خطة التفاهم الأمني التي نشرت الصحف الإسرائيلية جوانب منها ويرجح أن تتعرض للنقاش والتعديل قبل موافقة حكومة الثنائي نتنياهو - ليبرمان عليها تدل في نهاية المطاف على وجود متغيرات مهمة طرأت على العقيدة العسكرية التي تعتمدها «إسرائيل» منذ نكبة فلسطين في العام 1948. الخطة الأميركية - الإسرائيلية لم تتحول إلى رسمية ولكنها في خطوطها العامة تركز على نقطتين: الأولى المخاطر المفترضة التي تهدد أمن «إسرائيل». والثانية مظلة الحماية المطلوب تأمينها أميركياً لدرء تلك التهديدات التي تدّعي تل أبيب أن كيانها السياسي يتعرض لها.
ذريعة الخطر على أمن «إسرائيل» تشكل ذلك المدخل السياسي لتبرير توقيع اتفاق تضمن بموجبه الولايات المتحدة حدود الدولة ومساحتها من التعرض للتهديد لفترة عشر سنوات. والاتفاق المقترح لا ينص على نشر قوات أميركية تقاتل نيابة عن تل أبيب وإنما يعطي ضمانات تؤكد الاحتفاظ بتفوق «إسرائيل» العسكري على دول الجوار وتلبية كل حاجاتها من معدات متطورة تتكفل بحماية أمن الدولة من تلك المخاطر المزعومة.
الاتفاق العسكري في حال توقيعه بين تل أبيب وواشنطن سيكون خطوة بالغة الأهمية على مستوى التعامل الاستراتيجي ورؤية الولايات المتحدة لموقع «إسرائيل» ودورها في المنطقة. فالاتفاق من جانب يرسل إشارة بعيدة تؤكد تراجع وظيفة «إسرائيل» وعدم قدرتها منفردة على الدفاع عن أمنها، كذلك يؤشر من جانب آخر على تورط أميركا في دائرة «الشرق الأوسط الصغير» في فترة تعيد خلالها نشر قواتها بعد الانسحاب العسكري من العراق في نهاية 2011.
بهذا المعنى يصبح الاتفاق العسكري المقترح يلبي حاجة أميركية - إسرائيلية مزدوجة، فهو يعطي تل أبيب ضمانات بالحماية من المخاطر الإقليمية كذلك يتناسب مع الأولويات الجديدة التي ستطرأ على استراتيجية الولايات المتحدة في فترة السنوات العشر المقبلة. فأميركا التي انتقلت منذ تسعينات القرن الماضي من الدفاع إلى الهجوم وأخذت على عاتقها لعب الدور المباشر في المواجهات والتحديات بدأت تخطط بدءاً من مطلع العقد الثاني للقرن الجاري بالانكفاء والتراجع من خط الهجوم إلى الدفاع. وهذا التغيير في التكتيك العسكري يفرض عليها إجراء تعديلات على استراتيجيتها تأخذ في الاعتبار مجموعة احتمالات منها حصول تداعيات غير منظورة في «الشرق الأوسط الصغير» ونهوض بؤر أمنية تهدد أمن النفط وخطوط الإمداد وأنابيب الضخ وسفن النقل.
الاتفاق العسكري المقترح يمثل ضربة استباقية تأتي في سياق التراجع والانتقال من طور الهجوم إلى مرحلة الدفاع، وبالتالي العودة إلى تبني استراتيجية كلاسيكية تعتمد على المشاركة والتنسيق مع الوكيل الإقليمي التقليدي الذي لعب سابقاً وظيفة المواجهة المباشرة نيابة عن أميركا.
العودة إلى الإطار السابق لا يعني أن الولايات المتحدة لن تقوم بتعديلات على طبيعة الدور الجديد للوكيل الإقليمي. فالدور الجديد لن يكون نسخة مكررة بل مطورة تتجاوز حدود الوظيفة السابقة. سابقاً كانت «إسرائيل» تلعب دور رأس الحربة في قيادة الهجمات العسكرية والتوسع والاحتلال بدعم مباشر من الولايات المتحدة. واستمر هذا النشاط الذي كانت تقوم به بالوكالة إلى أن تراجع بعد دخول الولايات المتحدة مباشرة على خط المواجهة مستفيدة من «أزمة الكويت» في أغسطس/ آب 1990.
خلال 20 سنة استقر الدور الإسرائيلي في إطار محدود بعد أن وجد في الانتشار الأميركي قوة حماية ومظلة أمان ما أعطى تل أبيب فرصة سياسية للتهرب من الالتزامات الدولية وعدم الاستجابة لدعوات المصالحة. فالوجود الأميركي عزز القوة العسكرية الإسرائيلية لأنه دمر لها المخاطر المضادة وعزل القوى العربية عن بعضها وساهم في تحسين موقع تل أبيب خلال لقاءات التفاوض التي جرت على تقطع في بعض العواصم الأوروبية أو واشنطن.
استقرار الدور الإسرائيلي على قاعدة تراجع الوظيفة الأمنية الإقليمية بدأ يهتز ويتعرض للضغط بعد ظهور بوادر ضعف في العقيدة العسكرية الأميركية نتيجة فشل الولايات المتحدة في السيطرة على الملفين الأفغاني والعراقي.
الفشل الأميركي فرض على واشنطن إجراء ترتيبات في برنامج الأولويات ما استدعى إعادة النظر في الهيكلية العسكرية وتقويم دور الوكيل الإقليمي التقليدي تحت مظلة حماية جديدة. والاتفاق الذي يراد توقيعه بين واشنطن وتل أبيب يأتي في سياق التراجع ولكنه أيضاً يتعمّد إدخال تعديلات على الاستراتيجية السابقة تتضمن تحسين الموقع الإسرائيلي حتى يستطيع أن يلعب الدور المنوط به في العقد المقبل. وهذا لا يتم من دون إعادة هيكلة وظيفة الوكالة الإقليمية حتى تكون متناسبة لتلبية الحاجات المزدوجة للطرفين.
أميركا تحتاج إلى «إسرائيل» لتلعب دور الوكيل حين يتطلب الأمر ذلك. وتل أبيب تحتاج إلى الولايات المتحدة لتلعب دور المظلة الدولية القادرة على تأمين الحماية في حال تطلب الأمر ذلك. والتعديل الذي طرأ في هذا السياق اعتمد إعادة النظر في مبدأ الأصيل والوكيل باتجاه دمج الوظيفتين في إطار استراتيجي مترابط يتجاوز فكرة الشراكة وتوزيع الأدوار والتنسيق إلى درجة التوحد في المهمات الطارئة أو البعيدة المدى.
التغيير الذي نص عليه مشروع الاتفاق الأمني كشف للمرة الأولى عن وجود تعديل في العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي تراجعت من حدود الاستقلال العسكري (الوكيل الإقليمي) إلى طلب الحماية (مظلة دولية) من الطرف الأميركي استجابة لنمو مخاوف مفترضة قد تنشأ جوارياً بعد إنهاء قوات الاحتلال تموضعها في العراق.
هذا التغيير في العقيدة الأمنية الإسرائيلية مسألة طبيعية، لأنه يأتي بعد تراجع الأصيل الذي اعتمدت عليه خلال العقدين الماضيين وانتقاله من موقع الهجوم (ضربات استباقية) إلى موقع الدفاع (التصدي للغارات). والتراجع الأميركي من الخطوط الأمامية إلى الخلفية تطلب اتخاذ مبادرات تضمن في المستقبل عدم تساقط المواقع وحماية المصالح الاستراتيجية من التعرض للهجمات سواء على مستوى أمن النفط أو أمن «إسرائيل».
ضمانة الاتفاق العسكري لن تقتصر مظلته على الجانب الإسرائيلي (حماية الوكيل الإقليمي) وإنما تشتمل على الجانب الأميركي أيضاً الذي يراهن على تعويم الوظيفة الأمنية للحليف التقليدي بشروط جديدة وبإشراف واشنطن المباشر. والتغيير المذكور يشكل النقطة الأهم في مشروع الاتفاق العسكري لأنه قام بعملية دمج بين الأصيل والوكيل ما يعني أن حسابات ميزان القوى لم تعد تقتصر معادلتها على منظومة الدفاع الإقليمية وتوازن القوة بين العرب و«إسرائيل» بل أصبحت تأخذ في الاعتبار المعطى الأميركي في مظلة الحماية الأمنية.
هذا التطور الاستراتيجي مهم وخطير. مهم لأنه كشف بداية اعتراف إسرائيلية بظهور بوادر ضعف في عقيدتها العسكرية، وخطير لأنه يشكل خطوة في سياق تورط أميركا في تكتيك الدفاع المباشر عن حليفها التقليدي في منطقة «الشرق الأوسط الصغير»، وهذا سيكون له تأثيره في معادلة الحرب أو السلام.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2992 - الأحد 14 نوفمبر 2010م الموافق 08 ذي الحجة 1431هـ
امن الصهاينه
كل الذي يجري انما تحضيرا للحرب القادمه التي باتت قريبه في ضل الهجمه الشرسه والمنسقه التي يقودنها ضد المقاومه الشريفه
أمن اسرائيل
فالاتفاق من جانب يرسل إشارة بعيدة تؤكد تراجع وظيفة «إسرائيل» وعدم قدرتها منفردة على الدفاع عن أمنها،
ها أنت يا وليد نويهض اعترفت بعدم قدرة اسرائيل على الدفاع عن أمنها.
السؤال: من الذي أثبت هشاشة النظام الإسرائيلي هل هو حزب الله أم فريقك المفضل 14 آذار؟ والذين طالما تغنيت بهم