يبدو النموذج الوطني الذي عرض المجلس الأعلى للمرأة تفاصيله في مؤتمره الوطني الأول الأسبوع الماضي مبشراً للغاية، فهذا النموذج إن تم تطبيقه كما تم رسمه سيتكفل بالمساهمة في سد فجوات عديدة تواجه احتياجات النساء في المجتمع في مختلف المواقع من منازلهن، إلى مدارسهن وجامعاتهن، إلى مواقع عملهن.
والنموذج بالمناسبة هو تجربة بحرينية تعتبر الأولى عربياً، وهدفه الرئيسي إدماج احتياجات المرأة في رسم موازنات الحكومة، أو ما اصطلح عليه «موازنات مستجيبة للنوع الاجتماعي». فمثلاً عندما يقر المجلس التشريعي موازنة الإسكان، عليه أن يلتفت وهو يضع الموازنة هل هناك «حساسية» تجاه المستفيدات والمستحقات من النساء من هذه الموازنة، هل حصلت النساء الأرامل والمطلقات الحاضنات على نصيبهن من المنازل كأسر؟ وعندما تقرر وزارة الصحة أن تضع موازنتها لسنة بعينها فعليها أن تلتفت بالضرورة وبرسم القانون مثلاً إلى موازنة تعنى بمريضات سرطان الثدي «قاتل النساء» في هذه السنة، أو احتياجات النساء في فترات الحمل والولادة وما يستجد عليها. لا يعني ذلك انتقاصاً من احتياجات أي فرد من أفراد المجتمع أثناء وضع الموازنة، ولكنه يعني أن على واضع الموازنة أن يلتفت بالضرورة إلى احتياجات خاصة بالنساء فرضتها طبيعتهن «النسائية» ويجب أخذها بعين الاعتبار في مصروفات الدولة.
بحسب النموذج الوطني بيّنت الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة أن وزير المالية بصدد إصدار قرار إداري رسمي يوجب إجراء تعديل في اللائحة لتحول الموازنات في الوزارات من شكلها التقليدي لتصبح موازنات مستجيبة لاحتياجات المرأة والرجل معاً في المشروعات والأنشطة كافة. ونحن بانتظار هذا القرار الذي سيلزم واضعي الموازنة والمشرعين في السلطة التشريعية معاً بالالتفات لاحتياجات لم يكونوا يلتفتون إليها بالضرورة سابقاً.
أما «وحدات تكافؤ الفرص» فكانت إحدى أهم وأبرز الآليات التي وضعها النموذج البحريني وشهدت وزارة التنمية الاجتماعية باكورتها. فهناك دفع من خلال النموذج لكي يتم تعديل الهياكل الإدارية للوزارات والهيئات الرسمية أو إنشاء وحدات جديدة لكي تكفل جميعها تكافؤ الفرص بين الجنسين في التوظيف وفي شئون الموظفين والموظفات. ولا شك في أن هذه الآلية الجديدة عندما يتم تطبيقها في الوزارات والهيئات كافة وتثبت فاعليتها ستكون مؤثرة للغاية على إنتاجية وظروف عمل 42 في المئة من إجمالي القوى العاملة في القطاع الحكومي، وهي النسبة التي تشغلها النساء. ونتمنى أن يكون لهذه الوحدات من التأثير ما يجعلها تستطيع أن تراقب بموضوعية ما يجري في هذه الوزارات لكي تكفل محاربة أي تمييز يقع على العاملات فيها سواء في التدريب أو فرص الترقي وبناء القدرات فقط لأنهن نساء.
لقد وضع النموذج قرينة عاهل البلاد ورئيسة المجلس الأعلى للمرأة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة على رأس لجنة وطنية عليا للمراقبة والتقييم فيما سيتم إنجازه من قبل الوزارات في هذا الشأن، وهي خطوة ذكية تدل على جدية في محاسبة الوزارات ومتابعة ما تقوم به سواء أثناء وضع موازناتها أو خلال مراجعة الحصة المخصصة للبرامج والمشروعات الموجهة للمرأة في الإنفاق الحكومي. وتتضح أهمية هذا البند بشكل كبير؛ إذ تبيّن أن ما تضعه الوزارات من موازنات ليس هو بالضرورة ما يصرف فعلياً، بل إنها تميل في الغالب إلى التضحية بالموازنات التي خصصتها لمشروعات متعلقة بالمرأة عندما تواجه أي عجز في موازناتها.
النموذج الجديد الذي يتوقع أن يأخذ طريقه للتطبيق العملي قريباً سيضع عدداً من المهمات على عاتق الوزارات والهيئات الرسمية. ناهيك عن كونه يضع مسئولية جديدة على عاتق أعضاء السلطة التشريعية الذين يجب أن يتبنّوا نوعاً جديداً من الرقابة على السلطة التنفيذية يتمثل في مراعاة احتياجات 51 في المئة من أفراد هذا الشعب، و مصالح 51 في المئة من المصوتين للنواب الفائزين. ولعلَّ تطبيقه يرسم مرحلة جديدة تتطلب بالضرورة تغييراً لدى المجتمع ولدى واضعي خطط التنمية على حدٍّ سواء في التفاتهن لاحتياجات مخلوق اسمه المرأة
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 2991 - السبت 13 نوفمبر 2010م الموافق 07 ذي الحجة 1431هـ