العدد 2998 - السبت 20 نوفمبر 2010م الموافق 14 ذي الحجة 1431هـ

تقدم الصين وتأثيره العالمي والإقليمي... وجهة نظر إفريقية عربية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

في المؤتمر الرابع للدراسات الصينية الذي عقدته أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية، ووجهت الدعوة لعدد من الباحثين الصينيين والعالميين المتخصصين في الدراسات الصينية، كنت الباحث الوحيد من العالمين العربي والإفريقي الذي شارك في المؤتمر، ومن ثم طلب مني المنظمون التحدث في الجلسة العامة الأولى للتعبير عن رؤية العرب والأفارقة للتقدم الصيني.

وبناء على ذلك قدمت حديثي حول العنوان السابق شارحا تطور العلاقات الصينية مع العالمين العربي والإفريقي في ثلاث مراحل كبرى كالآتي:

الأولى: في العصور القديمة، حيث كان هناك اتصال بين الصين والعرب وإفريقيا عبر الطريق البحري الذي تطور في مرحلة لاحقة ليطلق عليه طريق الحرير البحري الذي وصل إلى الإسكندرية عاصمة مصر البطلمية مارا بشرق إفريقيا، ثم طريق الحرير البري عبر آسيا الوسطى وغرب آسيا نحو أوروبا، أوضحت أنه في تلك المرحلة ساد الإعجاب بالصين ومخترعاتها وتقدمها العلمي حتى أن نبي الإسلام محمد (ص) ينسب إليه القول «اطلبوا العلم ولو في الصين». وأشرت إلى أن بعد المسافة الجغرافية وصعوبة الفلسفة واللغة جعلت الإعجاب بالصين لم يتطور لعلاقات وثيقة رغم انتشار الإسلام في الصين منذ عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، كما يؤرخ لذلك المسلمون الصينيون، وكذلك عبر آسيا الوسطى بحضارتها العربية والإسلامية وخاصة في مجالات علوم الفلك والمعمار، لدرجة أن أكبر مراصد الصين القديمة، وأكبر مباني بكين العاصمة، وتسمى «المدينة المحرمة» أو «المدينة الامبراطورية»، شارك في بنائها علماء عرب ومسلمون، كما شارك علماء مسلمون في مقدمتهم الرحالة المشهور ابن بطوطة، وكذلك سفن بحرينية من عمان وخاصة سفينة صحار.

الثانية: خضوع كل من الصين والعرب وإفريقيا للاستعمار الأوروبي ورد فعلهم المتفاوت في التحرر من الاستعمار وإعادة بناء الدولة، وأوضحت أن التأييد المتبادل ساد بين الطرفين، ونقدر مساعدة الصين، ومساندتها لحركات التحرر، وكذلك مساندة العرب والأفارقة لاحتلال الصين لمقعدها الشرعي في الأمم المتحدة.

الثالثة: مرحلة الانفتاح الصيني منذ العام 1978، مما أدى إلى انطلاق الصين لتصبح أكبر دولة نامية، وثاني اقتصاد عالمي، في حين تراجع وضع العرب والأفارقة ودورهم العالمي، فالعرب لم يحلوا مشكلة النزاع العربي الفلسطيني الإسرائيلي، والأفارقة أخفقوا في حل مشاكل الصراعات القبلية في رواندة بوروندي، وفي السودان وفي الصومال وغيرها كما ظلوا متخلفين اقتصاديا وتنمويا واجتماعيا وسياسيا.

أضفت أن الصين نظرت للعرب والأفارقة في مرحلة صعودها، واتجهت لبناء ثلاث مؤسسات للتعاون، وهي منتدى التعاون الصيني الإفريقي، منتدى التعاون الصيني العربي، منتدى التعاون الصيني الخليجي. وأضفت أن العرب والأفارقة يرون الصين قوة صاعدة دولية، وعليها أن تؤكد دورها، وتضطلع بهذا الدور بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن، والدولة الثانية في الاقتصاد العالمي، رغم أنها دولة نامية كبرى كما يقول الصينيون.

واستطردت أن هذا التأكيد للصين لدورها الجديد المأمول يجب أن يسعى لتحقيق وفهم ما يلي:

1 - ان العالم العربي والإفريقي ليسوا فقط مكاناً للنفط والغاز والموارد الطبيعية، بل هم بشر ساهموا في الحضارة، ويسعون للتطور بنموذج جديد، وعلى الصين أن تساعدهم في بناء مثل هذا النموذج.

2 - المساعدة في حل الصراعات ليتسنى التطور بنموذج جديد، وعلى الصين أن تتصرف من منطلق رفض القول بأن العالم العربي حكر على السياسة الأميركية، أو إن إفريقيا ومشاكلها حكر على العالم الغربي، وأضفت أننا لا نطلب أن ترسل الصين قوات أو تتدخل وتفرض نموذجها، وإنما نطلب استخدامها القوة الناعمة بطريقة أكثر وضوحاً وتساعد العرب والأفارقة في تطوير نموذجهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

3 - ان الصين لا يجب أن تتأثر بالدعاية ضد ما يسمى بالإسلام المتطرف، كما أطلق عليه أحد الباحثين، فأنا مسلم ولست متطرفاً، والإسلام ليس متطرفاً، ولكن عناصر تنتمي للإسلام متطرفة، كما أن هناك عناصر مماثلة من الديانات والعقائد الأخرى، وعلى الصين أن تطور نظرتها للإسلام من خبرتها الذاتية، ومن طبيعة علاقاتها مع العديد من الدول الإسلامية وليس ترديداً لمقولات غربية.

4 - على الصين أن تطور علاقاتها عملياً مع الدول النامية وخاصة في إفريقيا والعالم العربي فلا تنظر إليها كمصدر للنفط والغاز والموارد الأولية، ولكن تساهم في تطوير الصناعة ونقل التكنولوجيا لتلك الدول وزيادة استثماراتها في مجالات أخرى، وليس فقط مجالي الطاقة والموارد الأولية، وهذا لصالح الصين وللدول النامية في الوقت نفسه على المدى البعيد.

5 - تغيير نظرة الصين لطبيعة ودور التجارة الخارجية، فالعجز الصيني مع معظم دول العالم المتقدم هو نتيجة حظر تصدير سلع التكنولوجيا المتقدمة للصين من الدول الغربية، ولكن العجز مع الدول النامية مرجعه صعوبة ولوج السوق الصيني، ومن ثم من الضروري إتاحة مزايا تفضيلية للسلع من الدول النامية.

6 - ضرورة الانفتاح الثقافي الصيني على الدول النامية بدرجة أكبر لتسهيل الفهم والاتصالات، وتعميق التعاون الثقافي.

وكررت التأكيد على احترامنا لأطروحة أن الصين لا تتدخل في شئون أية دولة، وتحرص على الفصل بين السياسة والاقتصاد. ونحن نطلب صداقة الصين ونصيحتها المخلصة ودورها النشط، وخاصة بالنسبة لقضية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

إن موقفنا هذا ينبع من الحكمة المأثورة التي تنسب للنبي محمد (ص) بقوله «اطلبوا العلم ولو في الصين»، وهذا العلم يعني الحكمة والفلسفة في السياسة، وفي الاقتصاد وفي العلوم والتكنولوجيا. فتطوير الدول العربية والإفريقية ينبغي أن يكون من أولويات الصين، وهذا ما يجعل الصين قوة دولية متميزة ومختلفة عن القوى الدولية الأخرى، وينبغي أن نتذكر دائماً أن الدبلوماسيين العرب والأفارقة رقصوا في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1971 عندما وافقت على مشروع القرار الذي كانوا يقدمونه سنوياً وتم استعادة الصين لمقعدها الشرعي في الأمم المتحدة.

هذا وقد لقيت الكلمة استحساناً من مختلف الخبراء والعلماء، والمشاركين من الصين ومن الدول الأخرى، وكنت قد بدأت كلمتي بأنني أطلب التحدث لمدة ساعتين على الأقل في الجلسة الافتتاحية وليس ثماني دقائق مثل المتحدثين الآخرين لأنني أعبر عن 53 دولة إفريقية، و22 دولة عربية، وإن هذا يقتضي فترة أطول من أي متحدث آخر، وافتتحتها بتحية الصين والمشاركين باللغة الصينية مما أثار إعجابهم.

والخلاصة أن الصين دولة نامية كبرى، وصاحبة مودة خاصة لإفريقيا والعرب، ولكنها في حاجة للنصيحة المخلصة والصادقة حول بعض جوانب مواقفها وخاصة بالنسبة للقضايا العربية والإفريقية، وهي دائماً ترحب بذلك لتطوير فكرها في إطار من التواضع الصيني والعقلانية الصينية وهذه مسئوليتنا في التعامل مع الصين

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2998 - السبت 20 نوفمبر 2010م الموافق 14 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً