استمراراً لاحتفالات مجموعة أصدقاء ومحبي الفلسفة بيوم الفلسفة العالمي الذي اعتمدته منظمة اليونسكو الخميس الثالث من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، والذي وافق هذا العام الثامن عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، تم تنظيم عرض لفيلم «المحطة الأخيرة: تولستوي»، وهو الفيلم الذي يتحدث عن السنتين الأخيرتين من حياة تولستوي».
وكان برنامج الاحتفال الذي نظمته مجموعة أصدقاء ومحبي الفلسفة، بدأ مساء الخميس الماضي بقراءة لنص التنوير لـ «كانط» أقيمت بمقهى قلعة البحرين، لتقام بعد ذلك أمسية تحلق الجميع فيها حول رواية «ابن سينا» أو «الطريق إلى أصفهان» لجيلبرت سينويه في مقهى كريب. كما تضمن برنامج الاحتفال ورشة للرسم نظمت تحت عنوان «النص الفلسفي والتشكيل» بصالة الرواق للفنون التشكيلية، فيما اختتم بموعد مع «رسالة العود لأخوان الصفا» وذلك على أنغام عازف العود حسن حداد، وأقيمت بصالة الرواق أيضاً.
ويأتي احتفاء مجموعة أصدقاء الفلسفة بالكاتب الروسي الشهير تولستوي، كجزء من الاحتفال العالمي بالكاتب الشهير الذي يحتفي به العالم بعد مئة عام من وفاته وذلك عبر توفير ترجمات جديدة لروايته الشهيرة «أنا كارنينا» في ألمانيا والولايات المتحدة وإقامة معرض لكتبه في كوبا والمكسيك إضافة إلى عمل عروض لأفلام وثائقية تتناول حياته تقام في جميع أرجاء العالم، ولعل واحداً من أبرز العروض التي تقام هي للفيلم البريطاني «المحطة الأخيرة» وهو دراما سينمائية يلعب بطولتها هيلين ميرين، وكريستوفر بلومر وجيمس ماكافوي. وتروي هذه السيرة السينمائية الطريفة العامين الأخيرين من حياة تولستوي اللذين كانا عاملين حافلين. يشار إلى أن روسيا هي البلد الوحيد الذي لم يوقع اتفاق توزيع مع منتجي «المحطة الأخيرة» يتيح للجمهور مشاهدته في دور العرض الروسية.
يصور الفيلم شجار تولستوي وزوجته صوفيا اندريفنا حول ميراثه الأدبي بإصرار تولستوي على إعطاء حقوق النشر للبشرية جمعاء ومطالبة الكونتيسة بأيلولة العائدات إليها. وبعدما أعياه النزاع على المادة يهرب تولستوي ثم يمرض ويموت خلال رحلته إلى الجنوب الروسي.
الشخصية الرئيسية في الفيلم المُعَد عن رواية جاي باريني هي سكرتير تولستوي الشاب فالنتين بولغاكوف (يقوم بدوره جيمس ماكفوي). وكان تولستوي قد عزف في سنواته الأخيرة عن متع الجسد والملكية ولكن تعهد سكرتيره بمجاراته في تعففه كان، كما هو متوقع، قصير العمر بعد أن تأتي «ماشا» الفاتنة التي تعيش في إقطاعية تولستوي لتحرير بولغاكوف الشاب من بكارته.
وفي مقالة له حول الفيلم، كتب علي الديري «أراد المخرج الأميركي مايكل هوفمان تصوير أحداث الفيلم في ياسنايا بوليانا ـ الفسحة الواضحة ـ ضيعة تولستوي العائلية الرعوية الواقعة على بعد 125 ميلاً جنوبي موسكو. وقال اندريه دريابين الذي شارك في إنتاج الفيلم إن الرغبة كانت قوية في تصوير الفيلم في روسيا «ولكن لم تكن هناك مرافق صحية صالحة ولا بنية تحتية. كانت الفنادق مقرفة. ولم تكن هناك أي ضمانات أمنية للممثلين. وفي النهاية أثبت تصوير الفيلم في روسيا كونه باهظ الكلفة». وتنقل صحيفة «الغارديان» عن المنتج دريابين إشارته إلى «عقبة أعمق مغزى، هي لامبالاة روسيا غير المتوقعة بالعبقري الذي كتب رواية الحرب والسلام، مأثرة تولستوي التي تدور أحداثها خلال حروب نابليون في أوروبا واجتياحه روسيا». ولكن دريابين يفسر عدم اكتراث الروس بالقول إن القرن العشرين «كان بالنسبة لغالبية الروس قرناً فظيعاً، قرنا دوستويفسكيا أكثر منه تولستويا». ويضيف «إن القرن الماضي بتشديده على الظلام والمعاناة كان قرن دوستويفسكي» معرباً عن الأمل بأن يكون القرن الحالي قرن تولستوي».
أبدى فلاديمير ايليج تولستوي حفيد الروائي دهشته بفيلم «المحطة الأخيرة» وهو إنتاج ألماني روسي مشترك بممثلين كلهم تقريباً بريطانيون (كريستوفر بلمر الذي يقوم بدور تولستوي كندي). وتظهر اناستاسيا ابنة فلاديمير ـ طالبة دراسات عليا في أوكسفورد ـ بلقطة عابرة في مشهد احتضار تولستوي. واختارها المخرج مايكل هوفمان بسبب وجهها الروسي. ولكن الناقد هاردنغ يلاحظ أن بعض الكومبارس من الفلاحين الروس على ما يُفترض، يبدون أصحاء أقرب إلى المزارعين الألمان حسني التغذية.
وقال فلاديمير أنه أُعجب بالفيلم الذي يصور الأيام الأخيرة من حياة جده الأكبر واصفاً موسيقى الفيلم بالجمال وأداء الممثلين بالكمال. وأضاف «إن من الصعوبة بمكان إنتاج فيلم عن السنوات الأخيرة من حياة تولستوي. إذ يتعين أن يكون المرء دقيقاً وحساساً. هيلين ميرين لا تشبه صوفيا بالمرة لكن أداءها رائع، كما إن بعض الروس امتعضوا من تلفظ ميرين أسماء الكنية الروسية بلكنة إنجليزية خالصة، وهذا ما أخذه عليها الناقد السينمائي الروسي اندريه بلا خوف في صحيفة «كومرسانت».
يتكون الفيلم الوثائقي البالغ طوله 72 والذي سيُعرض في أنحاء العالم بمناسبة مئوية رحيل تولستوي من شريط سينمائي نادر بالأسود والأبيض صُور في ضيعة تولستوي العام 1908. ويظهر فيه الروائي يركب القطار ويمضي مسرعاً في الأحراش ويوزع الصدقات على الفقراء ـ بوجه ملتحٍ وقامة طويلة يبدو تولستوي أقرب إلى القديس الحي. وفي مشهد من فيلم هوفمان «المحطة الأخيرة» تلتفت الكونتيسة تولستوي إلى ضيوفها الجالسين حول مائدة في الحديقة وتقول: «أو لا تظنون جميعكم أنه المسيح؟ حسناً، إنه ليس المسيح».
يعمل المنتج ديريابين الآن على فيلم آخر بعنوان «ليو تولستوي: عبقري حي»، سيُعرض في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، اليوم الذي توفي فيه تولستوي بعد إصابته بذات الرئة في محطة استابوفو عن 82 عاماً، وفي ذلك اليوم نعت روسيا روائيها ونعاه العالم معها.
العدد 3002 - الأربعاء 24 نوفمبر 2010م الموافق 18 ذي الحجة 1431هـ