وأخيراً رَكَنَ العراقيون إلى «شبه» اتفاق. ما جَرَى في جلسة البرلمان «الخمِيْسِيَّة» حَدَّد أوزان الكُتَل السياسية بمفروض الأمر الواقع (فقط) لا أكثر من ذلك ولا أقل. بمعنى أن أوزانها حسب الأصوات المُحَصَّلة في انتخابات مارس/ آذار لم تكُن حاضرة، واستُبدِل ذلك بموازين أخرى تتعلّق بـ «حُجِّيّة» رأي المحكمة الاتحادية في تفسير الكُتلة الأكثر أو الأكبر. وبطريقة التحالفات القائمة بين الكُتل، والعِتَاد السياسي لها، فضلاً عن مواثيق مُرَكَّبة تَرتِقُ الفَتق في ما بينها.
فالقائمة العراقية بزعامة إياد علاوي التي نالت 91 مقعداً في الانتخابات النيابية لم تُعطَ حق تشكيل الحكومة وأعطيت لقائمة أقلّ منها عدداً في المقاعد (دولة القانون - 89 مقعداً). والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة عمّار الحكيم والذي يملك 20 مقعداً (خَلَسْ من التَّنُّور)، في حِين نال تحالف الوسط (جواد البولاني/ السامرائي) حُظوة وهو لا يملك أزيد من عشرة مقاعد! وهو ذات الأمر الذي انسحب على تيار المرجع محمد اليعقوبي والمتمثّل في حزب الفضيلة، الذي تَدَارَك أمره قبل أسبوع ليترك الطوباويّة السياسية للمجلس الأعلى.
هذا كَمَلْمَح أول وبديل عن الأكثريّة العددية. في المَلْمَح الثاني فإن تحالفات الكُتل كانت أمضى حالاً من أحجامها. خصوصاً الكتل التي دَخَلَت في الزّقاق قبل غيرها مُتَحَيِّنَة فرصة الفراغ الذي تركه غيرها في الوقت الذي كانت فيه الكتلة النِّهِمَة على السلطة ترتجي الشيطان لكي تتحالف معه. فأعطِيَت قوائمٌ صغيرة غنائم كبيرة، في الوقت الذي أصبحت قوائم أخرى صَرْفَ خُردة في القِسمة المزبورة عندما استمرأت شجاعة يلُفّها الغباء السياسي بسبب حسابات خاطئة أسَرَّها لها عدد من مستشاريها من غير الحُصَفَاء.
أيضاً، ما جرى في جلسة البرلمان «الخمِيْسِيَّة» حدَّد ميزان القوى الإقليمية الفاعِلة في العراق. مَنْ كَسَبوا الجولة كسبوها عبر مسار طويل ومُعقّد دَخَلَ فيه (وعبر فترات مختلفة) الإيرانيون والسوريون والأتراك والسعوديون وقبلهم الأميركان الذي بات تحالفهم الموضوعي (الذي أكّده من قَبل الرئيس جلال طالباني) مع الإيرانيين واقعاً يتكرَّس يوماً بعد يوم في العراق. تحالفٌ تَراضَى عليه الطرفان بلا تنسيق وعبر ملفات مُجَزَّأة، ومُتَقَاسَمَة بينهما رغم شائكيتها.
وللمفارقة فقد كانت أدوات «الكَسْب» الإيراني غريبة إلى حدٍّ ما حين بَدَأت بفتوى «حائريّة» هَشَّمَت تصلّب الصدريين ضد المالكي، ومرّت بنفِيْر مذهبي داخل الحزام الشيعي العراقي بحجّة الخشية من ضياع السلطة منهم بعد غيابها ثمانين عاماً من بين أيديهم، ثم مقايضات إقليمية لتعزيز الخَيَار عبر خط يخرج من إيران والولايات المتحدة وسورية والسعودية وتُركيا، ثم ارتجاع الجميع صوب نقطة نظام، تحكي توافقاً مباشراً وغير مباشر بين الشركاء.
البداية الأميركية كانت الرغبة في أن تحالف قائمتي «العراقية» بزعامة علاوي، ودولة القانون بزعامة المالكي لتشكيل الحكومة. والبداية (والنهاية) الإيرانية كانت تريد أن تؤول رئاسة الحكومة إلى نوري المالكي مع توابع «تطعيمية» من الفلول الشيعية والكُرديّة. تحوّلت البداية الأميركية إلى ذات النهاية الإيرانية، وتخلّت واشنطن عن دعم علاوي إلاّ من تطمينات لم يُعرَف مدى جدّيتها ولا قوّتها، في حين اكتفى السوريون بحصّتهم عبر النجيفي رئيساً للبرلمان.
خلاصة القول ضمن هذه المُفردة أن الحكومة التي ستتشكّل «لو حُشِيَتْ بالتقوى وقُلِيَتْ بالمغفرة ما كانت إلاَّ بَغِيضَة على حدّ قول الأعراب. بمعنى أن الاتفاق الذي جرى هو لم يكُن كَسْراً لعظم المالكي ولا انتصاراً لعلاوي؛ وإنما هو صيغة سابقة جرى توليفها بطَعمَيْن جديديْن: الأول: هو المساهمة (وليس المشاركة) في الحكومة مع تأجيل المُؤجّل وتعليق المُعلق، والثاني: هو إعطاء المعارضين للمالكي فرصة «المَقْمَقَة» الإعلامية، وهو أشبه ما يكون بالتنفيس السياسي اللازم لكي لا تنفجر فقاعة اللعبة ويسقط السقف على الجميع.
كيف يُمكن فهم ذلك؟ الجواب هو بمتابعة الجزء لفهم الكُل. فما طلبه إياد علاوي لكي يدخل التشكيلة هو أربعة أمور هي: (1) إلغاء قرارات الاجتثاث بحق عدد من قياديي قائمته كصالح المطلق، راسم العوادي، جمال الكربولي وظافر العاني. (2) إقرار قانون استحداث كيان المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية. (3) إقرار قانون للعفو عن المعتقلين. (4) إقرار قانون للمصالحة الوطنية.
ما يهم علاّوي من تلك الأمور الأربعة هما البنديْن الأول والثاني اللذان سيُحدّدان مستقبله السياسي في العراق. أما الثالث والرابع فهما مطالب أغلب الكتل بما فيها الصدريين. مع العلم بأن رئيس البرلمان المنتخب وعندما قرأ تلك البنود (ضمن نص الاتفاق) على النواب في جلسة يوم الخميس لاستحصال التأييد لم يوافقه في ذلك سوى 58 نائباً من أصل النواب الـ 295 الحاضرين، فما عساه أن يحصل عليه من أصوات عندما تحين ساعة الحسم!.
فيما خصّ الأول، فإن موضوع الاجتثاث مرتبط بعقدة دستورية الأمر الذي يستلزم تشريعاً. فالاستبعاد كان مستنداً إلى المادة رقم (6) من قانون المساءلة والعدالة المُرقّم بـ 10 لسنة 2008، وهي مادة تحضر على كلّ مَنْ كان بدرجة عضو في حزب البعث أو منتسباً إلى جهاز الاستخبارات والأمن، وكذلك الأمن الخاص والاستخبارات العسكرية وفدائيي صدام من تسنّم وظائف الدرجات الخاصة والمقصود بها (حسب المادة) مدير عام أو ما يعادله فما فوق.
كما أن المادة رقم (7) والمُفصّل فيها قانون الاجتثاث «تمنع عودة حزب البعث فكراً وإدارةً وسياسةً وممارسةً، تحت أيّ مسمىً إلى السلطة أو الحياة العامة في العراق وتحض على تطهير مؤسسات القطاع الحكومي، والقطاع المختلط، ومؤسسات المجتمع المدني، والمجتمع العراقي، من منظومة حزب البعث تحت أيّ شكل من الأشكال» وعدم إجازة ذلك حتى «ضمن التعددية السياسية في العراق». (يُمكن مراجعة نصوص المادة وتصريحات رئيس الهيئة في ذلك).
وإذا ما عُرِفَ أن «هناك تقاطعات دستورية في الصلاحيات ستحدث في حال تمرير اتفاق الاستثناء في مجلس النواب أو عبر السلطة التنفيذية سيتعارض مع استقلالية القضاء» حسب تصريحات اللامي، وكذلك وجود أكثر من خمسين مادة دستورية لم يُبَت فيها منذ العام 2005 وتعترض عليها القوائم السُّنيّة، فما هو الضامن لعلاوي أن يُستجَاب لرغبته في ظل وجود أغلبية «الكتلة الأكبر عدداً» في البرلمان والتي عَنَتْها المحكمة الاتحادية والتي لم ولن تقبل بالتغيير في ظل وجود ذات المصالح بينها والتي كانت تحكمها طيلة الفترة السابقة.
في الأمر الثاني، وهو المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية والذي قِيل بأنه سيُمنح للقائمة العراقية، فإن موافقة علاوي عليه جاءت بعد تعهّد الرئيس الأميركي أوباما لعلاوي لـ «بذل قصارى جهده مع المكونات العراقية الأخرى لضمان مشاركة حقيقية للقائمة» حسب تصريحات عضو القائمة عبدالخضر الخفاجي. وهو حديث لا يُسمِن ولا يُغني من جوع في بلدٍ كالعراق، لم تُلزِم سياسييه الوثائق المُصدّقة ولا المعاهدات المكتوبة فضلاً عن حديث الهواتف عن بُعد ونمنمات فَضّ المجالس!
كما أن رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني قال حديثاً مهماً حول ذلك المجلس يجب أن يُنظر إليه بتمعّن، وخصوصاً أن بارزاني هو صاحب مبادرة الحلحلة الأخيرة. فالرجل قال «القرارات التي يتخذها المجلس بإجماع أعضائه ستكون ملزمة للحكومة، وما عداها ستكون غير ملزمة». وإذا ما عُرِفَ أن المجلس لم يُعلَم بعد في أمر تشكيله إلى الآن ولا كيفية عمله التنفيذي في ظل حضور وزراء من الحكومة في اجتماعاته، وأشخاص برتبة وزراء ولِمَن ستكون الغلبة العددية فيه، فإن الأمر يعني أنه عصفورٌ فوق الشجرة وليس في اليد!
بل إن روز نوري شاويس (كبير المفاوضين الأكراد) قال «تم الاتفاق على تشكيل المجلس الوطني للسياسات العليا، والذي سيكون مؤسسة أساسية لتحقيق مبدأ حكومة الشراكة الوطنية. وقد تم الاتفاق على أن يؤسَّسْ هذا المجلس بقانون، وأن تكون له صفة قانونية ومعنوية ونظام داخلي لممارسة المهام المناطة به وستكون قراراته مُلزمة في حال تم التصويت عليها بنسبة 80 في المئة» (راجع صحيفة الصباح العراقية بتاريخ 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2010).
وهنا يتبدّى حجم الإيهام بالمنصب وقوّته وصلاحياته. وربما يتضح أيضاً أن القائمة العراقية أدركت (إن لم تتراجع عن المساهمة في الحكومة) أنها أمام قطار سينطلق بعد لحظات، وعليها القبول بالجلوس فيه حتى ولو كانت في العربة الخلفية أو حتى على سقفه المكشوف. ولا أحد يدري هل ستبقى القائمة العراقية على قيد الحياة في هذا القطار أم سيخنقها دخانه حين يَلْفَحُ وجهها، ليبقى المشهد العراقي واحداً في شكله وجوهره.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2992 - الأحد 14 نوفمبر 2010م الموافق 08 ذي الحجة 1431هـ
من أخبار اليوم
تتباين المواقف ازاء مهمة وعمل «مجلس السياسات الاستراتيجية»، وفيما تؤكد «العراقية» ان الاتفاقات نصت على ان يكون المجلس مؤسسة تنفيذية وقرارته واجبة التطبيق، ينفى قياديون في «دولة القانون» ذلك بشد، ويشيرون الى انه مجلس غير تنفيذي وقراراته استشارية تقتصر على تقديم اقتراحات الى القادة الكبار.
دمقراطية العراق ألمحبطةللعرب
انني أسئل الجميع هل مايدور في العراق هو دمقراطية؟ فكيف الى المالكي أن يلف ويدور على القائمة العراقية وهو على علم بأنها الاحق لحصولها على 91مقعد مقابل حصوله 89مقعد ام لأانهم يمثلون الوطنين وباقي شرائح المجتمع العراقي؟ولكن اختصر واقول فماقاله صدام هوصحيح حيث لأتصلح الدمفراطيةالى.....واذا أردة الدليل فقم بزيارة الدول التى تدعي أنهاتحولت الى جمهورية من (الدول العبية)
لترى فيها مايدور من أظتهاد وفقر ويأس وفساد الى أخره :مقابل الحياة التى يعيشها المتسلطون هناك: عندهاستقول الله لأيغيير علينا بالخليج
المالكي هو الرجل المناسب في المكان المناسب
خير كا عملتم ايها العرقيون حيث ان المالكي هو الرجل المناسب في المكان المناسب
بصراحة موضوعك اليوم الاخ محمد يذكرنا برزية يوم الخميس
بصراحة موضوعك اليوم الاخ محمد يذكرنا برزية يوم الخميس ، كما قال ابن عباس : رزية يوم الخميس وما ادراك برزية يوم الخميس .
الخاسر الاكبر
الغريب في الامر ان الخاسر الاكبر هي كتلة الحكيم الذي يعتقد انه بمثاليته سوف يكسب البعثيين والاخوة من اهل السنة الى صفه وهاهم يتخلون عنه ويتركونه لتصريحاته المتشنجة تجاه المالكي . لا اعلم كيف سيرممون العلاقة معه من اجل الحصول على المناسب التي يمكن ان تجعلهم لاعبين اساسيين وليس احتياط
ليش بس 42 وزارة ؟
لو انا منهم خليت الكل يرضى , اسوي عدد الوزارات 100 او حتى 200 وزارة مو مشكلة , المهم كل مجموعة تحصل وزراء ليها في الحكومة , واذا على اسماء الوزارات ما فيه مشكلة , مثلا : وزارة شئون البطيخ , وزارة استزراع الصحراء , وزارة الزي الوطني , وزارة كرة السلة , وزارة الكتب الدينية , وزارة الاسمنت , ......الخ
عنبر أخو بلال
للعلم فان مجلس السياسات الاستراتيجية هو نفسه المجلس الوطني للامن القومي يعني عنبر أخو بلال ما في شيء جديد
هذا هو السؤال
اليوم اعلنت العراقية بانها ستحصل على 12 حقيبة وزراية من مجموع الوزارات وهي 43 وزارة ولكن السؤال من هو القائد العام للقوات المسلحة؟ هل هم الوزراء 12 أم المالكي؟ ومن هو الذي يرأس الوزراء هل هم 12 ام المالكي؟ هذا هو السؤال