العدد 2435 - الأربعاء 06 مايو 2009م الموافق 11 جمادى الأولى 1430هـ

ماذا يريد العرب؟

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

طافت على سطح الخريطة السياسية الشرق أوسطية، منذ مطلع الأسبوع الأول من مايو/ أيار 2009، مجموعة من الأحداث، والتي تشير جميعها إلى أن هناك حراكا سياسيا عالميا/ إقليميا يسعى لطرح مشروع يمكن أن تقبل به الأطراف كافة ذات العلاقة، عالمية من مستوى الولايات المتحدة، أو محلية مثل سورية و«إسرائيل» والسعودية وفلسطين. يدفع المتابع لذلك التحرك إلى الوصول إلى مثل هذه النتيجة، مجموعة من الزيارات الخاطفة المتبادلة بين مسئولين في هذه الدول، وما رافقها من تصريحات متلاحقة أطلقتها عواصم تلك الدول.

هناك الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى دمشق، وتشديد الرئيس السوري بشار الأسد على أن «العلاقة بين سورية وإيران علاقة إستراتيجية... وليست محورا كما يحلو للبعض أن يوحي. هذا النوع من العلاقات هو لمصلحة هذه الدول ولمصلحة الاستقرار ولمصلحة قوة هذه المنطقة.

ورد عليه نجاد مؤكدا موافقته على ما جاء في كلامه بالقول إن «هناك مسئوليات جديدة ملقاة على الشعوب بعد وصول كل ما انبثق عن الحرب العالمية الثانية إلى طريق مسدود، (واصفا سورية وإيران بأنهما) بلدان مهمان ومؤثران في المعادلات الإقليمية والدولية، (مشيرا إلى أنهما) دافعا عن حقوقهما وحقوق المنطقة بشجاعة وبتخطيط دقيق ومناسب في وجه الهجوم الأجنبي وهجوم الدول الكبرى».

وقبل أن تأتي الزيارة الإيرانية على نهايتها، يشد اثنان من كبار المسئولين الأميركيين، هما، القائم بأعمال مساعد وزيرة الخارجية لشئون الشرق الأدنى جيفري فلتمان، يرافقه فيها المسئول في البيت الأبيض دانيل شابيرو، الرحال إلى دمشق في مهمة وصفها المتحدث باسم الخارجية الأميركية «أنها تهدف إلى بحث القضايا الثنائية والإقليمية». وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه هي الزيارة الثانية من نوعها إلى سورية في غضون شهرين، وهو ما اعتبرته الأوساط السياسية ما يشبه الرهان الذي تضعه إدارة أوباما على احتمالات تحسين العلاقات مع دمشق.

على نحو موازٍ حاول وزير الدفاع الأميركي، وهو مدير سابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، روبرت غيتس، أثناء توقفه في زيارة خاطفة للقاهرة في نطاق جولة شرق أوسطية، تشمل السعودية أيضا، طمأنة العواصم العربية من «احتمال التوصل إلى صفقة كبرى بين إيران والولايات المتحدة»، مشيرا إلى أنه بحث مع القيادة المصرية «الملف النووي الإيراني والقضية الفلسطينية الإسرائيلية والأوضاع في العراق».

في الوقت ذاته، تستقبل واشنطن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، حيث يلتقي هذا الأخير مع نظيره الأميركي باراك أوباما، في محاولة لتحريك العلاقات بين البلدين، في أعقاب البرود التي شابها، بعد مجئ هذا الأخير إلى السلطة، ووضع «إسرائيل» المحرج من جراء جرائمها التي ارتكبتها في حربها الأخيرة على غزة. ومن المتوقع أن تكون هذه الزيارة مقدمة لسلسلة من الوفود الأخرى، غير الإسرائيلية، التي ستتقاطر على واشنطن، مثل الرئيسين الفلسطيني محمود عباس والمصري حسني مبارك.

بدوره دخل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، ساحة الحراك السياسي هذه، مبديا حرصه على أن يعزز من قيمة الرقم الفلسطيني في معادلة الشرق الأوسط الجديدة، فقال في مقابلة خاصة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، ونقلها موقع جريدة «الشرق الأوسط» اللندنية، بأن «عناصر الحركة أوقفوا إطلاق الصواريخ على إسرائيل»، فيما اعتبره البعض بمثابة «مد اليد بطريقة محدودة إلى إدارة الرئيس باراك أوباما، وآخرين في الغرب»، متعهدا «للإدارة الأميركية والمجتمع الدولي بأن يكون جزءا من الحل، بشكل نهائي».

يصعب التكهن بشكل علمي عن المسارات التي ستتخذها هذه العلاقات المتشابكة، الثنائية منها والمتعددة الأطراف، لكن المشاهد بقدر ما يلمس وضوح أهداف قوى مثل إيران و«إسرائيل» والولايات المتحدة، بقد ما يلمس بوضوح ضبابية، إن لم يكن تعدد أوجه الأهداف العربية.

ما تريده تل أبيب يتمحور حول العمل من أجل استعادة العلاقات الإستراتيجية المتميزة مع واشنطن التي تضمن لها الحصول على الدعم المالي - السياسي أولا، على أن يترافق ذلك مع ضمان تفوقها العسكري، عن طريق وقوف الولايات المتحدة معها في حال تعرضها لأي هجوم إيراني بشكل مباشر أول بالوكالة، دون أن يلغي ذلك ضمان هذا الدعم، فيما لو تجرأت «إسرائيل» وأقدمت على توجيه ضربة عسكرية خاطفة لإيران، بإيعاز من واشنطن، أو بقرار ذاتي منها.

على نحو موازٍ بوسع المشاهد ذاته، أن يلمس الهدف الإيراني واضحا وضوح الشمس، ويقوم على تركيز طهران على التقليص التدريجي من حدة حالة العداء التي تصاعدت في واشنطن ضد السياسة الإيرانية، منذ أن وضعت إدارة الرئيس الأميركي السابق طهران على رأس قائمة «محور الشر العالمي» الذي وضعت على عاتقها «تخليص العالم منه»، ودأبت على تصعيد حالة العداء تلك بشكل منهجي، مستغلة مسألة «الملف النووي الإيراني» كدريعة تبرر من خلالها إقدامها، لو سمحت لها الظروف، باتخاذ إجراءات ضد طهران، تصل إلى مستوى اللجوء إلى خيار الهجوم العسكري.

في هذا الخضم المتلاطم يضيع الهدف العربي الإستراتيجي، نظرا لعدم وضوحه، أو الأهداف العربية، نظرا لتضاربها إلى درجة التناقض والتناحر. تنتشر الأهداف العربية على وسادة عريضة غير محددة المعالم، تمتد من تلك المحصورة في القضية الفلسطينية، والتي هي أيضا لا تخلو من التناقض، وتعرج على العلاقات العربية - الإيرانية، دون أن تستثني «ملف النفط ومصادر الطاقة الأخرى»، و لا تتوقف عند الحالة العراقية التي تحولت إلى ما يشبه الجرح المفتوح النازف للقوى العربية والمنعكس سلبا على العلاقات العربية - الدولية.

الحالة الضبابية هذه ترفع أمام العرب، حكومات وقوى سياسية معارضة تضع نفسها في خانة البديل التاريخي لما هو قائم، علامة استفهام في غاية الأهمية، تقول: ما الذي تريدونه أيها العرب؟ وفي حال عجز العرب عن الإجابة ، فعليهم أن يدركوا إن نهر التاريخ الجارف، وهو يحفر مجراه، لا يتوقف بانتظار إجابة، ربما لا يسمعها. وعندما يصل نهر التاريخ إلى مصبه، تفقد الحسرة فعاليتها وتضيع معها تأوهات الأسف.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2435 - الأربعاء 06 مايو 2009م الموافق 11 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً