في العام 1957 كانت الحوزة العلمية في النجف الأشرف تحتضن نحو 20 طالب علم شرعي من البحرين والقطيف والأحساء و47 من سوريا ولبنان و71 من الهند وكشمير و324 من هضبة التبت و320 من العراق و896 من إيران، لكني أميل إلى ما ذكره لي في لقاء خاص السيد جواد الوداعي الذي كان متواجداً في هذه الفترة في العراق حيث أشار إلى وجود نحو 60 عائلة بحرينية كانت مقيمة في النجف الأشرف.

لقد كان طلاب العلم البحرينيون يساهمون بقسط وافر في الحركة الثقافية والعلمية والأدبية، من خلال علاقاتهم الإنسانية وروابطهم الأخوية المتينة مع زملائهم الطلبة من شبه الجزيرة العربية (القطيف والأحساء) وإيران والعراق وجبل عامل، كما ساهم الكثير من خريجي كلية الفقه البحرينيين في وضع الكثير من الأطروحات العلمية والدراسات الأكاديمية في تفاعل حي ونشط مع المناخ الثقافي المنتعش وقتها. فقد قدم الشيخ حسن المالكي أطروحة عن حياة الشيخ يوسف العصفور، وقدم السيدسعيد السيدجواد الوداعي تحقيقاً لرسالة الرضاعية للشيخ حسين العصفور وقدم العشرات غيرهم أبحاثاً فُقد الكثير منها ولايزال بعضها يسفو عليه غبار الإهمال.

وارتبط الشيخ عبدالحسين العصفور بعلاقة صداقة متينة مع الكاتب والمفكر اللبناني الشيخ محمد جواد مغنية، وقرأ القاضي الشيخ أحمد العصفور في محافظات العراق المختلفة مجالس عزاء، ووضع الشيخ سليمان المدني كتابه (الاجتهاد والتقليد) وهو في النجف الأشرف، كما ربطته علاقات حميمة ومتينة في الوسط العلمي والحوزوي من الطلبة والعلماء ورموز الحركة الإسلامية بالعراق أمثال السيدمحمد باقر الحكيم والسيدمهدي الحكيم.

لقد انصهر علماء البحرين في المشهد العلمي والأدبي والاجتماعي في النجف، وصاروا عنصراً أساسياً من مكونات هذا المشهد الغني، فكانوا طلاب وأساتذة، وكما كانوا يأخذون العلم كانوا أيضاً معلمين ومربين لجيل واسع من طلبة الحوزة العلمية متعددي الأعراق والقوميات والأوطان في أسلوب فريد يتيحه طبيعة النظام التعليمي المعروف في الوسط الحوزوي.

وقد أنجز السيدجواد الوداعي تحقيقاً للكتاب الفقهي المعروف «سداد العباد ورشاد العبّاد» عبر فريق عمل ضم أبناءه وتحت إشراف مباشر من الشيخ محمد أمين زين الدين (1914 - 1998م) وهو مرجعية دينية بحرينية، حيث وُلِد في محافظة البصرة، وانتقل إلى المحمرة، ثم استقر في النجف الأشرف وتوفي فيها. وكثيراً ما كانت الصلات الإنسانية والاجتماعية تشتد وتتعزز بين الأسر والعائلات العلمية بالتصاهر عبر الزواج، حتى أن الكثير من طلاب العلم الدراسين في النجف الأشرف ارتبطوا بعلاقات مصاهرة مع عائلات علمية في إيران والعراق وبعض دول الخليج.

وقد ازدهرت مدرسة البحرين ازدهاراً كبيراً بعد ظهور الدولة الصفوية بإيران، وساهم بعض فقهائها بتولي منصب القضاء في إيران الصفوية، أو في البحرين نفسها بعد سيطرة الصفويين عليها. كما تولى بعضهم منصب شيخ الإسلام في تلك المرحلة، أمثال الشيخ سليمان الماحوزي (ت 1121هـ / 1709م) والشيخ عبدالله السماهيجي (ت 1135هـ / 1723م) والشيخ يوسف البحراني (ت 1186هـ / 1772م).

وقد تعرضت هذه المؤسسة الدينية البحرينية لتحديات هددت سلامتها واستمرار وجودها بفعل التحولات السياسية التي كانت تعصف بالبلاد، وحروب راح ضحيتها الكثير من علماء المؤسسة الدينية ما اضطر الكثير منهم إلى ترك البلاد والهجرة كما حصل إثر غزو اليعاربة العمانيين العام (1130هـ / 1718م) حيث تفرق الكثير من أهالي البحرين في بلدان مختلفة في العراق وإيران والهند وشبه الجزيرة العربية غيرها.

إن هذه المنممات التاريخية الصغيرة يتعين على الباحثين والمهتمين تقصيها وتدوينها لأنها جزء من تراثنا وتاريخنا الإنساني والفكري، وهذه السطور ليست إلا محاولة لاستثارة شهية الباحثين لمزيد من البحث الجاد حول الموضوع.

العدد 3002 - الأربعاء 24 نوفمبر 2010م الموافق 18 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً