تناقلت، بعد أن يسكب سيرينسيوني عصارة خلفيته العلمية في الفصل الأول من الكتاب، عندما يتناول في فقرات سريعة مكثفة خطوات صناعة القنبلة النووية، ينتقل في الفصول السبعة اللاحقة كي يركز على الجوانب السياسية والعلاقات الدولية التي يفرضها الانضمام، أو محاولة الانضمام إلى النادي النووي. ويحدد في الفصل الرابع «الأسباب الخمسة الرئيسة وراء رغبة الدول بالحصول على الأسلحة النووية هي الأمن، والهيبة، والسياسة الداخلية، والتقنية، والاقتصاد». وينطلق من ذلك كي يحدد المجموعات الثلاث التي تمارس «الأدوار الرئيسة في صنع القرارات النووية: العلماء، والعسكر، وقادة الدول».
لكن قبل ذلك، وفي الفصل الثالث (السباق مع القنبلة)، يسهب سيرينسيوني كثيراً، وبشكل مبرر وغير ممل، في رصد محاولات الإدارة الأميركية« غير الموفقة في الحد من انتشار السلاح النووي»، ولذلك نراه لا يتردد في الإفصاح عن خلافه معه حين يقول «واحدة من نقاط خلافي مع الإدارة الحالية هي أنني لا أشعر ببذل جهد حقيقي في هذا الموضوع شديد الحساسية، ليس فيما يتعلق بالسيطرة على الأسلحة النووية، ولكن أيضاً بنزع السلاح بصورة عامة». لكنه رغم هذا الخلاف، يعتبر سيرينسيوني الرئيس الأسبق للولايات المتحدة جون كينيدي «واقعياً، فقد وازن بين مقترحاته لنزع السلاح، وبين برنامج تحديث القوة النووية الأميركية».
وفي الفصل الخامس، سيرينسيوني يستعين بآراء الخبراء كي يؤكد أن «نظام الحد من الانتشار غير مستقر، (وأننا) سنواجه في وقت مبكر من القرن الحادي والعشرين أربعة تهديدات نووية وهي: خطر الإرهاب النووي... حيث عرف عن بعض الإرهابيين سعيهم الحثيث إلى حيازة الرؤوس الحربية النووية. الترسانات النووية الموجودة، التي تمثل التهديد الأكبر للمدن الأميركية، نشوء دول نووية جديدة (مثل) إيران وكوريا الشمالية، انهيار نظام الحد من الانتشار بأكمله». ويرى سيرينسيوني أن أخطر تلك التهديدات، إنما يأتي من «الجماعات الإرهابية» التي، حسب ما يراه سيرينسيوني «تفضل حيازة رأس حربي نووي، لم يستخدم بعد، عوضاً عن بنائه بنفسها».
ويستعين سيرينسيوني هنا بالكثير من المعلومات التي استقاها من مصادر رصينة موثوقة من أجل إجراء مقارنات تفصيلية بين قدرات الدول التي «تملك الأسلحة النووية»، فنجده في الجدول 5 - 5 يجري تلك المقارنة بين: أميركا، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، والهند، وباكستان، وإسرائيل. ويحتاج القارئ هنا إلى خلفية عسكرية قوية تعينه على فهم تلك المقارنة. يخلو جدول سيرينسيوني من الدول التي تحاول في الآونة الأخيرة الانضمام إلى النادي النووي، مثل كوريا الشمالية وإيران. وربما يعود ذلك إلى أن تاريخ صدور النسخة الأميركية الكتاب (2006) قد سبقت مساعي تلك الدولتين.
ورغم عدم قدرة سيرينسيوني المعروف برصانته العلمية وموضوعيته التحليلية، على الخروج من شرنقة التفكير الأميركي عند معالجة موضوع إيران وكوريا، لكنه يتمتع بهامش واسع من الحرية عندما نصل إلى موضوع الترسانة النووية اليهودية، حيث تعرض إلى «انتقادات كثيرة من المعلقين الإسرائيليين بسبب دعوته إلى وضع الترسانة النووية الإسرائيلية على طاولة المفاوضات في أي صفقة نووية في المنطقة بما في ذلك الحوار الأميركي الإيراني المتوقع».
يخصص سيرينسيوني الفصل السادس برمته للحديث عن «السياسة الأميركية الجديدة»، التي بدأت في العام 1945، عندما اعتمدت الولايات المتحدة «سياسات الحد من الانتشار النووي على مزيج من الاتفاقيات الدولية وأنظمة التحالف والالتزامات الأمنية». ويدخل سيرينسيوني هنا في بعض التفاصيل التي تمس السياسات الأميركية في الشرق الأوسط، فيورد الخطاب الذي أرسلته «مجموعة من الخبراء تحث في الرئيس الأميركي الأسبق كلينتون على القيام بعمل مباشر لإبعاد الرئيس العراقي صدام حسين عن السلطة». وفي هذا السياق يكشف سيرينسيوني الكثير من جوانب الفشل والنجاح اللذين لاقتهما السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، منذ مطلع القرن الواحد والعشرين. ويحدد سيرينسيوني عشرة إخفاقات أساسية في السياسة (الأميركية) الجديدة للحد من الاتشار هي، بالإضافة إلى إخفاقها في العراق: «تأجيج المشاعر المعادية للولايات المتحدة التي أمدت الجهاديين بمجندين جدد، تسريع إيران من وتيرة جهودها النووية (السلمية منها وغير السلمية)، تعجيل كوريا الشمالية بإنشاء برنامجها النووي، سرية السوق السوداء النووية، انضمام دول جديدة تطالب بحقها في حيازة أسلحة نووية، وصول عملية التفاوض لخفض الترسانة الروسية الأميركية إلى طريق مسدود في العام 2002، تشجيع دول جديدة مثل روسيا وفرنسا على تطوير خطط تجعل الأسلحة النووية مكوناً أساسياً من مكونات برنامج الأمن القومي، تزايد احتمالات انهيار نظام الحد من الانتشار النووي بأكمله، سعي دول مثل باكستان وإسرائيل على احتلال المكانة ذاتها التي تحتلها الهند في علاقاتها النووية مع الولايات المتحدة، فشل الولايات المتحدة في تطوير كفاءتها العسكرية، رغم إنفاقها خلال الفترة 2002 - 2005 نحو 50 مليار دولار».
في هذا الفصل أيضاً، يكتشف القارئ تلك العلاقة الوثيقة بين مراكز الأبحاث مثل:
(American Enterprise Institute ) ،(The Center for American Progress). أو مجموعات من أمثال: (Agency Review Teams) و (Policy Working Groups)، ومؤسسات صنع القرارات في الإدارات الأميركية الحاكمة.
يزيح سيرينسيوني نزعة التشاؤم التي تسيطر على الفصل السادس، كي ينقل لنا، كما يتصور هو في الفصل السابع «الأخبار السارة عن الانتشار النووي»، حيث يؤكد سيرينسيوني أنه «في قرابة ثلاثة عقود تحولت الأسلحة البيولوجية والكيميائية من مكونات إساسية لبرامج الدفاع الوطنية للقوى الكبرى، إلى أسلحة شريرة يجب ألا تمتلكها الأمم المتحضرة». لكنه لا يستمر في هذا التفاؤل، فنجده يختم هذا الفصل بفقرة تفوح منها رائحة التشاؤم يقول فيها «يؤكد إخفاق سياسة الولايات المتحدة مع كل من كوريا الشمالية وإيران الحاجة إلى مقاربة جديدة لحل أصعب ثلاث مشكلات نواجهها اليوم: خطر الإرهاب النووي، والخيط الرفيع الفاصل بين إنتاج الطاقة النووية المدنية وإنتاج الأسلحة النووية، وظهور دول نووية جديدة».
ويفرد سيرينسيوني الفصل الثامن كي يأخذ القارئ معه في رحلة حل تلك المشكلات الثلاث. وبغض النظر وافقنا سيرينسيوني على منهجية حلوله تلك، أو مدى قدرتها على التصدي لتلك المشكلات، تبقى هناك حقيقة راسخة، وهي اجتهادات سيرينسيوني التي تجعلنا ننصح بقراءة هذا الكتاب القيم.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2997 - الجمعة 19 نوفمبر 2010م الموافق 13 ذي الحجة 1431هـ