العدد 2995 - الأربعاء 17 نوفمبر 2010م الموافق 11 ذي الحجة 1431هـ

أوباما واستراتيجية الدفاع الأميركية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الغموض الذي خيم على الاستراتيجية الأميركية بعد خروج «تيار المحافظين الجدد» من البيت الأبيض في مطلع العام 2009 بدأت الآن تتضح معالمه العسكرية نسبياً في مرحلة تشهد بداية تراجع (تموضع) وإعادة انتشار للقوات العاملة خارج الولايات المتحدة. ويرجح أن تتبلور الصيغة الشبه النهائية بعد عودة الحزب الجمهوري إلى الهيمنة على قرارات الكونغرس في مطلع العام 2011.

عودة الجمهوري مدعوماً بحزب الشاي الشعبوي الغوغائي تؤكد أن «تيار المحافظين الجدد» خرج من البيت الأبيض فقط واستمر يطور نفوذه في المؤسسات الأمر الذي سيكون له تأثيره السياسي في تعديل بعض توجهات الرئيس باراك أوباما في السنتين المقبلتين استعداداً لتلك المواجهة الكبرى على موقع الرئاسة في خريف 2012.

بين معركة الداخل والخارج ستشهد المؤسسات الأميركية تجاذبات أيديولوجية بين الحزبين سيكون لها انعكاسات على كل الملفات وخصوصاً تلك المتصلة بالاستراتيجية الدولية والعقيدة العسكرية. وهذا التجاذب يمكن رصده من خلال متابعة الخطوات التراجعية (التموضع وإعادة الانتشار) التي باشرتها وزارة الدفاع (البنتاغون) في الشهور الأخيرة.

تلك الخطوات الاستباقية يمكن حصرها في منطقة أوراسيا (أوروبا - آسيا) وهي ممتدة من الهند إلى أوروبا الشرقية وهبوطاً إلى شرق المتوسط.

الإجراءات المتخذة أو تعمل الإدارة على تنفيذها تتركز الآن في خمس نقاط (مربعات). الأولى تشدد على توسيع مظلة «الدرع الصاروخي» من خلال إدخال مناطق مضافة إلى بولندا وتشيخيا تشمل تركيا وبعض دول الخليج العربية. ويرجح أن تنتهي المفاوضات بشأن نشر شبكات الصواريخ خلال السنة المقبلة وقبل نهايتها.

الثانية تعزيز المواقع الأمنية في دول آسيا الوسطى من خلال بناء قواعد ومطارات عسكرية لتأمين خطوط الإمداد وتحصين المواقع الخلفية بغية ضمان أمن تحرك القوات في شريط الأزمات (القوس الممتد من باكستان إلى العراق وما بعده).

الثالثة تطوير العلاقة الثنائية مع الهند حتى تبلغ مستوى الشريك الإقليمي في ضبط الاستقرار في دائرة باكستان - أفغانستان ما يؤشر إلى وجود تعديل في السياسة التقليدية التي اعتمدتها واشنطن خلال العقود الثلاثة الماضية. فإسلام آباد لم تعد تكفي لتلعب دور الوكيل الإقليمي في منطقة مهددة بالانهيار بعد انسحاب قوات الأطلسي من كابول في العام 2014.

الرابعة إعادة تعويم الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» من خلال توقيع اتفاق أمني مدته عشر سنوات. وأهمية هذا التعديل في العقيدة العسكرية أنه يضع القرار الإسرائيلي تحت إشراف أميركي مباشر ما يمنع حكومة تل أبيب من التحرك واتخاذ خطوات أو إجراءات ميدانية قبل استشارة واشنطن. وخطورة المسألة تكمن في دخول أميركا على خط المواجهة العسكرية في حال حصول تصادم عسكري باعتبار أن الولايات المتحدة أصبحت الشريك الاستراتيجي في أي معركة إقليمية.

الخامسة تحديث المواقع (مهابط الطيران، والقواعد، ومحطات الاستراحة) وتحصينها من خلال تعزيز دفاعاتها الجوية والصاروخية لتكون جاهزة للتصدي أو الهجوم في حال حصلت تحولات غير محسوبة تؤثر سلباً على خطوط النفط والآبار والمعابر المائية والناقلات. وتترافق هذه الخطوات مع إجراءات موازية تتعلق بالمهمات الموكولة للأساطيل البحرية العاملة في المتوسط (الأسطول السادس) أو الناشطة في الخليج العربي والمحيط الهندي (الأسطول الخامس) لكون هذه الفرقاطات والمدمرات وحاملات الطائرات تعتبر بمثابة خطوط دفاع متقدمة في المحيطات والمضائق وخطوط التجارة الدولية.

النقاط (المربعات الخمسة) تشكل في مجموعها ملامح استراتيجية أميركية أخذت تتمظهر خريطتها ميدانياً في الشرق الأوسط الكبير الذي يشهد متغيرات ترى واشنطن أنها تحتاج إلى إجراءات استباقية تستوعب ارتدادات محتملة في قوس الأزمات. وحتى تكون الولايات المتحدة جاهزة لاحتواء التداعيات بدأت «البنتاغون» تعيد النظر في العقيدة العسكرية انطلاقاً من استراتيجية دفاعية لا هجومية تتناسب مع ما يمكن أن يحصل من فراغات أمنية وما تتركه من تبعات سلبية على مصالحها الكبرى والعليا.

إعادة الهيكلة تواجه مشكلة الوقت وتسارع الحوادث. فالدرع الصاروخي يرجح أن تنتهي واشنطن من وضع مظلته على فترات متقطعة بين 2012 و2018. وتعزيز وترتيب الشبكة الأمنية في آسيا الوسطى يخضعان لتقلبات في التوازنات المحلية بسبب نمو انقسامات أهلية يصعب التكهن بمسارها الفوضوي في حال امتد المأزق العسكري في أفغانستان وخرج على السيطرة خلال الفترة المتبقية من برنامج الأطلسي وإعادة انتشار قواته المتعددة الجنسية. وخطورة الموضوع فرضت على أوباما التوجه إلى الهند والتأكيد على دورها الإقليمي الخاص في مواجهة الإرهاب وذلك تمهيداً لتطوير عقد الشراكة وتحويله إلى وقائع ميدانية تحسباً لنشوء فراغات أمنية وتوترات حدودية قبل أو بعد العام 2014.

الإجراءات الأميركية تواجه في معظمها معضلة لوجستية تتصل بالتجهيزات واستعداد القوى الإقليمية على تحمل المسئوليات منفردة أو بالشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. وهذه الإجراءات التي تتناسب مع العقيدة العسكرية في مرحلة التموضع تحتاج إلى وقت حتى تكون عناصر القوة الردعية متوافرة في كل الاتجاهات التي تحيط بدائرة أوراسيا.

إلى عامل الوقت والصعوبات اللوجستية، هناك المهمات المطلوب تنفيذها وتحت أي سقف دولي يمكن التعامل عسكرياً مع الأهداف، ما يطرح مجدداً أسئلة بشأن الوظائف المختارة والمتصلة بالاستراتيجية الدفاعية الجديدة. مثلاً ما هي وظيفة «الدرع الصاروخي» وهل تقتصر مهمتها على الدفاع أم الهجوم ومن هو الطرف الذي يقرر الخطوات في الظرفين؟ أيضاً ما هو دور الهند في المرحلة المقبلة وكيف ستتعامل أميركا مع متغيرات غير محسوبة قد تنشأ على حدود دول الجوار وهل ستضطر إلى التخلي نهائياً عن دور باكستان الإقليمي وتأثيره على توازنات القوة في أفغانستان؟ كذلك ما هو دور «إسرائيل» تحت سقف الاتفاق الأمني وهل ستلعب تل أبيب وظيفة الوكيل الإقليمي كما كان حالها سابقاً أم أنها ستكون تابعة (ملحقة) للمشروع الأميركي الكبير الذي يقرأ مصالحه من منظار استراتيجي أوسع؟

الغموض لايزال يخيم على التوجهات والتصورات الأميركية بعد خروج «تيار المحافظين الجدد» من البيت الأبيض، إلا أن المعالم أخذت تتوضح خطوطها العريضة نسبياً بعد مرور نحو السنتين على دخول أوباما إلى مقر الرئاسة. وهذا التبلور الهادئ يمكن أن يتحول إلى تجاذبات عنيفة في حال قرر الحزب الجمهوري تطوير هجومه السياسي على برنامج الحزب الديمقراطي الداخلي مستخدماً بذلك السياسة الخارجية وتلك الآثار المترتبة عن استراتيجية التراجع (التموضع وإعادة الانتشار) في العراق أولاً وأفغانستان ثانياً.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2995 - الأربعاء 17 نوفمبر 2010م الموافق 11 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً