فيما كان رؤساء دول قمة العشرين في كوريا الجنوبية يواصلون حواراتهم بشأن الإجراءات المطلوبة لإعادة التوازن للاقتصاد العالمي، بثت بعض المؤسسات الاقتصادية المتابعة لسير وتطورات اقتصادات تلك الدول، قائمة ضمت الدول العشر الأوائل من الناحية الاقتصادية، شملت كلاً من «الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والبرازيل وكندا وروسيا».
لمحة فاحصة يلقيها المتابع لوقائع ونتائج قمة الـ 20 التي انتهت أعمالها قبل يومين في العاصمة الكورية، تزوده بالنتائج الأولية السريعة التالية:
1. خلوها من أي اسم لدولة عربية، بما فيها تلك الوحيدة العضو في مجموعة الـ 20، وهي السعودية. وللعلم، ووفقاً لما نشر من أرقام على هامش القمة فإن ترتيب الاقتصاد السعودي، يأتي بعد «الهند (1.4 تريليون) وأستراليا (1.2) وكوريا الجنوبية والمكسيك (تريليون) فإندونيسيا 0.7 تريليون دولار، وتركيا بـ 0.7 تريليون، ثم جنوب إفريقيا والأرجنتين والسعودية، وذلك بناتج محلي إجمالي يقدر بـ 0.4 تريليون دولار». هذا يعني أنه حتى إذا وضعنا الناتج القومي المحلي كالمعيار الوحيد لقياس التفوق الاقتصادي، فإن الاقتصاد السعودي، والذي يعتبر أقوى اقتصاد عربي، يأتي في مصاف دول مثل الأرجنتين وجنوب إفريقيا، وتفصله عن دول مثل الصين واليابان مسافات فلكية ليس هناك ما يستدعي قياسها.
2. ربما يزداد الأمر سوءاً عندما نضيف عوامل القياس الأخرى، المتبعة حالياً عند قياس أداء الاقتصادات العالمية وتصنيفها، مثل مهارات الموارد البشرية، ونسبة انتشار الحواسيب الفردية والهواتف النقالة، والعوامل الأخرى الأساسية في اقتصادات المعرفة، حيث سنجد أن الدول العربية المتفوقة على المستوى الإقليمي تحتل مواقع في أسفل تلك القائمة العالمية، وخاصة عندما تتضاءل مكانة السيولة النقدية، مقابل العوامل الأخرى الأكثر أهمية، وفي مقدمتها حصة صناعة تقنيات الاتصالات والمعلومات في الاقتصاد الوطني.
3. ترفع هذه الحالة الاقتصادية العربية المتردية مقارنة مع دول العالم الأخرى، بما فيها تلك النامية، علامة استفهام كبيرة أمام كل ما تروج له آلات الإعلام العالمية، وتصدقها آلات الإعلان العربية وتسير في دبرها، عندما يصور «الاقتصاد العربي» وكأنه في طليعة الاقتصادات العالمية، ويطالب العالم، بموجب ذلك، الدول العربية، وفي المقدمة منها الدول النفطية، أن تكف عن «الدور التخريبي، أو اللامسئول» الذي تمارسه تجاه الاقتصاد العالمي، وهي مقولات تكرر دورياً، وبصوت عال، أمام أية «أزمة طاقة عالمية».
بعد ذلك نعود لمواصلة قراءتنا السريعة لقائمة الاقتصادات العشرة الأوائل عالمياً، كي نلفت النظر إلى القضايا التالية:
1. رغم أن حجم الاقتصاد الأميركي، وكما تقول تقديرات الأرقام المنشورة «يأتي أولاً على العالم، إذ إن إجمالي الناتج المحلي الأميركي للعام 2010، يبلغ 14.6 تريليون دولار، وتقدر نسبة النمو فيه بـ 2.64 في المئة، وبالتالي فإن إجمالي الناتج المحلي للفرد الواحد تصل إلى 47132 دولاراً». لكن ذلك لا ينبغي أن يخفي حقيقة أن هذه الأرقام تأتي في سياق حالة غير صحية تلم بالاقتصاد الأميركي، ومن ثم فهي لا تعبر عن حالة نمو وتطور، والحقائق على الأرض تكشف عن مرحلة تردٍ وتدهور اللذين بات يعاني منهما هذا الاقتصاد، وتحذر من أمراض لايزال يقاومها بضعف، وتهدد بتراجع المرتبة التي يحتلها لصالح اقتصادات أخرى نشطة وتحمل في ثناياها كل مقومات النمو والتطور، مثل الاقتصاد الصيني. فعلى مستوى النمو لم يحقق الاقتصاد الأميركي خلال الربع الثاني (أبريل/ نيسان – يوليو/ تموز 2010)، ووفقاً لأرقام نشرتها الحكومة الأميركية أكثر من 1.6 %. ترافق ذلك مع تزايد العجز التجاري جراء تنامي الواردات على حساب الصادرات. وكان ذلك أحد العوامل التي اضطرت الرئيس الأميركي باراك أوباما، الأسبوع الماضي، إلى «ضخ 600 مليار دولار من السيولة لإنهاض الاقتصاد. الأمر الذي أدى إلى إضعاف الدولار مما أثار استياء الشركاء التجاريين للولايات المتحدة». وقد واجه الرئيس الأميركي انتقادات واسعة للولايات المتحدة تتهمها بأنها «تتعمد إضعاف الدولار، بينما تحاول لصرف انتباه مجموعة العشرين مجدداً إلى الاختلالات العالمية». ووفقاً للتبريرات الأميركية، فإن الحكومة الفيدرالية أقدمت على هذه الخطوة من أجل «العمل على زيادة وتيرة الانتعاش في قطاعي الإنتاج والعمالة، التي لاتزال بطيئة في الولايات المتحدة».
2. استمرار نسب التضخم في الثبات أو الارتفاع، حيث تشير التوقعات إلى بلوغ نسبة التضخم خلال هذا الشهر «3.0 % مقارنة بتوقعات أكتوبر/ تشرين الأول التي بلغت 2.7 %، في حين ثبتت توقعات التضخم لخمسة أعوام لتصل إلى 2.8 %». تزداد انعكاسات نسبة التضخم السلبية على الاقتصاد عندما تترافق مع نسبة بطالة عالية، لاتزال لم تنخفض عن 9 %، وهو ما تعاني منها السوق الأميركية منذ أكثر من ثلاث سنوات، والتي تتفاعل مع تنامي العجز التجاري، وهو ما أشرنا له أعلاه، كي تأخذ الاقتصاد الأميركي نحو مرحلة كساد جديدة تحذر منها الدوائر الاقتصادية الأميركية. وقد اعترف مجلس الاحتياط الاتحادي نفسه بأن وتيرة «التقدم نحو خفض معدل البطالة وتحسين معدل التضخم بطيئة بصورة مخيبة للآمال». هذا التزاوج بين ارتفاع معدلات البطالة ومؤشرات التضخم، لن تؤثر فيها خطوة ضخ الـ 600 مليار دولار، بل على العكس من ذلك، إذ قد تؤدي تلك الخطوة، وفي مثل هذه الظروف إلى نتائج سلبية، حذر منها خبراء اقتصاد، حيث قالوا باحتمال «أن تؤدي الخطوة الأخيرة إلى زيادة سريعة في معدل التضخم وخلق فقاعة أصول جديدة في الاقتصاد». وكان عضو لجنة السوق المفتوحة توماس هوينغ، أكثر المعارضين لفكرة ضخ تلك المبالغ، حيث أشار إلى «أن المخاطر التي ينطوي عليها شراء المزيد من السندات الحكومية تفوق الفوائد المنتظرة».
3. كذلك لا ينبغي أن يحرف أنظارنا عن امراض الاقتصاد الأميركي، ذلك الارتفاع المؤقت الطفيف الذي عرفه الدولار مؤخراً مقابل العملات الأوروبية بسبب ابتعاد المضاربين والمستثمرين، على حد سواء، عن المخاطرة في الأسواق الأوروبية التي ارتفعت ديونها، وتعاني هي الأخرى من انكماش يعطي الاقتصاد الأميركي تلك الفسحة المؤقتة التي أشرنا لها، والذي هو في أمس الحاجة لها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2991 - السبت 13 نوفمبر 2010م الموافق 07 ذي الحجة 1431هـ
بهلول
لا تفاول على دولنا تكون من العشر الأوائل ، أصلاً تلك الدول لم تصل لتلك المراتب إلا لكونها دول متسلطة مهيمنة و مستعمرة بكسر الميم الثانية ، أما في دولنا فيأبى ( من الإباء ) زعماؤها إلا أن يبتعدوا و ينأوا بأنفسهم و دولهم عن تلك الصفات و يصرون على الإيثار ( ولو بهم خصاصة ) وعلى أن نكون دولاً و شعوباً مستعمرة بفتح الميم الثانية ... الله يفتح علينا و عليهم و عليك.