ينظر الكثير منا إلى العمل التطوعي على أنه من أسمى الأنشطة التي يمارسها الإنسان. فهو في نهاية المطاف، وبغض النظر عن التعريفات المختلفة التي تطلق عليه ليس في جوهره أكثر من «تلك الأنشطة الإنسانية التي لا تنتظر مقابلاً لها، بل تنبع من القلب ومن رغبةٍ لدى الإنسان في العطاء والتضحية.
فالتطوع هو تخصيص بعض من وقت الإنسان الخاص من أجل عمل عام عبر التزام ليس بالوظيفي إنما هو التزام أدبي وهو أيضاً تنافس شريف من أجل خدمة أهداف إنسانية ومجتمعية».
وتتنوع أشكال العمل التطوعي، وكذلك أهدافه، فنجدها تمتد من تلك الدينية كي تصل أيضاً، دون أن يكون هناك ما يمس جوهرها، إلى الأعمال السياسية والمهنية.
ويرى الكثير من الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين أن «العمل التطوعي ركيزة أساسية في بناء المجتمع ونشر التماسك الاجتماعي بين المواطنين لأي مجتمع، فمن حيث الحجم يقل في فترات الاستقرار والهدوء، ويزيد في أوقات الكوارث والنكبات والحروب، ومن حيث الشكل فقد يكون جهداً يدوياً وعضلياً أو مهنياً أو تبرعاً بالمال أو غير ذلك، ومن حيث الاتجاه فقد يكون تلقائياً أو موجهاً من قبل الدولة في أنشطة اجتماعية أو تعليمية أو تنموية، ومن حيث دوافعه فقد تكون دوافع نفسية أو اجتماعية أو سياسية».
وفي تاريخنا العربي - الإسلامي هناك إشارات كثيرة إلى تقدير العمل التطوعي كقوله تعالى «فمن تطوع خيراً فهو خير له».
وللعلم لم يعد العمل التطوعي مجرد ذلك الجهد العفوي أو الفردي «غير المدفوع الأجر الذي يمارسه الإنسان، بل أصبح اليوم، وكما نصادفه كل يوم «علماً يدرس في الجامعات والمعاهد والدورات التدريبية للمنظمات الطوعية»، وقد انتشرت حوله الأدبيات وتشعبت.
وكذلك ازداد الاهتمام في العقد الأخير بالمجتمع المدني ومنظماته، ازدادت الإصدارات حوله كتباً أو دوريات.
وفي البحرين، كسواها من المجتمعات المتمدنة (من مجتمع مدني)، عرف العمل التطوعي الكثير من التأرجح بين الإقبال المنقطع النظير عليه، وبين العزوف غير المبرر عنه. وبين هاتين النقطتين المتناقضتين، يمكننا القول بأن هناك إرثاً ناصعاً للعمل التطوعي في البحرين، ولا ينبغي هنا إغفال الحصة التي لا يستهان بها التي تحتفظ بها المرأة البحرينية في ملف العمل التطوعي، حيث يعود التاريخ المدون، للعمل التطوعي النسائي المنظم، إلى الخمسينيات من القرن الماضي.
كذلك لابد من التأكيد على تطور أشكال العمل التطوعي في البحرين، من تلك التي كانت تتم بمبادرات فردية مصدرها التكافل الاجتماعي والنوازع الإنسانية، إلى تلك المؤطرة القائمة على الرغبة في تلبية احتياجات ملموسة نابعة من تطور المجتمع ذاته، والتي يصعب القيام بها بعيداً عن عمل مؤسس يتركز على أسس تنظيمية راسخة وقادرة على الاستمرار والنمو.
ومن أهم الظواهر التي رافقت المشروع الإصلاحي الذي دشنه جلالة الملك، كان تنامي العمل التطوعي في البحرين، انطلاق العديد من منظمات المجتمع المدني بمختلف أشكالها المهنية والاجتماعية، بل وحتى السياسية. وقد جسد ذلك النمو الشواهد الآتية:
1. تشكيل عدد لا يستهان به من المنظمات السياسية أو ذات الطابع السياسي مثل جمعية «وعد»، والمنبر التقدمي، و «الوفاق الوطني»، والمنبر الإسلامي، والعديد من المنظمات السياسية الأخرى التي لسنا بحاجة إلى سردها جميعاً، وأخرى غير سياسية مثل «جمعية المنتدى»، و «جمعية البحرين للإنترنت»، و «الاتحاد النسائي»، والتي ليست هناك ضرورة لسردها جميعاً من أجل التأكيد على حقيقة تنامي عدد تلك الجمعيات التي جاءت مترافقة مع إطلاق ذلك المشروع.
2. ازدياد الأنشطة وتنامي عدد الحريصين على حضورها، سواء من الأعضاء المنتسبين لها، ومن بين صفوف المواطنين العاديين غير المنظمين، حيث عمت البحرين موجة متصاعدة من فعاليات تلك الجمعيات، عرفت، أيضاً حضوراً غير مسبوق، حيث كانت تكتظ قاعات أندية مثل «النادي الأهلي»، والصالات العامة مثل «الصالة الرياضية» بمئات المواطنين الذين كانوا يحضرون بشكل مبكر ويتزاحمون من أجل الفوز بمقعد متقدم يبيح لهم الاستمتاع بسماع ما سوف يقال في تلك الأمسيات التي شكلت في مجملها ظاهرة إيجابية وحيوية.
أما اليوم، وبعد مرور عقد على تدشين المشروع الإصلاحي، يلاحظ تراجع تلك الأنشطة، وتناقص عدد الجمعيات التي واصلت عملها التطوعي، ناهيك عن عزوف المواطنين عن العمل التطوعي. يتمظهر هذا العزوف في أشكال متعددة يمكن رصد أهمها في النقاط الآتية:
1. حضور موسمي في أنشطة الجمعيات، إذ يعترف العديد من تلك المؤسسات بموسمية حضور الأعضاء، باستثناء بعض النشاطات المختارة من تلك التي تقيمها تلك الجمعيات. والحديث هنا لا يقف عند حدود المواطن العادي، بل يمس أيضاً الأعضاء المسجلين رسمياً في الجمعية المعنية.
وعادة ما تكون المشاركة لصالح الفعاليات الاجتماعية على حساب تلك الثقافية، بل وحتى السياسية، باستثناء تلك التي تتناول موضوعات ساخنة، أو تعالج قضايا حية لها طابع تحريضي، أو تثير مسائل ذات طابع خلافي.
2. مشاركة نسبة ضئيلة من الأعضاء في عضوية مجالس إدارات الجمعيات، واللجان المتخصصة المنبثقة منها. فغالباً ما ينتهي الأمر بعدد صغير من الأعضاء تتكرر أسماؤهم بشكل دوري في تلك المجالس واللجان. وكثيراً ما تكرر أيضاً التفسيرات ذاتها التي تحاول تبرير تلك الظاهرة السلبية، بغض النظر عما يحيط بتلك التبريرات من عبارات تجميلية تحاول إخفاء الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك العزوف.
3. تناقص، أو عدم إزدياد، المشاركة الشبابية في العمل التطوعي، وخاصة المسيس منه. لا ينفي هذه الظاهرة مشاركة الشباب في عدد محدود من الجمعيات الحديثة النشأة ذات الاهتمامات ذات العلاقة بالأعمال أو المهن الغاية في التخصص، وهي حالات استثنائية لا تنفي الظاهرة العامة التي نتحدث عنها، والتي تستدعي التوقف عندها ومعالجة أسبابها - للحؤول دون انتشارها وتوسع نطاقها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2994 - الثلثاء 16 نوفمبر 2010م الموافق 10 ذي الحجة 1431هـ
الديمقراطية
الموضوع مهم وهذا حقيقة وضع العمل التطوعي في البحرين وعوض ما تصدر الدولة حوافز تشجيعية للعمل التطوعي مثل الخدمة الاسكانية في اعطأهم الاولوية يصدر قرار بمنع الجمع بين عضوية اي مجلس نادي رياضي وعضوية جمعية سياسية هل هذا من الحرية والديمقرطية .
يقابل صوتك اقبروا العمل التطوعي
انهم يقبرون العمل التطوعي ولعل ما حدث ويحدث للصناديق الخيرية خير تصديق لقبر العمل التطوعي ..
شكرا على هذا المقال
الموضوع في غاية الجمال ولك كل الشكر على طرح مثل هذه المواضيع
ففي الحديث القدسي ان نبي الله موسى عليه السلام سأل ربه يوما فقال (( الهي لو كنت عبدا فماذا تصنع فقال الله يا موسى بعزتي وجلالي لو كنت عبدا لخدمت العباد )) فالعمل التطوعي ان لم يكن مرهون برضى الخالق فلا توفيق له لذلك نحن غالبا ما نغبط العاملين في المجال التطوعي بقيامهم بخدمة العباد ونعتبر هذا التوفيق هم من الله سبحانه وتعالى لذلك نحن كفئة انضممنا الى فرق العمل في جمعية الوفاق الوطني الاسلامية لأننا وجدناها الأقرب في نوايا الصادقة