أسدل الستار مساء الاثنين الماضي عن مهرجان البحرين الدولي لأفلام حقوق الإنسان في دورته الثانية والذي يحظى برعاية كريمة من عاهل البلاد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وتنظمه الجمعية البحرينية للحريات العامة بمشاركة عشرين مخرجا وممثلا سينمائيا من جميع قارات العالم.

كم هي لحظات مفعمة بالمضامين الإنسانية التي حملتها الأفلام المشاركة في المهرجان والمتقاطرة على البحرين لتصويب عالم انحرفت فيه القيم والمفاهيم، لقد كانت رحلة حول العالم للتعرف على مظاهر الفقر والحرمان والاضطهاد في كل بقاع الأرض.

المشاركون في المهرجان اختلفت بلدانهم وقاراتهم وأديانهم وألوانهم ولغاتهم، ولكنهم جميعا كان يقصدون هدفا واحدا... إنه الإنسان الذي هو الضحية وهو من يدفع الثمن الباهظ دائما لكل الانتهاكات ولكل المغامرات.

وعلى رغم من أن المهرجان كان عبارة عن باقة من الأفلام المتنوعة والمتميزة لكونها قد حصدت جوائز في مهرجانات عالمية، إلا أن ثمة أفلاما قد أثارت على نحو خاص إحساسا بالمشاركة الوجدانية، وأكسبت المتلقي روح «الكينونة» في العمل.

ما كان مثيرا، هو فيلم «فيكتوريا» الذي يتحدث عن سيدة تكتشف تاريخها بعد 30 عاما، وهو «فيلم وثائقي» يحكي قصة أولى المواليد في السجن وكان اسمها فكتوريا بيريز (الشخصية الأساسية في الفيلم) فحين أنجبتها أمها في السجن خرقت أذنها وعملت لها خيوطا زرقاء على يدها لكي تتعرف عليها عندما تخرج من جحيم الخطف والسجن.

وبعد 30 عاما اكتشفت فكتوريا تاريخها الحقيقي وبنت تصورا وثائقيا عن عائلتها وعن الضحايا والجلادين الذين كانوا يعيشون سويّا. ويطرح «فكتوريا» قصة أشخاص مفقودين أيام دكتاتورية الأرجنتين أنهم أشخاص اختفوا فجأة ضمن الأحداث التي كانت سائدة آنذاك ويسلط الضوء على هذه الفئة لكي يرجع هوية الناس وهوية الأرجنتين.

وشارك في المهرجان فيلم إسباني «زهور رواندا» الذي يستعرض قصة العدالة والتسامح، وهي ثنائية صعبة لاتزال الكثير من الدول عاجزة عن كسر حاجز الرهبة حين الاقتراب منها حتى الآن.

ويقول المخرج الإسباني: «إن الفيلم يصور واقع تعايش الضحايا والجلادين وسط ثنائية العدالة والتسامح ونحن نتحدث عن الضحايا وجلاديهم الذين يعيشون في منطقة واحدة بل هم جيران لا تفصلهم سوى عدة أمتار. ويهدف هذا الفيلم إلى توعية الأطفال ليحصلوا على التعليم المناسب لكي لا تتكرر هذه المآسي في المستقبل». مضيفا، في حالة مثل رواندا لا يمكن للضحايا إلا أن يتسامحوا مع جلاديهم بسبب كثرة هذه الفئة.

السينما العراقية العريقة كان لها حيز مهم في المهرجان أيضا، وقد مثلها المدير الفني لمهرجان الفيلم العربي في روتردام انتشال التميمى من خلال فيلم «أيام بغداد» لمخرجته العراقية هبة باسم والذي عرض بحضور السفير العراقي في البحرين غسان حسين.

فيلم «أيام بغداد» يحكي تجربة شابة عراقية ليس على منحى الذاتية المتقوقعة وإنما يصورها الفيلم كواحدة وكشاهدة على مآسي العراق... إنها شابة أجبرها القدر أن تعيش الأحداث الدراماتيكية التي مر بها العراق في العام 2003 حيث تتحدث عن معاناتها سواء من جانب المعاناة التي عاشها معظم العراقيين من حيث النقص الحاد في الخدمات مثل الكهرباء والماء بالإضافة إلى تجربتها كامرأة ضمن هذه التحولات الجذرية التي جرت في المجتمع العراقي.

الفيلم رغم أنه أنجز بإمكانيات متواضعة جدا، لكنه نجح في تصوير آلام وآمال العراق الجديد، إنه العراق الذي يحبو على قدميه بعد زوال دكتاتوريته معلقا الأمل في المطر الذي وعد به بدر شاكر السياب بأن يعشب العراق يوما.

ومن العراق إلى الواقع الفلسطيني ولكن بعدسة غربية هذه المرة، إنه فيلم «طفولة محرمة» الذي يروي معاناة أطفال فلسطين في ظل الاحتلال لمخرجته الايطالية باربرا كوبستي، والبطل الأساسي في الفيلم وهو ناشط حقوقي فلسطيني هو علي أبو عواد اللذين كان لحضورهما وقع صاخب في المهرجان.

وأوضح أبو عواد أن «الفيلم لا يناقش شرعية المقاومة المسلحة، وهو أمر غير مطروح للنقاش، وإنما لفيلم يناقش كيفية المقاومة، وهو يحكي حياة الطفل الفلسطيني في ظل الاحتلال والنظام التربوي الذي يحاول الاحتلال فرضه والمساهمة في بناء شخصية فلسطينية ضعيفة وقمع أي صوت منصف في المجتمع الاسرائيلي، وبالتالي فإن موضوع المقاومة الجماهيرية يكسر ذلك... «إسرائيل» تستطيع أن تحارب كل الشرق الأوسط ربما، ولكنها لا تستطيع محاربة إيماننا بحقنا وشرعية وجودنا».

أما الناشطة القادمة من جنوب إفريقيا فقد جاءت حاملة معها وليدها وهو فيلم «العمات القريبات» الذي يروي معاناة الأطفال المعنفين في جنوب إفريقيا. وأوضحت ثولولي لو أن مشاركتها في مهرجان البحرين الدولي لأفلام حقوق الإنسان «تأتي في سياق توعية الناس بالمواقف التي يتعرض لها الأطفال المضطهدون، ولكي تظهر للعالم أن هناك حقوقا لا يجب أن تهضم، وهذه الحقوق لجميع البشر وخصوصا الأطفال والنساء».

غير أن الحدث الأهم في مهرجان هذا العام هو مشاركة رئيسة الشبكة العالمية لمهرجانات أفلام حقوق الإنسان الناشطة الألمانية أندريه كوهن التي أعلنت عن انضمام مملكة البحرين رسميا للشبكة العالمية لمهرجانات أفلام حقوق الإنسان كأول عضو من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الشبكة العالمية لمهرجانات أفلام حقوق الإنسان التي تضم في عضويتها حاليا 25 مهرجانا حول العالم تعنى بأفلام حقوق الإنسان.

إن رسالة المهرجان تحاكي الوجدان الإنساني... وتمثل صرخات عالمية ولكن من خلال الإبداع السينمائي القائم على نقل المعاناة ولا شيء آخر... إنها صرخات من أجل عالم أكثر عدلا.